مجلس الشورى والحق الضائع

 الدكتور محمد بن علي الكبيسي 



مجلس الشورى والحق الضائع

 

فِي البدايةِ نؤكِّد أنَّه لا خلاف بيننا وبين الحكومة، ولا بيننا وبين الوزراء المحترمين، فهم في الأول والأخير منَّا وفينا، ولكنَّ نقدنا لهم ينبع من محاولات الوصول لدرجة الكمال للبلاد والعباد. أما مجلس الشورى فنقدنا لهم ينبع من المحبة للأعضاء الذين انتخبناهم ليمثلوا الشعب في مجلس الشعب، وكل ميلان عن هذا الطريق سنكون لهم بالمرصاد. أما مكانة سمو الأمير المفدى، الذي نكن لسموِّه كل احترام وتقدير، فهو الخط الفاصل الذي نلجأ إليه عندما نرى أنه لا استجابة لمطالب الشعب من الحكومة بأعضائها، أو من مجلس الشورى بأفراده.

 

لقد خرج علينا مجلس الشورى، يوم الاثنين 14/2/2022، ببيان أنه "وبعد مناقشات موسعة اتسمت بالعمق والتفهم لأوضاع المتقاعدين، والحرص على تحقيق تطلعاتهم، وتقديرًا لبذلهم وعطائهم من أجل الوطن، أقرَّ مجلس الشورى مشروعَي القانونَين اللذين تمَّ إعدادهما تنفيذًا للتوجيهات السامية لحضرة صاحب السُموِّ أمير البلاد المُفدَّى لبناء نظام فعَّال للحماية الاجتماعية لجميع القطريين، ومواجهة أعباء الحياة، وتلبية تطلعات المتقاعدين، وضمان حياة كريمة لهم". وأكَّد السادة أعضاء مجلس الشورى، كما ذكر البيان، "أن المجلس يسعى إلى تحقيق مصلحة الوطن والمواطنين ولهذا درس المجلس مشروعَي قانونَي" التأمينات الاجتماعية والتقاعد العسكري" بصورة وافية ومتأنية، نظرًا لأهميتهما، وارتباطهما بشكل مباشر، بمصالح المتقاعدين". كلام رنَّان يوحي لمن يقرؤُه بأن مجلس الشورى فعلًا درس القانونَين، وقدم وجهة نظره بما يخدم منفعة المواطن. ولقد وضعت بيان مجلس الوزراء الذي صدر بتاريخ 24/11/2021، بجانب بيان مجلس الشورى الذي صدر بتاريخ 14/2/2022، بقصد معرفة ما هي إسهامات مجلس الشورى الحقيقية في دراسة القانونين. سبحان الله فلقد وجدت أن البيانَين هما طبق الأصل. وهذا يعني أن مجلس الشورى أخذ مشروعَي القانونَين من مجلس الوزراء وأقرهما كما وردا إليه، وفي الأخير ينسب ما جاء بالقانونَين بأنه نتيجة "اهتمام كبير ومناقشات معمقة من أعضاء الشورى لإنجازه". وفي هذا نقول لهم خافوا الله فإن ربَّ العالمين قد توعد المدعين بأعمال ليست لهم بقوله: "لَا تَحْسَبَنَّ ٱلَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَآ أَتَواْ وَّيُحِبُّونَ أَن يُحْمَدُواْ بِمَا لَمْ يَفْعَلُواْ فَلَا تَحْسَبَنَّهُم بِمَفَازَةٍۢ مِّنَ ٱلْعَذَابِ ۖ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ" آل عمران: 188.

 

لقد قمت بتحليل بيان مجلس الوزراء في مقال سابق ويمكن الرجوع له من خلال هذا الرابط https://www.dralkubaisi.com/2021/12/blog-post.html، ولا داعي لتَكرار ما حذرنا منه في ذلك المقال. أما هذا المقال فسيتم التركيز فيه على أثر المشروعَين، كما وردا بالبيان، على الموظف ومن ثَمَّ على المتقاعد.

 

أولًا: أثر ما نشر على الموظف:

سوف تزيد الأعباء المالية على الموظف. فمثلًا موظف راتبه 000ر10 ريال، والعلاوة الاجتماعية 400ر6 ريال، يدفع الآن مبلغ 820 ريالًا بدل اشتراك بالصندوق (البدل الآن هو 5 %). ولكن مع تطبيق القانون الجديد سترتفع قيمة الاشتراك الشهري إلى 568ر1 ريال (البدل سيكون 7 %). ولأن علاوة السكن تمت إضافتها إلى وعاء حساب الاشتراكات، فعليه سيتم حساب قيمة بدل السكن من تاريخ التعيين حتى اليوم الحالي. فلو اعتبرنا أنه متوظف من 15 سنة، سيصبح عليه دين للصندوق بمبلغ 600ر75 ريال واجبة السداد. ولكن قلوب مَن أعد القانون "رحيمة"، فقد أجازوا تقسيط كافة المبالغ المستحقة للصندوق على أقساط شهرية، وذلك كما قالوا: "تيسيرًا ومراعاة لظروف المؤمن عليه". وهذا يعني أن مبالغ الخصم الشهري على الموظف ستزيد لتصل بحدود 000ر4 ريال شهريًا. وبعبارة أخرى، إن الراتب سينقص ولن يزيد. فعلًا .. الله يعين اللي يعاني.

 

ثانيًا: أثر ما نشر على المتقاعد:

1.    لن تتعدل أحوال المتقاعدين قبل قانون 2002؛ لأنَّ القانون السابق استثنى المُحالين إلى التقاعد قبل تاريخ العمل به، وعليه يسري الاستثناء من التطبيق على كل من استُثني سابقًا لأنهم محملون على قوة ديوان الخدمة المدنية وليسوا على قوة هيئة المعاشات والتقاعد.

2.    صحيح أنَّ الحد الأدنى هو 000ر15 ريال ولكن لن يستفيد من ذلك إلا عدد محدود جدًا من المتقاعدين، وهذا الأمر لم يأتِ من مجلس الشورى بل هو من التوجيهات الأميرية.

3.    حدد مشروعا القانونَين السقفَ الأعلى للمعاشات بما لا يزيد على مئة ألف ريال"، وهذا ليس من اجتهاداتهم، بل هو ما تسعى إليه هيئة التقاعد منذ زمن طويل، وتحقق لها هذا الهدف الآن. إنه من المعروف أنَّ الصرف يأتي مساويًا للدخل، وهذا التحديد سيؤثر بلا شكّ على مُستوى معيشة جزءٍ من المتقاعدين.

4.    لن يكون هناك بدل سكن للمتقاعدين؛ لأنَّ بدل السكن مرتبطٌ بوعاء حساب الاشتراكات، وبما أنه متقاعد فليس له حساب اشتراكات. ولكن بما أنَّ الصندوق يبحث عن تمويل، فهناك احتمال أن يصرف بدل سكن إذا سدد المتقاعد رسوم الاشتراكات السابقة عن بدل السكن للصندوق.

5.    كان هناك أمل أن يستغني صاحبُ المعاش عن جزء من معاشه مقابل سلفة من الصندوق لتعديل وضعه. ولكن بوجود ربط بين السلف والملاءة المالية للصندوق فهذا يعني، بصورة مبسطة: "اغسلوا يدكم يا متقاعدين من إمكانية الحصول على سلف من الصندوق".

6.    كنا نأمل أن يكون منح العلاوة الدورية للمعاش بصفة سنوية، ولكن مجلس الشورى أكَّد ربطها بقرار من مجلس الوزراء ومدى ملاءة صناديق المعاشات، وهذا الأمر جعل العلاوة على مزاج مجلس الوزراء، وقدرة الصندوق وكأنَّ المتقاعدين "يطرون" حقوقهم من الغير.

7.    يصرُّ مجلس الشورى على عدم مساواة القطريين بعضهم ببعض مخالفًا بذلك الدستور، فهو قد وافق على إدراج علاوة اختصاص (طبيعة عمل) للمتقاعد العسكري، بينما لم يقر طبيعة العمل للمتقاعد المدني.

8.    لماذا لم يحدد مجلس الشورى نوعَ مكافأة صاحب المعاش لمدة الاشتراك التي تزيد على ثلاثين عامًا، أم أنها تركت لاجتهاد ومزاج هيئة التقاعد والخوف أنَّها تربط بملاءة صناديق المعاشات والتي تعني: "مشو بوزكم" تحصلوا عليها.

 

نكتفي بما سردناه في هذا المقال وبما حذرنا منه في المقال السابق، ونقول لمجلس الشورى: أين هي حقوق المتقاعد التي زعمت أنها تحققت؟ وأين مكافأة نهاية الخدمة لهم؟

 

وفي الختام نقول: إنَّ أهل قطر ناس طيبون، وعلى نياتهم. فبمجرد خروج بيان مجلس الشورى بأنه أقرَّ مشروعَي قانونَي "التأمينات الاجتماعية والتقاعد العسكري" قاموا بتهنئة بعضهم البعض وبشكر مجلس الشورى على هذا الإنجاز غير عالمين بما خُبِّئَ لهم من قنابل ستؤثر على مستقبلهم. إنني لم أجد، كما ادَّعى مجلس الشورى، أي تحسينات أو تعديلات تصب في صالح المتقاعدين. والذي أحزنني حقًا هو كيف استطاع مجلسا الوزراء والشورى اللعب في توجيهات سمو الأمير المفدى وتفريغها من محتواها. إنَّ سمو الأمير عندما أصدر تلك التوجيهات أراد فعلًا الخير لشعبه، ولكنَّ هناك أيدي لعبت ولا تزال تلعب حولت تلك التوجيهات الأميرية القابلة للتنفيذ إلى مواد قانونية خرجت عن أهدافها. نسأل الله العلي القدير أن يلهم سموَّ أميرنا المُفدَّى بعدم التصديق على مشروعَي القانونَين وأن يطلب من مجلسَي الوزراء والشورى إعادة النظر بالمشروعَين بما يحقق فعلًا الرفاه للشعب القطري.

 

والله من وراء القصد،،

 

 

Comments


  1. كلنا أمل في كرم سمو الأمير يفرجه
    حيث انسدت الأبواب

    ReplyDelete
    Replies
    1. كلنا أمل وترقب في كرم سمو أميرنا يحفظه المولى يفرجه حيث أنسدت أمامناالأبواب نحن المتقاعدين القدامى.....دعبدالحميد إسماعيل الأنصاري

      Delete
  2. السَّـلَامُ عَلَيٓكُم وَرَحْمَةُ اللّٰهِ وَبَرَكَٰاتُه
    سؤالي هو . هل الموافقة على طلب استقدام الزوجة التي تحمل الجنسية السورية الى دولة قطر{حرام }؟ علما ان مقدم الطلب مقيم في دولة قطر مسلم سوري الجنسية وعلاقته بالشخص المستقدم أنها زوجته شرعا ( حسب متطلبات الشريعة الإسلامية )وقانونيا ؟
    أفتونا في هذا ، إن كان حراما كي نرحل إلى بلد آخر يكون فيه اجتماع الزوج المسلم بالزوجة المسلمة حلال. وإن كان حلالا فما حكم من يرفض طلب الاستقدام المستوفى الشروط؟
    وجزاكم الله عنا كل الخير

    ReplyDelete
    Replies
    1. مافيه دين في هذي المسائل. حتى احنا القطريين ممنوع علينا الزواج من الخارج واحضار زوجاتنا.

      Delete

Post a Comment

Popular posts from this blog

مجلس الشّورى والتّقاعد

الحصار وتخبط غرفة قطر

الأرض والقرض للجميع