عودة إلى المجالس

 الدكتور محمد بن علي الكبيسي


عودة إلى المجالس
 
ضيفٌ ثقيلٌ قدِم لنا من إيران، لا مرحبًا به ولا سهلًا. وإليكم القصّةَ كما شهدناها وعشناها. في 17/11/2019، وفي ووهان الصينيّة، تمّ تسجيلُ أول إصابة بشرية بفيروس كورونا، وبسبب سرعة انتشار المرض، والأعراض الخطيرة له، قامت الحكومةُ القطريةُ، بناءً على تقارير وردتها من منظّمة الصحة العالمية، بإنشاء لجنة عُليا لإدارة الأزمات. وتمَّ عقدُ أوّل اجتماع لها برئاسة حضرة صاحب السّموّ أمير البلاد المُفدَّى، وكانت هذه اللجنةُ تمدّ مجلس الوزراء الموقر بمرئياتها من الإجراءات الاحترازيّة، وكان المجلس بدورِه يصدر القراراتِ الملزمةَ لكل سكان قطر. ونجحت هذه اللجنةُ، بإجراءاتِها الاستباقية، في إبقاء قطر خالية من الفيروس، في الوقت الذي كانت الدول المُحيطة بنا يسقط بها العشرات، بل المئات، من جرّاء هذا الوباء. وقامت العديدُ من الدول بإغلاق مجالاتها الجويّة، وبمنع المطارات من استقبال أي طائرة، وبخاصّة من الدول المُنتشر بها الفيروس. ومع توقّف الطيران بين الدول، ازداد صراخُ الناس المحتجزين في الدول الأخرى. وعندها قامت قطر بنجدة مُواطنيها بتسيير طائرات خاصة. وكان عددٌ من المُواطنين قد احتجز في إيران فقامت الدولة بإجلائهم. وعندما حطّت الطائرة في مطار حمد الدوليّ يوم الخميس 27/2/2020 وجد أن أحدَ المُواطنين مصابٌ بفيروس كورونا وتمّ أخذُه من المطار إلى قسم الأمراض المعدية، ومن هنا بدأت قصّة الصراع العنيف التي وصلت في 17/3/2020 إلى إغلاق جزءٍ من منطقة الدوحة الصناعيّة، تلاها في 18/3/2020 إغلاق مطار حمد الدوليّ بشكل كامل أمام القادمين والمغادرين. وبدأت أعداد المُصابين في الارتفاع المستمرّ، ومعه بدأت قطر بتطبيق أقصى الإجراءات الاحترازية، وكان من أصعبها، من وجهة نظري، تجنب التجمعات بالمساجد والأفراح والأتراح، بالإضافة إلى الطلب بعدم مُصافحة الآخرين. وقمنا، تحت ضغط الخوف من العدوى ومن الغرامات المالية، بالالتزام بالإجراءات الاحترازيّة. وطبقت أكثر الإجراءات على أصحاب الأمراض المُزمنة، والكبار ممن يزيد عمرهم على 60 عامًا، وصغار السنّ ممن يقل عمرهم عن 12 سنةً. وهنا تدخل أطباءُ مستشفى حمد، بارك الله فيهم، وطلبوا من أخيكم، بشكل جدي وخاص، عدم الذهاب للمساجد والتجمّعات والأسواق، وعلى وجه الخصوص المجمعات التجارية، والميرة. ومن هنا بدأ العذاب الذي صاحبه الخوف والقلق والذي أدّى إلى الوحدة. ولأنني من المُتقيّدين بتعليمات الأطباء فقد قمت بتنفيذ ما أملوه عليَّ من إجراءات. وبدأ أخوكم بالانسحاب من أنشطة المجتمع، فكانت حركتي تنحصر من مركز فهد بن قاسم للغسيل الكُلوي إلى البيت، وبالعكس. فكثير من دعوات الأفراح لا ألبيها وأكتفي بالمباركة على الواتساب، وحتّى التعازي اكتفيتُ بالواتساب. وأصبحت حياتي كلها تدور حول مواقع التواصل الاجتماعي، وتصفح الإنترنت.
 
صحيح أنَ مجلس الوزراء الموقر، بناءً على تعليمات اللجنة العليا، قد وافق على الفتح العام للبلاد مع إبقاء بعض الإجراءات الاحترازية، إلا أنّ الأطباء طلبوا مني الاستمرار في العزلة التامة خوفًا على صحّتي، وطاوعتهم لمدة من الزمان، ولكني تذكرت قول المتنبي:

وإذا لم يكن من الموت بدّ ** فمن العار أن تموت جبانا
 
وقوله أيضًا:
لا تلقَ دهرك إلا غير مكترث ** ما دام يصحب فيه روحك البدن
 
وقول ابن المعتز:
وحلاوة الدنيا لجاهلها ** ومرارة الدنيا لمن عقلا
 
نعم لقد عشنا فعلًا المرارة بالانفصال التام عن المجتمع وأنشطته
 
وفي الختام نقول: صحيح أنّ "العمر مش بعزقة"، مثل ما يقول إخواننا المصريون، ولكن أن تسجن ذاتك هو أصعب وأشد إيلامًا على النفس. ولهذا قرّرت، عن سبق إصرار وترصد، نبذ تعليمات الأطباء والعودة لحياة المجالس التي كنت مغرمًا بها قبل كورونا، وإلى المشاركة مع المجتمع في مناسباته الحلوة والمرة. وهذه دعوة لفتح صفحة جديدة من العلاقات المجتمعية، ولكن، في نفس الوقت، أطلب من الجميع الالتزام بوضع الكِمامة، والابتعاد عن السلام بالخشم، ويكون السلام فقط على الساطر أي على الخدود.. وعاشت قطر
 
والله من وراء القصد،،
 


Comments

  1. ‏السلام عليكم
    انا سوري خرجت لتركيا بعد ان نفدة مني المؤن وصرت ابيع اغراضي لاطعم اطفالي وانا صرلي ثلاث سنوات لم ارهم لا استطيع العودة لاني ان عدت ماتو جوعا وان بقيت على هذه الحال مت قهرا احتاج ان احضرهم لتركيا ولا املك المال فقد تكلفني 5000 دولار
    فرج الله عنكم كرب دنيا والاخرة ولا ابعد عنك عزيز095527279013

    ReplyDelete

Post a Comment

Popular posts from this blog

مجلس الشّورى والتّقاعد

الحصار وتخبط غرفة قطر

الأرض والقرض للجميع