كفاية رسوم يا حكومة
الدكتور محمد بن علي الكبيسي
كفاية رسوم يا حكومة
قرّرت أوبك، في 1997، زيادة سقف إنتاجها غافلة عن:
1. الركود الاقتصادي الذي يجتاح ما يسمى بالنمور الآسيوية.
2. عودة صادرات النفط العراقي إلى السوق، تحت رعاية الأمم المتحدة، فيما يسمى برنامج النفط مقابل الغذاء.
وهو الأمر الذي أدى إلى هبوط سعر النفط ليصل إلى الحضيض عند أقل من 10 دولارات، ما أظهر عجزًا في الموازنة العامة للدول النفطية، ومنها دولة قطر. ومن هنا أصبح من الطبيعي على الحكومة القطرية إعادة النظر في رسوم الخدمات الحكوميّة، التي كانت فعلًا تقدم بأسعار رمزية لا تتناسب مع تكلفتها الحقيقية. ومع الأزمة المالية العالمية، التي حدثت في 2008، بدأت الحكومة في تطبيق ما يسمى بالإصلاح الاقتصادي والمالي، ما جعلها ترفع من قيمة الرسوم الحكومية على الخدمات العامة إلى مستويات قياسية، وأصبحت تلك الرسوم في حكم الضريبة المستترة. فعلى سبيل المثال، ارتفعت رسوم الإقامة الشخصية من 50 ريالًا إلى 500 ريال، ورسوم إقامة العمل من 50 ريالًا إلى 100ر1 ريال، في حين أنَّ رسوم السجلات والرخص التجارية قد ارتفعت من 10 ريالات إلى أن وصل بعضها إلى أكثر من 30 ألف ريال. ومن الواضح أن الحكومة لم تكتفِ بتحصيل الرسوم من المواطنين والمقيمين بشكل مباشر، بل استخدمت التجار لتحصيل مبالغ إضافية لها من السكان بشكل غير مباشر من خلال فرضها الرسومَ المبالَغَ بها على التجار الذين سيقومون باستردادها عن طريق رفع الأسعار (يعني لا تلوموا التجار فقط في رفع الأسعار). وكتبت في 2010 محذرًا الحكومة بعدم المغالاة في فرض الرسوم؛ لأن مثل هذا الأمر سيؤدي إلى زيادة في الأسعار، وسيرفع من نسبة التضخم في الدولة، وسيقلل من القيمة الشرائية للريال القطري، وربما يؤدي إلى عدة إفرازات وبخاصة مشكلات اجتماعية أمام محدودي الدخل، وأن المواطنين القطريين هم من سيتأثرون سلبًا بموضوع زيادة الرسوم لأنها، وللأسف، ستأتي من جيوبهم. وفي 2014 قامت الحكومة مرة أخرى برفع الرسوم على بعض الخدمات. ومع وصول سعر النفط، في بداية 2016، إلى 27 دولارًا للبرميل، وهو أدنى مستوى منذ 12 عامًا، قامت بالتوسع في فرض الرسوم لتشمل كثيرًا من الخدمات. ولكن كان أكثرها تأثيرًا هو عندما أعلنت الحكومة، في يناير 2016، رفع أسعار وقود السيارات بنسبة زادت على 30 %، وعندما قُوبلت بعدم الاعتراض من الناس قامت مرة أخرى، في أبريل 2016، بربط أسعار الوقود بأسعار السوق العالمية للمشتقات النفطية، وكأن قطر هي من الدول المستوردة للنفط، وكان الهدف المعلن لهذا التوجه هو رفع كفاءة استخدام الطاقة في الدولة، وزيادة الوعي لدى المستهلكين بضرورة الاقتصاد في استهلاك الوقود، فيما كان الهدف الحقيقي هو رفع الدعم عن المحروقات لخفض النفقات الجارية في موازنتها العاجزة. هذا الرفع غير المنطقي لأسعار وقود السيارات دفع أسعار السلع والخدمات إلى الصعود. ومع الحصار الذي بدأ في 5/6/2017 توقفت آلية رفع الرسوم قليلًا، ولكنها عادت وبقوة في 2020 عندما بدأت حرب الأسعار بين السعودية وروسيا، ما هبط بأسعار النفط إلى مستوى 20 دولارًا، وأصبح القطريون بين همّ الحصار من جهة، وزيادة الرسوم من جهة ثانية، وزيادة التضخم وما نتج عنها من زيادة الأسعار من جهة ثالثة. وأصبحت الوزاراتُ تتفنن في فرض الرسوم، فمثلًا شهادة من وزارة التجارة والصناعة من سطر واحد برسوم تبلغ 500 ريال، أما المرور فرسوم مخالفاته تجاوزت رسوم مخالفات أي دولة خليجية أخرى. وعندما تسأل لماذا هذه الرسوم العالية؟، يأتي الجواب لتحقيق المصالح الاجتماعية المشتركة بين الفرد والدولة عن طريق أخذ الدولة لرسوم مادية مقابل الخدمات، والتخفيف من أعباء النفقات الحكومية، وكمحاولة لمعالجة العجز في الميزانية. وبعد أن تمت المصالحة الخليجية، في 5/1/2021، بدأ الحديث في قطر عن تطبيق ضريبة القيمة المضافة التي اعتمدت من مجلس التعاون الخليجي وتم تطبيقها في بعض دوله. ونحمد الله، على أن هذه الضريبة لا تزال في مرحلة التشريع في دولة قطر، وهنا نركن على مجلس الشورى ألا يمرر مثل هذا القانون القاتل لشريحة كبيرة من المجتمع. مما سبق يتضح لنا أن الحكومة، مع ما أعطاها الله من خير، تريد أن تحل مشكلة العجز المالي عن طريق رفع الرسوم مقابل خدماتها، بالإضافة إلى فرض رسوم جديدة على المواطنين والمقيمين. وبهذا يتحقق لها تنفيذ مشاريعها بالكامل بدون أن تصرف ريالًا واحدًا من مواردها. يعني أن الحكومة لا تعرف المواطن إلا وقت هبوط أسعار النفط، ولا تعرف منه إلا جيبه، أما في وقت ارتفاع الأسعار ووقت الرخاء فهي لا توجه أيَّ من الفوائض لهذا المواطن.
من المعروف أنَّ الجهات الحكومية تقدم خدمات كثيرة للمواطن، ومن ثَمَّ فإن عائد هذه الرسوم سوف يسد الحاجة في موازنة الدولة، ولهذا فإن فرض الرسوم ليس عليه أي غبار، ولكن يجب أن تكون هذه الرسوم موازية لقيمة الخدمة التي طلبها الفرد أو التي تقدم له دون طلب منه، ويجب ألا تكون رسومًا تحقق أرباحًا طائلة للحكومة. إنه من المعيب أن تستخدم الحكومة جباية الرسوم من المواطنين كمحاولة لمعالجة العجز في الموازنة، متناسية حجم الإسراف في الوزارات والإدارات الحكومية والهدر المستمر للمال العام، إضافة إلى التعاقد مع شركات غربية تتقاضى أجورًا خيالية لأعمال كان يؤديها القطريون بكفاءة عالية، وطبعًا لا ننسى عقود اللاعبين والمدربين الأجانب التي تتجاوز كلّ الحدود المعقولة، ولهذا لا يمكن أن يتحمل المواطن أخطاء الوزارات والجهات الحكومية التي عجزت عن القيام بمسؤولية حماية المال العام.
والله من وراء القصد،،
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ReplyDelete