مجلس الشّورى والتّقاعد

 الدكتور محمد بن علي الكبيسي


مجلس الشّورى والتّقاعد
 
استبشرَ المجتمعُ خيرًا عندما تمّت دعوتي من قبل مجلس الشّورى، وبدأ المغرّدون والمغردات بموقع التواصل الاجتماعيّ "تويتر" الطلبَ في توصيل رغباتهم، وما يُعانون منه في حياتِهم إلى المجلس. وفجأة تبخّرت أحلامُهم وآمالُهم عندما نشرت طلبَ مجلس الشورى بإلغاء الدعوة بحجة عدم وجود كراسيّ ومواقف سيارات بالعدد الكافي. شخصيًا لا يهمّني الحضور للمجلس من عدمه، ولكن الذي يهمّني أنّ مطالب المواطنين، والتي ضُمّنت في وعود الأعضاء المنتخبين ببرامجهم الانتخابية، أن تقابل بجدية وعمل متفانٍ من الأعضاء المنتخبين لتحقيقها، أو على الأقلّ التخفيف من المشاكل التي تصادفُهم في حياتهم. إننا نراقبُ- ولكن ليس بصمتٍ- ما يقوم به أعضاءُ المجلس، وسنكون لهم عونًا- إن شاء الله- في كل موقف إيجابيّ يصبّ في مصلحة المواطن، وسنكون ناقدين لهم وبقوّة في كل شيء يسير عكس ذلك.
 
لقد أدخل مجلسُ الوزراء الموقر السرورَ إلى كل بيت في قطر عندما أعلنَ، في 24/11/2021، المُوافقةَ على مشروعَي قانونَي التأمينات الاجتماعية والتقاعد العسكري، وأنه قام بإحالتهما إلى مجلس الشورى لإصدار التشريع اللازم. ولقد حاولت بكلِ جهد الحصول على نسخة من مشروعَي القانونَين ولكن كلّ جهودي باءت بالفشل، وكأن هذا الأمر سرٌّ عسكريٌّ خطيرٌ ممنوعُ الاطلاع عليه. ولكن مما نشر من بيان اجتماع مجلس الوزراء نستشفّ التالي:
 
أولًا: أمور لم يتعرّض لها البيان
1.    مجلسُ الإدارة: كان في السابق هناك مجلس إدارة لهيئة التقاعد، ولكن تم إلغاؤُه بموجب مرسوم بقانون رقم (18) لسنة 2009 بإلغاء بعض القوانين، وأصبحت تدار من قبل وزير المالية، ورئيس الهيئة فقط، وهذا أمر لم نشهده في أيّ مؤسسة أو هيئة في العالم لديها أصول نقدية واستثمارات متنوّعة بمليارات الريالات. إنَّ وجود مجلس إدارة يتولّى الإشراف على أنشطة الهيئة وصندوقها مهم جدًا، ويفضّل أن يكون المجلس مكوّنًا من المتقاعدين أو المُشتركين في حساب الهيئة.
2.    سنوات العمر أم سنوات الخدمة: حسب القانون السابق فإنّ الوصول إلى سنّ 60 عامًا هو المحدّد للتقاعد. فإذا تقاعد المواطن قبل 60 عامًا فيخصم من مخصّصاته 2 % سنويًا للفرق بين عمره وعمر 60 عامًا. فإذا رفع سنّ التقاعد إلى أكثر من 60 عامًا فسوف يؤدّي إلى زيادة الخصم على الموظف لصالح هيئة التقاعد، والمفروض أن تحدّد سنّ التقاعد بسنوات عمل، وهو كحدّ أقصى 35 سنة.
3.    مكافأة التقاعد أم مكافأة نهاية الخدمة: الفرق بينهما كبير، فمكافأة التقاعد تصرف لمن لا تتوفر لديه جميع الشروط المطلوبة لاستحقاق المعاش التقاعدي، أما مكافأة نهاية الخدمة، فهي حق قانوني يصرف من جهة العمل مرّة واحدة، وذلك عند انتهاء الخدمة للموظف بشرط أن يكمل على الأقلّ سنة واحدة. إن جميع المُتقاعدين خسروا الكثير من حقوقهم بسبب عدم الفهم بين المصطلحَين.
4.    نسبة خصم الاشتراكات الشهرية: تسعى هيئة التقاعد إلى رفع نسبة الخصم إلى أكثر من 5 % وهذا سيؤدّي في حالة وقوعه إلى أعباء مالية إضافية على الموظف.
5.    الحدّ الأعلى لمعاش المتقاعد: سعت هيئة التقاعد سابقًا لتحديد الحدّ الأعلى لمعاش التقاعد بمبلغ 50 ألفَ ريال، وإن شمل مشروعَي القانونَين مثل ذلك، فهذا فيه ظلم كبير على المواطنين وسيؤثّر على مستوى معيشة المتقاعد.
 
ثانيًا: أمور تعرض لها البيان وتحتاج تفسيرًا:
1.    "ألا يقل الحد الأدنى للمعاش عن خمسة عشر ألف ريال"، ونأمل ألا يكون ذلك شاملًا بدل السكن الذي وافق عليه سموّ الأمير.
2.    "إضافة بدل السكن كعلاوة إلى وعاء حساب الاشتراكات"، وهذه الجملة التي وردت في البيان تجعلنا في حيرة. وكما فهمنا من سياق العبارة أنّ المتقاعدين السابقين للعمل بهذا القانون لن يحصلوا على أي بدل للسكن، لأنه لم يدخل في وعاء حساب الاشتراكات لديهم عندما كانوا على قوة العمل بعكس علاوة الاختصاص للعسكريين التي لم تُربط بأي شرط.
3.    "منح مكافأة تُصرف لصاحب المعاش الذي تزيد مدة خدمته على (30) سنة"، والبيان لم يحدد نوع المكافأة ولا حجمها، وهل هي نوع من تأكيد مشروعية خصم 20 سنة من جهد الموظف المحال للتقاعد. نأمل ألا يكون ذلك. والسؤال: هل المتقاعدون الحاليون لهم أمل بالحصول عليها؟
4.    "جواز منح علاوة دورية في المعاش بقرار من مجلس الوزراء" لماذا تم وضع كلمة "جواز" لمنح العلاوة الدورية لمقابلة التضخم وغلاء الأسعار. ولماذا تم ربط أحقية الحصول على العلاوة الدورية بقرار من مجلس الوزراء؟ المفروض أن العلاوة الدورية هي حق للموظف والمتقاعد وذلك لمواجهة الغلاء.
5.    "حساب المعاش للمؤمن عليهم بالقطاع الخاص ليكون على أساس متوسط راتب آخر ثلاث سنوات، ليضمن أعلى متوسط للحساب" وهذا سيطيح بجزء من الراتب الأساسي للموظف المحال للتقاعد وسيكون التأثير أكبر إذا حصل الموظف على ترقية في سنته الأخيرة.
 
ثالثًا: أمور إيجابية من البيان ولكن:
1.    توسيع نطاق التغطية التأمينية لتشمل كافة المواطنين العاملين بالقطاعين الحكومي والخاص، وهذا أمر محمود تنفيذًا للمادة (34) من الدستور والتي تنصّ على أن: "المواطنون متساوون في الحقوق والواجبات العامة".
2.    "يجمع بين المعاش وراتب الوظيفة، في حال العمل بالقطاع الخاص" ولماذا يقتصر العمل بالقطاع الخاص لاستحقاق الجمع بينهما علماً بأن بعض المتقاعدين يعملون الآن بالقطاع الحكومي
3.    "شراء مدة خدمة اعتبارية"، وهذا شيء إيجابي لضمان حياة كريمة للمواطنين.
4.    استثناء المرأة من تخفيض المعاش لرعاية ولد أو أكثر من الأولاد ذوي الإعاقة، وهذا أمر يحسب لهم.
5.    زيادة نسبة نصيب الأرملة وهو أمر مطلوب شرعًا.
6.    جواز منح سلف لأصحاب المعاشات، وهذا أمر طال انتظاره.
 
والتخوف من هذه البنود يأتي من أنها مربوطة بعبارة "وَفقًا لضوابط حددها مشروعا القانونَين"، ولقد كانت لنا تجربة قاسية في القانون السابق، حيث إن معظم مواده كانت مربوطة بعبارة "وَفقًا لما تحدده اللائحة التنفيذية لهذا القانون"، وتلك اللائحة لم تصدر حتى الآن، ما جعل أكثر المواد في القانون السابق غير قابلة للتطبيق لصالح المتقاعد.
 
وفي الختام نقول: إنَّ هذا ما استطعت فهمه من بيان مجلس الوزراء الموقر ويصبح الدور الأكبر الآن بيد مجلس الشورى بأن يضمن حقوق المواطن القطري في كل جوانب حياته، ويجب على المجلس فرض ما يراه مناسبًا حتى ولو اصطدم بعكس رغبات الحكومة. إنّ حقوق المواطن، يا أعضاء مجلس الشورى المنتخبين، أمانة في أيديكم فحافظوا على الأمانة أمام ربّ العالمين.
 
والله من وراء القصد،،


Comments

  1. جزاك الله خير يا دكتور 🏆
    .....
    في نهاية المطاف .. ستأتي الأشياء
    من تلقاء نفسها دون أي جهـد
    أو ترحل للأبــد رغم كل الجهـود ...

    جلال الدين الرومي /
    ماعرفت من جلال الدين هذا .. بس كلامه صح 😁

    ReplyDelete
  2. مجلس الشورى منتخب ولكنه
    ما زال صوري

    ReplyDelete
  3. سلمت يداك بو علي وبيض الله وجهك يوم تسود وجوه الظالمين.
    إن ما تم من محاولات تقليص رواتب المتقاعدين وربط الدورية السنوية بموافقة مجلس الوزراء وغيرها في نظري لتغطية ما تعرضت له هيئة التقاعد من إستثمار أموالها في مشاريع خاسرة وبدون دراسة خسرت فيها مبالغ كبيرة وربما لم يساءل عنها أحد.

    ReplyDelete

Post a Comment

Popular posts from this blog

الحصار وتخبط غرفة قطر

الأرض والقرض للجميع