الشورى.. والمسار الخاطئ

 الدكتور محمد بن علي الكبيسي


الشورى.. والمسار الخاطئ
 
بعدَ طولِ انتظار بلغَ أكثر من 15 سنة، تمَّ إنشاء مجلس الشورى المنتخب. ولكن، كما قيل الفرحة لا تكتمل، فلقد وجدت أنَّه من واقع الجلسة الافتتاحية لهذا المجلس، والتي عُقدت بتاريخ 26/10/2021، أنه حمل رقم خمسين لدور الانعقاد السنوي لمجلس الشورى، وهذا يدل على أن هذا المجلس هو امتداد للمجلس السابق مع أن كلا المجلسَين يختلفان في تكوينهما. فالمجلس السابق، كما حددته المادة (40) من النظام الأساسي المؤقت المعدل لعام 1972، أنشئ "ليعين برأيه الأمير ومجلس الوزراء في أداء مهامهما. ويعبر عن رأيه في شكل توصيات". حتى تقديم التوصيات، وإبداء الرغبات للمجلس السابق "يجب ألا تخرج عما يعرض عليه من أعمال". أما المجلس المنتخب فصلاحياته، كما حددتها المادة (76)، تمتد لتشمل "سلطة التشريع، ويقر الموازنة العامة للدولة، كما يمارس الرقابة على السلطة التنفيذية". وفوق ذلك فإنه من حق عضو مجلس الشورى، كما بينته المادة (108)، "إبداء الرغبات للحكومة في المسائل العامة، وإن تعذر على الحكومة الأخذ بهذه الرغبات وجب أن تبين للمجلس أسباب ذلك". وربما يقود ذلك إلى الاستجواب، وحجب الثقة عن أحد الوزراء. يعني ذلك أن المجال مفتوحٌ لأي موضوع يطرح بالمجلس وعلى الحكومة الإنصات لرغبات الأعضاء الذين يمثلون رغبات الشعب. ومجلس الشورى المنتخب له صلاحيات قوية، فهو عند إقراره أيَّ تشريع يجب على سمو الأمير المفدى أن يصادق عليه، وفي حالة عدم التصديق يجب على سمو الأمير أن يذكر الأسباب. وعند إقراره مرة أخرى من مجلس الشورى بعد رفضه السابق، فعلى سمو الأمير المصادقة على التشريع حتى ولو كان ذلك يأتي عكس رغبات سموه. ولكن ومع كل هذه الصلاحيات لم يقم الأعضاء بما يجلب النفع العام للمجتمع. إليكم بعض نماذج، وليس كل ما تم مناقشته بالمجلس:
 
الموضوع الأول: ناقش المجلس، في 15/11/2021، تفعيل قانون رقم (7) لسنة 2019 بشأن حماية اللغة العربية. وهذا، من وجهة نظري، خطأ وقع به المجلس عندما طرح الموضوع للنقاش لأن:
1.    التشريع موجود وواضح في مواده ولا نحتاج لتشريع جديد.
2.    القانون في كل مواده أجاز استعمال لغة أخرى، وهذا يعني أن اللغة العربية هي الأساس ولكنها ليست هي الوحيدة.
3.    غالبية العمالة في قطر أجنبية وافدة وغالبيتهم لا يعرفون اللغة العربية.
4.    لا يمكن إجبار بعض الجهات على استعمال اللغة العربية (الصحة، البنوك، شركات الطيران، مؤسسة قطر، وغيرها الكثير).
5.    الموضوع لم يكن مطلبًا شعبيًا.
 
الموضوع الثاني: ناقش المجلس، في 22/11/2021، مشروع الموازنة العامة. وشخصيًا أرى أن مجلس الشورى (المفروض أنه حامي الدستور) ارتكب عدة مخالفات. فالمادة (107) من الدستور القطري تلزم مجلس الوزراء بوجوب "عرض مشروع الموازنة العامة على مجلس الشورى قبل شهرين على الأقل من بدء السنة المالية، ولا تعتبر نافذة إلا بإقراره لها". ومن محاضر مجلس الوزراء الموقر نجد أن إقرار مشروع الموازنة العامة للدولة للسنة المالية 2022 تم بتاريخ 17/11/2021، وهذا يعني أن الإقرار تم في أقل من شهرين من بدء السنة المالية والتي تبدأ في العادة بتاريخ 1/1 من كل سنة شمسية، وهذا مخالف لنص المادة الدستورية. والعجيب أن مجلس الشورى لم يقم بتنبيه مجلس الوزراء على تلك المخالفة، وبدلًا من ذلك فقد وافق، بتاريخ 22/11/2021، على إدراجها ضمن جدول أعماله ، والأعجب من ذلك أنه أقرها في نفس اليوم الذي أدرجت فيه. وهذا يعني أن الموازنة أقرت بدون قيام الأعضاء بقراءتها والتعليق على بنودها.
 
الموضوع الثالث: ناقش المجلس، في 3/1/2022، المظاهر السلبية المصاحبة للزواج لوضع ضوابط ومقترحات لتفاديها. إن الرغبات الشخصية والعادات والتقاليد الأسرية هي التي تحدد مقدار ما يصرف على حفلات الزواج، فهناك بعض العائلات حتى قبل فيروس كورونا كانت تكتفي بالإشهار فقط والبعض الآخر لا يكتفي حتى بحفلات ألف ليلة وليلة. إن المجلس، حسب ما أراه، لم يوفق بإدراج هذا الموضوع على جدول أعماله فمثل هذه الأمور تتحكم بها المنزلة الاجتماعية والاقتصادية لأفراد المجتمع. صحيح أن المغالاة في الزواج أصبحت من الأمور الشائعة، ولكن علاجها لا يحتاج إلى تشريع بل يحتاج إلى توعية مجتمعية تقوم بها وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، ووزارة التنمية الاجتماعية والأسرة، ووزارة الثقافة.
 
الموضوع الرابع: ناقش المجلس، في 24/1/2022، التضخم وارتفاع تكاليف المعيشة وزيادة الأعباء المالية في المجتمع. شخصيًا فرحت لإدراج مثل هذا الموضوع؛ لأنه من مواضيع النفع العام، ويقع من ضمن صلاحيات المجلس. ولكن من قراءة بيان المجلس، الذي صدر بتاريخ 24/1/2022، يتضح أن المناقشة كانت في صف الحكومة وليست في صف الشعب، فلقد ورد بمحضرهم اتهام الشعب بهذه الظاهرة بقولهم: "إن ثقافة الاستهلاك الخاطئة تلعب دورًا كبيرًا في رفع الأسعار" في حين أن الأعضاء يكيلون المديح للدولة بقولهم: "إن الدولة عملت على تحقيق الرفاه للمواطنين، ورفع مستوى معيشتهم". إن الدولة، في الحقيقة، هي التي سببت هذا التضخم وهذا الغلاء عن طريق إزالة الكثير من الأحياء التجارية، وفرض الرسوم غير الواقعية على الأفراد والشركات، ولا ننسَ أن الشركات الوطنية الحكومية، أو المدعومة من الحكومة، هي التي تحتكر السلع والخدمات وترفع أسعارها بشكل مستمر.
 
المواضيع التي عرضت على مجلس الشورى المنتخب حتى الآن كثيرة، ولكننا نكتفي بما أوردناه من مواضيع أدرجت بشكل رسمي في جدول أعماله. إن لدى أعضاء مجلس الشورى المنتخب صلاحيات كبيرة، ولكنها غير مستغلة بالشكل الصحيح، وذلك ربما يرجع إلى عدم اكتمال اللوائح الداخلية للمجلس، والهيكل التنظيمي والإداري والمالي للأمانة العامة، متضمنًا أعمال اللجان، وتنظيم الجلسات، وقواعد المناقشة، والتصويت، وسائر الصلاحيات المنصوص عليها في الدستور، وهذا أمر يعطيهم نوعًا من العذر في عدم إحرازهم أي إنجاز حقيقي لصالح أفراد المجتمع، والحمد لله، فإنَّ هذا العذر قد أوشك على الانتهاء. إن الصدمة الحقيقية لمجلس الشورى أتت من أن الأعضاء المنتخبين بالمجلس لم يتقدموا بأي من وعودهم الانتخابية لطرحه للنقاش (ما عدا قانون الإسكان). إن الإسلام يحث على الصدق في الكلام والصدق في الوعود، وكما يقول المثل: "وعد الحر دين عليه". صحيح أن المجلس أنشأ لجنة لدراسة الوعود الانتخابية لأعضائه ولكننا لم ولن نرى نهاية لعمل هذه اللجنة.
 
وفي الختام نقول، كما يقول الفرنسيون: "عطاء من دون وعد خير من وعد من دون وفاء". إنني أطالب مجلس الشورى بوضع تشريع يلزم المرشح للمجلس بتنفيذ كافة وعوده الانتخابية؛ لأن ذلك يأتي حسب القوانين القطرية في بند "الغش والخداع" حيث يحاسب القانون القطري مرتكبيه (مادة (241) ومادة (242) من قانون رقم (14) لسنة 1971 بشأن عقوبات قطر). النقطة الأخرى أن أعضاء المجلس، وكما أراه، لم يصلوا إلى الوعي وإدراك ما بيدهم من صلاحيات لاقتراح القوانين (مادة 105)، واستجواب الوزراء (المادة 110) ولا طريقة طرح الثقة بالوزراء (المادة 111). وإذا بقي الوضع على ما هو عليه، فإنني أطالب وبقوة عودة مجلس الشورى السابق للعمل "ليعين برأيه الأمير ومجلس الوزراء في أداء مهامهما" بدلًا من زرع الشك في ثقة المواطن بالعملية الانتخابية، مما قد يقود إلى عزوفه وعدم مبالاته بالمشاركة بأي من هذه المظاهر الديمقراطية مستقبلًا.
 
والله من وراء القصد،،
 


Comments

Popular posts from this blog

مجلس الشّورى والتّقاعد

الحصار وتخبط غرفة قطر

الأرض والقرض للجميع