الأرض والقرض للجميع

 الدكتور محمد بن علي الكبيسي



الأرض والقرض للجميع
 
تقعُ دولةُ قطر في الخليج العربي على مساحة مسطّحة تغطي 521ر11 كيلومترًا مربعًا، وتتكون أراضيها من سطح صخري منبسط مع بعض الهضاب والتلال الكلسيّة في منطقة دُخان في الغرب، ومنطقة جبل فويرط في الشمال. وبلغت الكثافةُ السكانيةُ لدولة قطر لإجمالي السكان ما يُقارب 232 شخصًا لكلّ كيلومتر مربّع، أما الكثافةُ السكانيةُ للمُواطنينَ القطريين فقط، فهي حوالي 26 شخصًا لكل كيلومتر مربع. ويتركز معظمُ سكّان قطر في خمس مناطق، هي: الدوحة، والريان، وأم صلال، والوكرة، والخور. وبحساب المساحة المستغلّة من الأرض القطرية، وجدنا أنّها لا تمثّل سوى أقل من 7 % من إجمالي مساحة دولة قطر. وبعد أن انتهينا من درس الجغرافيا، ندخل لتعريف المواطن والقطري. إن المواطن في سياق موادّ الدستور القطري: هو كلُّ من يحمل الجنسية القطرية، والدليل على ذلك أنه لم يذكر القطريين إلا في موقَعين فقط (الوزارة والشورى)، أما بقية المواد فذكرَ المواطنين بحكم المطلق. إنه لا خلاف دستوريًا في أنَّ من يتولى الوزارة يجب أن تكون جنسيته الأصلية قطرية (انظر المادة 117 من الدستور)، وأيضًا نفس الشرط لأعضاء مجلس الشورى (انظر المادة 80 من الدستور)، ولكن هذا يجب ألا يشمل بقية حقوق المواطنة. والآن لنتحدّث عن القانون رقْم (2) لسنة 2007 الخاصّ بنظام الإسكان. إنَّ هذا القانون حدّد أن من مهامّ الدولة، توفيرُ السكن المُلائم للمواطنين، والقانون لم يفرّق في هذا بين القطري الأصيل، أو القطري بالتجنيس، بل شمل المواطنين ككل. وحدّد القانونُ مساحة الأرض التي تمنح للمواطن بألا تتجاوز مساحتها 625 مترًا مربعًا داخل مدينة الدوحة، و1000 متر مربع خارجها. أما المادة (6) من هذا القانون فقد أعطت مجلسَ الوزراءِ الصلاحيةَ بإصدار قرار "بأولويات وضوابط الانتفاع بهذا النظام وبتحديد شروط وضوابط انتفاع المتجنّسين به". وفعلًا صدر قرار مجلس الوزراء في هذا الشأن برقم (3) لسنة 2008. وحدد مجلس الوزراء في هذا القرار مدة أحقية انتفاع المجنّس بامتيازات الجنسية بخمس عشرة سنة على الأقل. وفي هذا فإني أرى أنه من حقّ الدولة التأكد من أن هذا المتجنس قد زاول، أو مارس المواطنة الحقة، وبها يحق له الانتفاع بمميزات المواطن القطري (ما عدا تقلد الوزارة والشورى). وأعتقد أن فترة خمس عشرة سنة هي مناسبة لتحقق هذا الأمر. ولكن مجلس الوزراء ارتكب خطأً كبيرًا بأن منح المتجنس قرضَ الإسكان البالغ 2ر1 مليون ريال فقط، ولم يشمل في قراره الأرض، وهو بهذا خالف مواد الدستور القطري مخالفة صريحة، وبالأخص المواد (18) و(19) و(20) و(34). وكما هو معروف عالميًا بأن أي قانون يخالف الدستور يعتبر باطلًا، فما بالك بقرار مجلس وزراء، الذي هو أدنى من القانون. إن المواطن المتجنّس، قبل قرار مجلس الوزراء، كان يمنح الأرض والقرض بصفته مواطنًا مكتمل الأركان، أما الآن فيجب عليه شراء أرض بقيمة لا تقل عن 5ر2 مليون ريال حتى يحق له أخذ القرض. إنه لا يجوز أن تنتقص أي حقوق دستورية لأي مواطن في قطر، ويجب ألا نسمح لأي شخص بتوجيه الحكومة لضرب نسيج المجتمع القطري المتجانس باقتراح مثل هذه القرارات. إن دراسة مثل هذه القرارات ذات التأثير في كافة القطاعات المختلفة، يجب ألا تقتصر فقط على مجموعة محدودة من الأفراد ذات المصالح المرتبطة بالقرارات أو لعدد من القانونيين، إنما يجب أن يُشكل عددٌ من المجموعات المتخصصة لدراسة التأثيرات التي سوف تنتج عن مثل هذه القرارات في المجتمع.
 
وبالنظر إلى هذا الموضوع من الجانب الاقتصادي، فسوف نرى أن مثل هذه القرارات غير المدروسة من الجوانب المختلفة، سوف تسهم بشكل رئيسي في زيادة الطلب على الأراضي الفضاء، وسوف تدفع بأسعارها إلى الارتفاع، وبالتالي سوف تزيد من نسبة التضخم، ما سيدفع الموظفين إلى المطالبة بزيادة مرتباتهم، وتحسين أوضاعهم المعيشية، والوصول الى التذمر العام من كافة فئات الشعب بسبب ارتفاع الأسعار التي سوف تشمل كافة القطاعات الأخرى. إن منح المجنس أرضًا وقرضًا، سوف يصبّ في مصلحة البلاد والعباد، حيث من المتوقّع أن يضخ اتخاذ هذا القرار مليارات الريالات في السوق القطري، وبالتالي سوف تنشط الشركات العاملة في البنية التحتية والبناء، وباقي الشركات المرتبطة بها، ما يؤدي إلى انتعاش في شركات القطاع الخاص وتنميتها، كما سيسهم بشكل رئيسي في خفض أسعار بيع وتأجير العقارات التي تعتبر من أهم أسباب التضخم لدينا في دولة قطر.
 
وفي الختام.. فيا مجلس الوزراء الموقر، إن حرمان المواطن المتجنس من الأرض قد أدى إلى العديد من المشكلات في المجتمع القطري، فيرجى إعادة دراسة القرار بشكل دقيق من كافة الجوانب، ويجب ألا يغيب عن حكومتنا الموقرة، أنه لا خوف من القطري المتجنس بحصوله على قطعة أرض، لأن القانون يؤكد أنه "عند سحب الجنسية تعود ملكية الأرض إلى الدولة". فلو أراد استرجاع جنسيته الأصلية ورغب بالمغادرة، فسوف تعود تلك الأصول إلى دولة قطر، بعكس المجمعات ذات الوحدات السكنية الضخمة، التي يتم بناؤها خارج الحدود، ومنحها لمواطني تلك الدول بدون دراسة، وبدون قانون، وحتى بدون قرار لمجلس الوزراء الموقر. والنقطة الأخرى ذات الأهمية هي تطبيق نص المادة (1) من القرار الوزاري وهو توفير وحدة سكنية مناسبة، ومنحها للمواطنين بكل أطيافهم، مقابل أقساط ميسرة. دمتم ودام الوطن يسمو بروح الأوفياء.
 
والله من وراء القصد،،
 


Comments

  1. والله عاليه الأرض عندكم بقطر جدا , ياساتر

    ReplyDelete

Post a Comment

Popular posts from this blog

مجلس الشّورى والتّقاعد

الحصار وتخبط غرفة قطر