صلاحيات الأمير ومجلس الشورى

 الدكتور محمد بن علي الكبيسي


صلاحيات الأمير ومجلس الشورى
 
الحمد لله حمدًا كثيرًا أن منّ الله علينا بإصدار الدستور القطري الذي أقر، في المادة (59)، بأن "الشعب مصدر السلطات"، في حين أنه بالمادة (60) أكد على أن "نظام الحكم يقوم على أساس فصل السلطات مع تعاونها". فمنح بالمادة (61) "السلطة التشريعية لمجلس الشورى"، بينما المادة (62) ذكرت أن "السلطة التنفيذية يتولاها الأمير، ويعاونه في ذلك مجلس الوزراء"، في حين أن المادة (63) حدّدت بأن "السلطة القضائية تتولاها المحاكم". والحمد لله أن الدولة قد اعتمدت، بعد طول انتظار، مبدأ الترشح والتصويت لمجلس الشورى التشريعي والمقرر تنفيذه في أكتوبر القادم 2021. فماذا يعني ذلك؟ هذا يعني بكل بساطة أن سمو الأمير المفدى تنازل عن بعض صلاحياته للشعب من خلال مجلس الشورى. فمجلس الشورى حسب المادة (76) له ثلاث مهام وهي: التشريع، وإقرار الموازنة العامة للدولة، وممارسة الرقابة على السلطة التنفيذية. وهذا يعني أن للمجلس السلطة الكاملة فيما يتعلق بإصدار التشريعات والقوانين، أو إلغائها، والتصديق على الاتفاقيات الدولية والخارجية التي تبرمها السلطة التنفيذية، بجانب ذلك ممارسة السلطة الرقابية على أداء الحكومة، أو حتى سحب الثقة منها. ويتكون هذا المجلس، كما بينته المادة (77) من الدستور، من خمسة وأربعين عضوًا، يتم انتخاب ثلاثين منهم عن طريق الاقتراع العام السري المباشر، ويعين الأمير الأعضاء الخمسة عشر الآخرين من الوزراء أو غيرهم. وحدد الدستور في المادة (80) شروط عضو مجلس الشورى منها أن تكون جنسيته الأصلية قطرية، وألا تقل سنه عند قفل باب الترشيح عن ثلاثين سنة ميلادية، وأن تتوافر فيه شروط الناخب وفقًا لقانون الانتخاب. وحتى يومنا هذا لم يصدر المرسوم الذي يحدد مناطق الدوائر الانتخابية التي تقسم إليها الدولة، مع أن الكلام المتداول هو اعتماد مبدأ مسقط الرأس، أو بعبارة أخرى على أساس القبيلة أو العائلة. وأيضاً لم يصدر قانون نظام الانتخاب، مع أن ملامحه الرئيسة نشرت عند مناقشته بمجلس الوزراء الذي وافق عليه ومن ثم أحاله إلى مجلس الشورى الحالي. ومن أهم الملامح لنظام الانتخابات هو السماح لمنتسبي كافة الجهات العسكرية من العسكريين والمدنيين بالانتخاب، وحظر ترشح الوزراء وأعضاء الهيئات القضائية، ومنتسبي كافة الجهات العسكرية من العسكريين، وأعضاء المجلس البلدي المركزي. ووضع عقوبات مشددة لضمان حرية التصويت ومكافحة شراء الأصوات أو المساس بنزاهة الانتخابات. أما الطعن في صحة الانتخاب فقد أسنده لمحكمة التمييز. ولا زلنا بانتظار إصدار المرسوم والقانون المنظم لعملية الانتخابات.
 
المهم في مجلس الشورى القادم أن جلساته، وبحسب المادة (98)، علنية، وفي هذا الصدد سيعرف المواطن القطري من هو الذي يقف في المجلس مناصرًا لقضاياه، ومن هو يقف ضدها. يعني ستكون مواقف كل الأعضاء المنتخبين والمعينين مكشوفة أمام المواطن، وسوف يساعد هذا الأمر في وعي المواطن لاختيار المناسب للدورة التي تلي. وما يميز مجلس الشورى المنتخب، كما ذكر بالمادة (105) من الدستور، أن لكل عضو من أعضاء المجلس حق اقتراح القوانين، وكل مشروع قانون أقره مجلس الشورى يُرفع إلى سمو الأمير للتصديق عليه. وإذا لم يرَ الأمير التصديق على مشروع القانون، رده إلى المجلس في غضون ثلاثة أشهر من تاريخ رفعه إليه مشفوعًا بأسباب عدم التصديق. وإذا أقره مجلس الشورى مرة ثانية، عندها لابد أن يُصدق عليه الأمير، ويقوم بإصداره. ولا ننسى أن مجلس الوزراء قد وافق، في 2/6/2021، على مشروع قانون مكافحة تضارب المصالح، وقام بإحالته لمجلس الشورى الحالي. ويجيز هذا القانون تنحية العضو المخالف، أو نقله، أو وقفه عن العمل. وهذا القانون يأتي في سياق المادة (115) من الدستور الذي يؤكد "على أعضاء مجلس الشورى أن يستهدفوا في سلوكهم مصالح الوطن، وألا يستغلوا العضوية بأية صورة كانت لفائدتهم، أو لفائدة من تصله بهم علاقة خاصة". بالإضافة إلى ذلك فنصت المادة (111) أن "كل وزير مسؤول أمام مجلس الشورى عن أعمال وزارته، ولا يجوز طرح الثقة عن الوزير إلا بعد مناقشة استجواب موجه إليه". بمعنى آخر أن كل وزير معرض للاستجواب من أعضاء المجلس القادم لأي تقصير قام به في أعمال الوزارة تجاه المشاريع الموكلة له، وقد يصل الأمر إلى سحب الثقة منه وعزله من منصبه.
 
وقد نصت المادة (21) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على أن:
1. لكلِ شخص حق المشاركة في إدارة الشؤون العامة لبلده، إما مباشرة وإما بواسطة ممثلين يُختارون في حرِية.
2. إرادة الشعب هي مناط سلطة الحكم، ويجب أن تتجلى هذه الإرادة من خلال انتخابات نزيهة تجرى بالاقتراع العام وعلى قدم المساواة بين الناخبين وبالتصويت السرِي لضمان حرِية التصويت.
 
ولهذا يعتبر التصويت لانتخاب المرشحين لمجلس الشورى وسيلة هامة وأساسية يمكن للمواطنين من خلالها التأثير على القرارات الحكومية. وعليه فإن كل مواطن مسؤول مسؤولية مباشرة في انتخاب الممثل المناسب (سواء كان ذكرًا أو أنثى) لتمثيله في المجلس. إن دور المواطنين عند عملية التصويت مهم جدًا، فعند استلام بطاقة الانتخاب يجب أن يحكم عقله وقلبه لاختيار أحسن المرشحين، ليس على أساس القرابة، ولكن على أساس الكفاءة والقدرة والثقافة، فالكل محاسب أمام الله على اختياره.
 
وفي الختام نأمل أن يبادر المواطنون بمباشرة حقوقهم السياسية، والتدقيق في اختيار من يمثلونهم في مجلس الشورى، الذي يمثل عين المواطن على السلطة التنفيذية، ومراقبة أدائها وتقويمه وتقييمه. إن تصويت جميع من لهم حق التصويت يحقق نجاحًا للعملية الانتخابية من جهة، ونجاحًا في التحول السياسي الديموقراطي للمجتمع القطري من جهة أخرى. وفي إطار الانتخابات فإنه يجب على وزارة الصحة، حفاظًا على صحة المواطنين، وضع خطة لتأمين العملية الانتخابية، واتخاذ كل الإجراءات الوقائية والاحترازية ضد فيروس كورونا. ويجب على المواطنين مراعاة التباعد الاجتماعي بين الناخبين، وعدم التزاحم داخل مقار الانتخابات، بالإضافة إلى التزامهم بارتداء الكمامات أثناء إدلائهم بأصواتهم.
 
والله من وراء القصد ،،


Comments

Popular posts from this blog

مجلس الشّورى والتّقاعد

الحصار وتخبط غرفة قطر

الأرض والقرض للجميع