أين أموال المتقاعدين؟

الدكتور محمد بن علي الكبيسي


أين أموال المتقاعدين؟
 
المُواطنونَ القطريونَ لهم الله، فلقد أنصفهم الدستورُ القطريُّ في كل جوانب الحياة، لكنَّ القوانين التي صدرت مثل قانون الموارد البشرية، وقانون التقاعد، قد أهدرا لهم كلّ شيء، واليوم سنتحدث عن "ثلاث حالات فقط". إن المواطن القطري الذي أحيل للتقاعد يتساءَل وهو على قيد الحياة أين أموالي؟ أمّا الورثة أو من يعولهم المتقاعد في حياتِه، فهم بدورهم يتساءلون أين أموال من كان يعولنا؟ أما من فرح بتوجيهات سموّ الأمير المُفدّى ببدل السكن، وتحديد الحد الأدنى لمعاشات المتقاعدين، فهم يتساءلون من بدّد فرحنا، وأخّر تسلمنا أموال تلك التوجيهات السامية؟
 
الحالة الأولى: إنَّ قانون رقْم (15) لسنة 2016 بإصدار قانون الموارد البشريّة المدنية حدّد بالمادة (117) أنّه "يستحق الموظف القطري الذي أمضى في خدمة الجهة الحكومية سنة على الأقل، مكافأةَ نهاية خدمة، تحسب كما يلي:
 
1.    راتب أساسي شهر واحد عن كل سنة من سنوات الخدمة الخمس الأولى.
2.    راتب أساسي شهر ونصف عن كل سنة من سنوات الخدمة الخمس التالية.
3.    راتب أساسي شهران عن كل سنة مما زاد على ذلك.
 
ولكنّ المشرّع أضاف في نفس المادة: "ويشترط لاستحقاق الموظّف لهذه المكافأة ألا يكون مستحقًا لمعاش وَفقًا لأحكام قانون رقم (24) لسنة 2002 بشأن التقاعد والمعاشات". هذه الفقرة هي قصور حقيقي لدى من قام بصياغة قانون التقاعد، في فهم مصطلحات قوانين التقاعد. فعلاً لا يمكن اجتماع المعاش التقاعدي مع مكافأة التقاعد، ولكن يمكن الجمع بين المعاش التقاعدي ومكافأة نهاية الخدمة. إنَّ مكافأة التقاعد، يا سادةُ يا كرام، هي مبلغ مالي مقطوع، يدفع من جهة العمل مرة واحدة للموظف، إذا لم تتوفر لديه جميع الشروط المطلوبة لاستحقاق المعاش التقاعدي، ويدفع المبلغ على أساس المعادلات المشار إليها سابقاً. أما مكافأة نهاية الخدمة، والتي تعتبر حقًا قانونيًا كما ذكرته المادة (117)، فهي مبلغ مالي مقطوع يدفع من جهة العمل مرّة واحدة، وذلك عند انتهاء الخدمة للموظف، أو عائلته، وتقدر بحسب الراتب الأساسي، ومدة الخدمة، وسبب انتهائها، ما يعني أنّ مكافأة التقاعد تصرف لمن يخرج من وظيفته بدون أن يستحقّ معاشًا تقاعديًا. وهذا القصور في فهم الفرق بين المصطلحَين أدّى إلى ضياع أموال مكافأة نهاية الخدمة من المتقاعدين القطريين. ولتقريب الصورة أكثر، فإنّ الجهة الحكومية التي كنت أعمل بها، على سبيل المثال، قد استحوذت من أخيكم، وبحسب المعادلات السابقة، على 5ر42 شهر. فالجامعة بدلاً من تسليمي مكافأة نهاية الخدمة ما يعادل 5ر60 شهر عن خدمة استمرّت حوالي 34 سنة، قامت بتسليمي فقط 18 شهرًا، فأين بقية أموالي؟
 
الحالة الثانية: من المعروف أن المعاش التقاعدي ما هو إلا حصيلة:
1.    خصم إجباري من راتب الموظف في حياته بنسبة تبلغ 5 % من الراتب الأساسي والعلاوة الاجتماعية، وهذه الأموال يجب أن تعامل بمثابة الدين له. فهذه الأموال هي ملك وحق له ينتقل إلى ورثته من بعده، فيقسـم بينهم كل حسـب حصته من التركة، فيقسم كما يقسم باقي التركة، لأنه جزءٌ منها.
2.    منحـة من أموال الدولة بنسبة تبلغ 10 % من الراتب الأساسي والعلاوة الاجتماعية، وبما أنها منحة فيجوز للمانح تقييد منحته. وتعتبر هذه الأموال من عقود التبرعات، وتصرف كما حدّدها المانح وفصلها بقانون التقاعد.
 
إنَّ قانون التقاعد الحالي لم يفرّق بين ما هو دين للمتوفَّى، وما هو هِبة من أموال الدولة، وبهذا فإن المشرّع ضرب عرضَ الحائط بأحكام المواريث في الإسلام. بجانب ذلك نجد أن المادتَين (17) و(18) من قانون رقم (24) لسنة 2002، بشأن التقاعد والمعاشات، حرمتا الزوجة والبنات من المعاش إذا تزوّجن، والأبناء إذا بلغوا من العمر 21 سنة، على أن يعود المعاش التقاعدي، حسب الأنصبة، للأم والبنات إذا طلقن، أو ترملن، والأبناء إذا أصابهم العجز. فعلاً، إن الذي أعدّ القانون يحب (الخير) للمواطنين لأنه يتمنى النكبات لورثة المتوفَّى حتى يصرف لهم المعاش. أما المادة (19) من نفس القانون فهي عجيبة حيث يحرم صاحب المعاش من معاشه، ولا يصرف له منه أي شيء، إذا سحبت منه الجنسية القطرية، مع العلم بأنه نفس الشخص الذي كان يعمل ويخصم منه الاشتراكات. وسبب حرمانه من تلك الأموال أنه قد يُعاد له صرف المعاش إذا أُعيدت له جنسيته.
 
الحالة الثالثة: بتوجيهات سامية من سموّ الأمير المُفدّى تقرر ما يلي:
1.    تحديد الحد الأدنى لمعاشات المتقاعدين بمبلغ 000ر15 ريال قطري.
2.    إضافة بدل السكن لمعاش المتقاعدين.
 
ومن المعروف أن توجيهات سموّ الأمير المُفدّى هي ذات تطبيق فوري غير قابلة للتأجيل، وهذا ما عهدناه من سموّه عندما يأمر بمساعدة أي دولة، أو منظمة عالمية بمئات الملايين من الدولارات. ولهذا فعندما تحدّث معالي رئيس مجلس الوزراء للصحافة القطرية ناقلاً توجيهات سموّ الأمير المُفدّى بتحديد الحد الأدنى وبإضافة بدل السكن للمتقاعدين فرح جميع المواطنين واستبشروا خيرًا. ولكن حتى هذه الفرحة جاء من يقتلها ويؤجّل تطبيقها، كأنهم استكثروا على المُواطنين هذه المبالغ اليسيرة.
 
وفي الختام نقول: إننا لم نذكر كل ما يعاني منه المواطن المتقاعد من قانون التقاعد من جهة، وعدم إصدار لائحته التنفيذية من جهة ثانية، ولا نقول لهؤلاء المواطنين، الذين تم زجّهم في قوائم المتقاعدين، سوى اصبروا فإن خلف هذه المعاناة أمراً عظيماً أراده الله لكم، فقد قال تعالى "وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ ۗ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156) أُولَٰئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ (157) " البقرة. تصدقون أن الجَدّ والجَدّة، وبحسب قانون التقاعد، لا يوجد لهما نصيب في أموال أحفادهما.
 
والله من وراء القصد،،


Comments

  1. عفواً دكتور /محمد ذكرت المادتين (17)و(18 من القانون رقم (24 لسنة2002 وهو حرمان الارمله او البنات من المعاش في حال الزواج او العمل لكن يوجد حالات مخالفه لما ذكرت فمن البنات من تجاوزن الثلاثين سنه وقطع عنهم معاش والدهم المتوفي مع العلم انهم لم يتزوجن ولا يعملن ولكن تم وقف المعاش عنهم وهذا الاجراء غير قانوني ارجو ان تكتب عن هذه المشكله

    ReplyDelete

Post a Comment

Popular posts from this blog

مجلس الشّورى والتّقاعد

الحصار وتخبط غرفة قطر

الأرض والقرض للجميع