طارت الفرحة قبل أن تحل

 الدكتور محمد بن علي الكبيسي


طارت الفرحة قبل أن تحل
 
أرسل لي أحد الإخوان، عن طريق الواتس أب، كاريكاتيرًا يُظهر "مدرس ابتدائي" يسأل طلبته: ما هو الفرق بين الزكاة والضريبة؟ فقام أحد الأطفال وقال: الزكاة تؤخذ من الأغنياء وتُعطى للفقراء، والضريبة تُؤخذ من الفقراء وتُعطى للأغنياء. وبتصفحي للجرائد المحلية وجدتُ أنه عُرض على المجلس الأعلى للشؤون الاقتصادية والاستثمار، في 29/6/2021، عرضٌ خاصٌّ بتطبيق القيمة المحلية المُضافة في الدولة. وفي هذا المقال لن أتكلم عن أمر الله في قوله تعالى "خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها .." التوبة: 103، وما نتج عنها من حروب سُميت بحروب الردة التي أمر بها الخليفة الراشد أبو بكر الصديق رضي الله عنه عندما امتنعت بعض القبائل عن دفع الزكاة لأنها اعتبرتها إتاوة يجب إلغاؤها، واكتفت من الإسلام بالصلاة فقط. ولن أتكلم عن قول رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم "لا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ صَاحِبُ مَكْسٍ". والمَكْس هو الضريبة التي تُفرض على الناس. وأيضًا لن أتكلم عن فتوى اللجنة الدائمة التي تنص فيها "أن أخذ هذه الرسوم والضرائب، أو كتابتها والإعانة عليها، محرم تحريمًا شديدًا". وأيضًا لن أتكلم عن نص المادة (1) من الدستور القطري التي تؤكد على أن "قطر دولة عربية مستقلة ذات سيادة، دينها الإسلام، والشريعة الإسلامية مصدر رئيسي لتشريعاتها ..". ولكن اليوم سأتكلم عن مدى مشروعية فرض قطر للضرائب، وعن أثرها في المجتمع.
 
الضرائب، كما تعلمون، ليست بجديدة على دولة قطر، فلقد عرفتها منذ أن كانت حرفة اللؤلؤ تُمارس في منطقة الخليج. وكانت الضريبة تُفرض على كلّ من يدخل الغوص من سفن وأفراد. وكانت تلك الضريبة تُجبَى للصرف على قوة الشرطة وحفظ الأمن والممتلكات. السبب الرئيسي في فرض الضريبة تلك الأيام يرجع أساسًا إلى أن الحكومة لم تكن تملك أي وسيلة من وسائل الإيرادات، حيث إن كل وسائل الإيرادات كانت مملوكة للأفراد، في حين أن السلطات الحاكمة كانت تُمنع من الدخول في المجال الاقتصادي. ولهذا فقد كانت خزينة الحكومة (أو الشيوخ) فارغة. وما مرّت عليه دولة قطر في السابق هي نفس الظروف التي تمر عليها الدول الأوروبية الآن. فجميع وسائل الإيرادات في الغرب هي ملك أشخاص أو شركات، ولهذا تفرض الضرائب عندهم من أجل إعمار الخزينة لتمويل القطاعات العامة؛ مثل المستشفيات والجيوش والمدارس والجامعات الحكوميّة وغيرها. وكذلك لتمويل المشاريع العامة؛ مثل المشاريع التي تقوم بها من إنشاء وإصلاح الطرق وتعبيد الشوارع والتمديدات الصحية وغيرها من الأمور المماثلة. بمعنى آخر أن الضرائب تُجمع في الغرب من أجل تحسين الوضع المعيشي والاقتصادي لمواطنيهم. أما الوضع في قطر في هذه الأيام فهو مختلف كليًّا. فجميع وسائل الإيرادات العامة (النفط والغاز) تُدار من قبل الحكومة ولا تحاسبها أي جهة عن الأموال التي جنيت، ولا فيما صرفت. ولم تكتفِ بذلك، فقامت الحكومة بفرض رسوم عالية، تزيد على تكلفتها الحقيقية، لمختلف خدماتها. بل والأكثر من ذلك أنها قد دخلت منافسًا جديًّا للقطاع الخاص، وأصبحت تاجرًا تتاجر بمختلف السلع والخدمات سواء محليًا أو عالميًا. وبهذا كله فإنها، رسميًّا، غير مؤهلة أن تفرض أي نوع من الضرائب. يعني لا مشروعية لها في جبي الضرائب. صحيح أن الإسلام أجاز لولي الأمر حق فرض الضرائب بهدف تحقيق مصلحة، أو منع ضرر، أو لدرء مخاطر محتملة، ولكن حتى هذه الإجازة يجب أن تتم بموافقة الشعب، وبشروط واضحة مثل:
 
1.    أن تكون على الأغنياء دون الفقراء
2.    أن يكون بيت المال (خزينة الدولة) فارغًا
3.    لمواجهة ضرورة ما وينتهي فرضها بنهاية الضرورة
4.    أن تنفق في مصالح الشعب الحقيقية
 
وهذه الشروط لم توضع إلا لأن الضريبة محرمة في الإسلام. إن توجه الدولة في فرض الضرائب، وليس الزكاة، هو أمر يتبناه الأغنياء والوجهاء لأنهم يعرفون أنه لا زكاة على المدين، وهذا سيخرج غالبية المواطنين القطريين المثقلين بالديون من دفع الزكاة، ولكنه سيجبر أصحاب الثروات والعقارات بالدفع. ويعرفون أن مصارف الزكاة قد حددها رب العالمين، فعليه لن تستطيع الدولة، أو الحكومة، صرفها في غير تلك الأبواب المحددة.
 
أما الآثار المحتملة لمثل هذه الضريبة فتعرف من طريقة حسابها، فهي تحسب على أساس الفرق بين سعر الشراء للبائع وسعر إعادة البيع، وذلك في كل مرحلة من مراحل الدورة الاقتصادية، لجميع السلع والخدمات. فلنأخذ بترول السيارات كمثال، فقطر للبترول تقوم ببيع النفط الخام للمصفاة، فتحسب عليها ضريبة. ومن بعد ذلك تقوم المصفاة ببيع المشتقات لشركة وقود، فتحسب عليها ضريبة. ثم تقوم وقود ببيع المنتج للمستهلكين، فتحسب عليهم ضريبة مرة أخرى. ومن خلال هذه العملية فإنه ليس من المستغرب أن تزيد الأسعار بواقع 40 درهمًا على كل ليتر من المحروقات (سعر ليتر البترول سوبر الآن هو 2 ريال سيصل بسبب الضريبة إلى 40ر2 ريال). إن فرض الضريبة وزيادة الرسوم عن الحد المعقول سيؤدي إلى رفع الأسعار، ومن ثم سينتج عنها تقليل الدخل الشخصي المتاح لدى الأفراد. وكلما انخفض دخل الفرد، كلما انخفضت قدرته على الاستهلاك، وفي الوقت نفسه ستؤدي لنقص التمويل اللازم والمتاح أمام المستثمرين، لأنها ستأكل المدخرات. وهذا سيؤدي مرة أخرى إلى رفع تكاليف المعيشة، ومن ثم مطالبة العمال بأجور أعلى، وما يترتب عليه من ارتفاع تكاليف الإنتاج، ومن ثم ارتفاع سعر السلع والخدمات. يعني كل درهم قطري زيادة على السعر الأصلي للسلعة، أو الخدمة، سوف يخرج من جيب المواطن، وهذا ربما يؤدي إلى عدة إفرازات، وبخاصة مشكلات اجتماعية، أمام محدودي الدخل. وهناك فئة من الناس لا يعلم بحالهم إلا الله.
 
وفي الختام نقول "ما يسوى علينا يا سمو الأمير المفدى"، جينا نفرح بقرار سموكم برفع معاشات المتقاعدين، إلا أن بعض الأيادي تعمل، عن قصد وترصد، بقتل فرحة المواطنين بعدة طرق، وآخرها عن طريق عرض تطبيق ضريبة القيمة المضافة التي لا تفرق بين الغني والفقير، ولا تفرق بين مَن يملك ومن لا يملك. إن الزكاة التي فرضها رب العالمين، يا مستشارين، هي أقدر النظم جميعًا وأقواها على حل المشكلة الاقتصادية، والقضاء على مشاكل من يُعاني، وخاصة إذا طبق هذا النظام بأمانة وإتقان. ودولة قطر غير مُلزمة بتطبيق قرارات البنك الدولي، ولا قرارات مجلس التعاون الخليجي. فالمؤشرات، والحمد لله، تبين بوضوح عدم حاجة دولة قطر إلى فرض أي نوع من الضرائب، أو الرسوم العالية على شعبها. إن المستهلكين في قطر، يا مسؤولين، لديهم ما يكفيهم من هموم والتزامات مالية، فالمعيشة أصبحت صعبة، والأسعار نار، والموارد قد جفت من منابعها.
 
والله من وراء القصد ،،
 


Comments

  1. كلمة حق
    في ميزان حسناتكم إن شاء الله

    ReplyDelete
  2. جزاك الله خير كلام في محله

    ReplyDelete
  3. It is high time to debate the subject matter of implementing taxes and Zakath in the Muslim countries, where Islamic Sharia is based to bring in legislation.
    The World bank WTO or any other UN agencies are usually requesting the economic groupings or countries engaged with them in a dialogue, wants to implement their stipulations as if their demands are genuine and full proof.
    In reality, the economy of a state to another is different and its s legislation or rules are entirely different and in some way, they try to influence the smaller countries.
    The Islamic Sharia scholars, as well as the legal advisors, should find a solution to this imbroglio.

    ReplyDelete
  4. سوف يخرج من جيب المواطن
    فقط المواطن ؟؟؟؟
    ماذا عن المقيم الذي تم خصم ما لا يقل عن ٣٠ ٪ من راتبه

    ReplyDelete
  5. Get help for all your financial problems. Contact Union Solutions to access a wide range of loan facilities. Contact for more information: financialserviceoffer876@gmail.com) whats-App +918929509036 Dr James Eric Finance Pvt Ltd Thanks

    ReplyDelete

Post a Comment

Popular posts from this blog

مجلس الشّورى والتّقاعد

الحصار وتخبط غرفة قطر

الأرض والقرض للجميع