ما عجز عن قوله مجلس الشورى

 الدكتور محمد بن علي الكبيسي

ما عجز عن قوله مجلس الشورى
 
في البدايةِ أودَّ أن أعتذرَ من القُرَّاء الكرام على قلة المقالات في الشهور الأخيرة وذلك بسبب زيادة جرعة الغسيل الكُلوي من يومَين في الأسبوع إلى ثلاثة أيام. إنَّ التضخم، كما هو معلوم لديكم، يحدث نتيجة نمو الاقتصاد المرافق لزيادة الإنفاق. وعند حدوث التَّضخم، ترتفع الأسعار وتنخفض قيمة العملة الشرائية عما كانت عليه سابقًا، وعليه ترتفع تكاليف المعيشة، وتزيد الأعباء المالية على الفرد أو الأسر. ومجلس الشورى ناقش، في 24/1/2022، موضوع التضخم، وارتفاع تكاليف المعيشة، وزيادة الأعباء المالية في المجتمع. واعترف رئيس المجلس بأنَّ التضخم في قطر قد شهد تفاوتًا كبيرًا بالمقارنة مع دول المنطقة. ولكن رئيس المجلس وجه اللوم في هذا الأمر إلى ثقافة الاستهلاك الخاطئة، وأن لها دورًا كبيرًا في رفع الأسعار. أما نائبة رئيس المجلس فقد أرجعت الأمر إلى الارتفاع الكبير لأسعار الشحن. أما السادة الأعضاء فقد ذكروا أن موضوع الغلاء والتضخم يعتبر ظاهرة عالمية، ومع ذلك فإنهم ذكروا أن الدولة عملت على تحقيق الرفاه للمواطنين، ورفع مستوى معيشتهم. عجيب أمر مجلس الشورى القطري المنتخب فقد أرجع ما يعاني منه المجتمع لأمور منه وفيه، أو لأسباب خارجية، وغض الطرف عما قامت به الحكومة، وتقوم به حتى الآن، ما سبب التضخم، وارتفاع تكاليف المعيشة، وزيادة الأعباء المالية في المجتمع. صحيح أنَّ المجلس ذكر في مداولاته بعض الحلول لعلاج المشكلة، ولكن علاج المشكلة يجب أن يذهب للمسببات الرئيسية التي يعجز المجلس عن ذكرها وهي:
 
1.    إعادة توزيع استخدامات الأرض: قامت الحكومة بتفريع منطقة وسط مدينة الدوحة المكتظة بالسكان، والأنشطة التجارية، لبناء سوق واقف بشكله الجديد، ومنطقة مشيرب، وحدائق البدع، وحدائق ومواقف وادي السيل، ما أدى إلى ارتفاع أسعار العقارات السكنية والتجارية في جميع أنحاء مدينة الدوحة، ونتج عن ذلك زيادة في أسعار السلع والخدمات.
2.    تقليص الأجور: ومع ارتفاع قيمة السلع والخدمات قامت الحكومة، بدلًا من زيادة العلاوات لمواجهة ارتفاع الأسعار بتقليص الأجور، وتجميد صرف بعض البدلات. وهذا الأمر أتى عكس توجهات سمو الأمير المفدى الذي قال، في 11/11/2014: "أؤكد على أن التبذير والإسراف وسوء التعامل مع أموال الدولة، وعدم احترام الميزانية، والاعتماد على توفر المال للتغطية على الأخطاء هي سلوكيات لا بد من التخلص منها". وقاد هذا التقليص إلى جعل الكثير من الموظفين سواء كانوا مدنيين أم عساكر يعانون الأمرَّين لتوفير الأساسيات لحياتهم وحياة أسرهم.
3.    تكاليف قيادة المركبات: أي زيادة في تكاليف قيادة المركبات تؤثر بشكل مباشر في ارتفاع أسعار السلع والخدمات. والدولة لم تقصر في هذا الشأن، فهي قد رفعت تكلفة المحروقات من حوالي ريال للتر الواحد إلى أن تجاوز في كثير من الأحيان الريالين، في الوقت الذي لا يكلف إنتاج اللتر الواحد حتى محطات التعبئة مبلغ 16 درهمًا قطريًا. صحيح أن الحكومة يجب أن تربح مقابل بيع النفط بالسعر الدولي، ولكن يجب ألا يكون هذا الربح على حساب مواطنيها.
4.    الرسوم الحكومية: بدأت الرسوم الحكومية بالصعود غير الواقعي المستمر وذلك منذ 2008، وكان أعلاها رسوم الشركات والمؤسسات، مما حتم على تلك الجهات رفع خدماتها وسلعها لتعويض الرفع غير الطبيعي الذي تكبدته من جراء رفع الرسوم الحكومية.
5.    التعليم والصحة: ومع أنَّ الدولة ترصد في موازنتها السنوية مليارات الريالات لقطاعي الصحة والتعليم، إلا أننا نجد أن تأخر مواعيد العلاج، والذي يمتد إلى عدة أشهر، والتدهور النوعي في التعليم الحكومي، أجبر الكثير من الأسر للبحث عن خدمات أفضل بالقطاع الخاص، الذي يفرض تكلفة مرتفعة لتقديم مثل تلك الخدمات، الأمر الذي أرهق الكثير من الأسر اقتصاديًا، بل أن البعض عجز عنها.
6.    تدهور الطبقة الوسطى: وهي الطبقة التي تقع بين الطبقة الغنية والطبقة الفقيرة، وهي تضم في العادة الموظفين المتعلمين الذين يشغلون الرتب العليا والمتوسطة. وتدهور الطبقة الوسطى لم يأتِ مفاجئًا فدخلها الشهري لم يرتفع على عكس تكاليف المعيشة، مما خفّض من مستوى الادخار، وجعل الكثير منهم يستدين من أجل أغراض استهلاكية أو خدمية. وسيستمر تدهور البقية الباقية منهم إذا لم تتخذ الحكومة أي خطوات لمواجهة هذا التدهور. إن الحفاظ على الطبقة الوسطى مهم لأنها أكثر الطبقات المحركة للاقتصاد بفضل مساهمتها في خلق المشاريع، وتحفيز الاستهلاك. وفي نفس الوقت هي الطبقة المؤدية للاستقرار والتماسك الاجتماعي والمحافظة على قيم الاعتدال والتسامح.
 
ومع كل الأسباب التي ذكرت فيجب ألا ننكر وجود احتكار بسبب الوكالات التجارية، وهذا الاحتكار قاد إلى غياب التنافسية ما جعل الوكيل يتحكم بالسوق والأسعار.
 
وفي الختام نقول: إن مجلس الشورى والذي يمثل السلطة التشريعية يملك كل المقومات لوضع الحلول المناسبة لما ذكر من أسباب. وإن أراد المجلس الخير للمواطنين فعليه محاسبة السلطة التنفيذية على أعمالها التي نتج عنها التضخم، وارتفاع تكاليف المعيشة، وزيادة الأعباء المالية في المجتمع. صحيح أنَّ هناك "بعض" التجار ركب موجة زيادة الأسعار، ومحاربةُ هؤلاء سهل للغاية، وذلك بتفعيل القوانين التي تمنع الاحتكار وتدعم التنافسية. وفي هذا يجب ألا ننسى أن للمواطن دورًا رئيسيًا في الرقابة على الأسعار، أولًا بالبحث عن بديل للسلع التي ارتفع سعرها، وثانيًا بعدم التزاحم على شراء السلع بغرض تخزينها، وثالثًا بإبلاغ إدارة حماية المستهلك عن أي بائع تجزئة يرفع السعر.
 
والله من وراء القصد،،
 


Comments

  1. الله يعطيك العافية دكتور و يسهل عليك وما قصرت على المقال الرائع

    ReplyDelete

Post a Comment

Popular posts from this blog

مجلس الشّورى والتّقاعد

الحصار وتخبط غرفة قطر

الأرض والقرض للجميع