سخنا الماي وطار الديك

 الدكتور محمد بن علي الكبيسي 


"سخنا الماي وطار الديك"
 
كتبتُ مقالًا، في 12/6/2021، بعنوان "خطّ الفقر وتكاليف المعيشة"، وذكرتُ فيه أنَّ مُستوياتِ الحدِّ الأدنى للمعيشة في قطرَ قد قفزتْ من 150ر6 ريالًا في 2011، إلى 850ر15 ريالًا في 2021، وذكرتُ أنَّ مَن كان دخلُه من الأسر أقلَّ من 850ر15 ريالًا يعدّ من الفقراءِ الذين يستحقونَ الحصولَ على جزءٍ من أموالِ الزكاةِ (انظر https://www.dralkubaisi.com). ونشرت جريدةُ الراية، في 20/6/2021، حديثَ معالي الشّيخ خالد بن خليفة آل ثاني، رئيسِ مجلسِ الوزراءِ وزيرِ الداخليّة، للصحافةِ القطرية. وفي هذا الحديثِ أكّد معاليه أنَّ "التوجيهاتِ الساميةَ، من قبلِ سموِّ أميرِ البلادِ المُفدّى، تقضي بكفالةِ الحياةِ الكريمةِ للمُواطنينَ المُتقاعدينَ". وأضافَ معاليه في تصريحِه للصحافة: "إنَّ سموَّ الأميرِ المُفدّى وجّه برفعِ الحدِّ الأدنى للمعاشِ التقاعدي إلى 15 ألفَ ريال". عندها انهالتْ عليَّ الاتصالاتُ والرسائلُ معاتبةً بأنّي لمْ أكنْ دقيقًا في تحديدِ خطّ الفقرِ، وأنَّ الرقمَ الفعليَّ لخطِّ الفقرِ، كما يراهُ أغلبُ المُعاتبين، ومن واقعِ حياةِ الكثيرِ منهم، لا يقلُّ عن 25,000 ريال، ولهذه الأسبابِ يُضطرُ الكثيرُ منهم للبحثِ عن مصادرِ دخلٍ أُخرى من خلالِ التجارةِ، أو الكفالاتِ وغيرِ ذلك. ونظرًا لعدمِ توافرِ الخبرةِ التجاريةِ لديهم، وقعَ كثيرٌ من المتقاعدينَ في مشاكلَ ماليةٍ، وازدادتْ مشاكلُهم، وأصبحُوا من الغارمينَ. لقد ذكرتُ للمُعاتبين أنَّ المقالَ، وما تضمّنُه من معلوماتٍ، هو اجتهادٌ شخصيٌّ، أتى بمساعدةِ بعضِ المغردينَ على موقعِ التواصلِ "تويتر"، ولأنَّ الموضوعَ هو دراسةٌ أوليةٌ فقدْ نصحتُ الحكومةَ، في المقالِ نفسِهِ، بإجراءِ دراساتٍ مُعمقةٍ لمستوياتِ المعيشةِ حتى تكونَ الصورةُ أوضحَ وأدقَّ عن وضعِ المتقاعدين في دولةِ قطر. لكنَّ الحكومةَ الموقرةَ، اعتمدت الحدَّ الأدنى للمعاشِ التقاعدي بمبلغِ 15,000 ريال، من غيرِ دراسةٍ مُعمقةٍ، ولا أعرفُ على أيِّ أساسٍ تمَّ تحديدُ هذا الرقْم.
 
وكما هو واضحٌ أنَّ سموَّ الأمير المُفدّى، حفظَه اللهُ، قريبٌ من الناس، ويتابعُ شؤونَهم. وعندما علِمَ سموُّه بحجمِ المشكلةِ التي يُعاني منها عددٌ من المواطنينَ، أمرَ بالزيادةِ المقترحةِ. فرِحَ المُتقاعدونَ، بِناءً على تصريح معاليه، بهذه الزيادةِ، التي سترافقُها إضافةُ بدلِ السكنِ في المعاش التّقاعدي. وظنَّ المُواطنون أنَّ هذه الزيادةَ، التي أمرَ بها سموُّه، سيتمُّ اعتمادُها لتُستحقَّ في الشهر التالي للتصريحِ الصحفيِّ. فقام الكثيرُ من المتقاعدينَ بالتخطيطِ لكيفيةِ سدادِ التزاماتِهم السابقةِ التي كانُوا يعجزونَ عن سدادِها بمعاشِهم التقاعديِّ الهزيلِ، وترتيبِ شؤونِ الأسرةِ مستقبلًا وَفقًا للزيادةِ المُرتقبة. لكن مضى الشهرُ الأوّلُ، وتبعَه الشهرُ الثّاني، والمُواطنونَ في ترقُّبٍ لهذه الزيادةِ في معاشاتِهم. وبدأ الشكُّ يُساورُهم في تهاونِ الحكومةِ بتنفيذِ توجيهاتِ سموِّ الأميرِ المُفدّى بالزيادةِ المقررةِ، وكان أكثرُ القلقينَ هُم مَن قامُوا بترتيبِ سدادِ التزاماتِهم السابقةِ بإصدارِ شيكاتٍ جديدةٍ، أو كمبيالات. وبدأتْ تعليقاتُ المغرّدينَ على موقع "تويتر". فهذا يقولُ: "إنَّ حديثَ معالي رئيسِ مجلسِ الوزراءِ وزيرِ الداخليّةِ للصحافةِ القطريةِ ما هو إلا لامتصاصِ غضبِ الشارعِ القطريّ المطالبِ بالحدِّ من ارتفاعِ الأسعارِ، وأنَّه لن تكون هناك أيُّ زيادةٍ أو تعديلٍ في معاشاتِ المتقاعدينَ". والثاني يقول: "إنّهُ لنْ تَحدثَ تلكَ الزيادةُ إلا بعدَ إنشاءِ مجلسِ الشّورى المنتخَب. أمّا أحدُهم فيقولُ لنْ تكونَ هناك أيُّ زيادةٍ إلا بعدَ كأسِ العالمِ 2022. وهنا تذكرتُ المثلَ الشعبيَّ الكويتيَّ "سخّنّا الماي وطار الديك"، وقصةُ المثلِ هي أنَّ رجلًا أخبرَ أهلَه أنَّ لديه ضيوفًا وسيُولمُ لهم بديكٍ متعافٍ كان عندَه، وجهزت الزوجةُ كلَّ ما هو مطلوبٌ لإعدادِ الطّبخةِ للوليمة، ولكنّها فُوجئتْ بأنّ الديكَ قد فرَّ وهربَ، جاءَ الزوجُ ليذبحَ الديكَ لتجهيزِه للوليمةِ فلمْ يجدْه، فقالتْ له زوجتُه "سخنا الماي وطار الديك". ويُضربُ هذا المثلُ في ثقةِ الناسِ بالحصولِ على المطلوبِ، فإذا ما أخذُوا في الإعدادِ له، مُعتقدينَ السيطرةَ على امتلاكِه، باؤُوا بالإفلاسِ منه، وتمثلَ لهم الفشلُ من واقعِ فواتِه، أو انفلاتِه من بينِ أيديهم أثناءَ الاستعدادِ للحصولِ عليه. وهذا ما حدثَ، فالتوجيهاتُ أميريّةٌ، ولا أحدَ يشكُّ في صدقِ تلك التوجيهاتِ التي صدرت من أميرٍ يُحبُّ شعبَه وهم يبادلونَه المحبةَ، وأنَّ الذي نقلَ الخبرَ للشعب هو معالي رئيسِ مجلسِ الوزراء، الذي يأتي على قمّةِ هرمِ السلطةِ التنفيذية. لكن من فرحةِ المتقاعدين بخبرِ الزيادةِ- وأنا لا ألومُهم- لم ينتبهوا لبقيةِ حديثِ معاليه الذي أكّد فيه "أنَّ مشروعَ قانونِ التقاعدِ الجديدِ في مراحلِ الإعدادِ الأخيرةِ حاليًا، وسيتمُّ اتخاذُ إجراءاتِ استصدارِه قريبًا، بعدَ إحالتِه إلى مجلسِ الشورى لمُناقشته".
 
وفي الختامِ نقولُ: إنَّ توجيهاتِ سموِّ الأميرِ المُفدّى هي في حدِّ ذاتِها قانونٌ واجب التنفيذ، وإذا كانت الحكومةُ الموقرةُ صادقةً في انتشالِ المتقاعدينَ من المشكلاتِ التي سبّبَها لهم تدني المعاشاتِ وارتفاعُ مُستوى الأسعارِ والتضخم، ما جعلَ العديدَ منهم يستقرُّ تحتَ مُستوى خطِّ الفقر، فإنّه وبلا شكٍّ لديها الكثيرُ من الحلولِ والوسائلِ لتنفيذِ ذلك في أقربِ وقتٍ، وإن كانت تسعى للمماطلةِ وكسبِ الوقتِ الذي قد تكونُ حددته من قبلُ فيمكنُها ذلك أيضًا. إنَّ ما يخشاه أغلبيةُ المتقاعدينَ هو أن تسعى حكومتُنا الرشيدةُ إلى رمي هذا الملفِّ الشائكِ في أولِ مجلسِ شورى مُنتخَب، وأن يتمَّ تشكيلُ لجنةٍ له لإعادةِ بحثِه وإعدادِه من جديدٍ والتصويتِ على كل جزءٍ منه، حينها سوف يحتاجُ إصدارُ القانون فترةً لا تقلُّ عن سنتَينِ في أفضلِ الأحوال. فيا حكومتَنا الرشيدةَ، اتّقوا اللهَ في المتقاعدينَ، فهُم يعيشونَ منذُ وقتٍ طويلٍ في وضعٍ ماديٍّ لا يستطيعونَ التعاملَ معه. وكما قِيل، وهو محرّمٌ في الإسلامِ:" الضربُ في الميّتِ حرامٌ".
 
واللهُ من وراءِ القصد،،
 
الدكتور محمد بن علي الكبيسي
m.kubaisi@gmail.com


Comments

Popular posts from this blog

مجلس الشّورى والتّقاعد

الحصار وتخبط غرفة قطر

الأرض والقرض للجميع