الصدماتُ الحكوميةُ للقطاع الخاص

 الدكتور محمد بن علي الكبيسي


الصدماتُ الحكوميةُ للقطاع الخاص
 
وجّه حضرةُ صاحبِ السّموّ الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المُفدّى، في 15/3/2020، بتقديمِ الخِدماتِ الضروريّةِ للمُواطنينَ والمُقيمينَ، وفي مقدّمتِها توفيرُ الأمنِ والحِمايةِ لهُم منْ وباءِ كورونا. وفي نفسِ اليومِ أعلنت المتحدثةُ باسْمِ اللجنةِ العُليا لإدارةِ الأزماتِ في قطرَ موافقةَ حضرةِ صاحبِ السموّ على حزمةٍ من الحوافزِ الماليةِ والاقتصاديةِ لمُساعدةِ القطاعِ الخاصِّ على تخطّي الأزمةِ الناشئةِ عَن انتشارِ وباءِ كورونا المستجدّ. فِي هذا المقالِ لن أُعدِّدَ مكوِّناتِ الحزمةِ، فهي معروفةٌ للجميعِ، ولنْ أتكلّمَ عن الفرقِ بينَ موافقةِ حضرةِ صاحبِ السموّ التي جاءت شاملةً غيرَ محددةٍ، وبينَ تطبيقِ الجهاتِ المُختصةِ التي خصّصت الأمرَ للشركاتِ والمؤسّساتِ المتضررةِ فقطْ. حديثُنا اليومَ هو عمّا رافقَ تلكَ الحزمةَ من إجراءات. لا أحدَ يُنكرُ أنَّ الحكومةَ قامت بمجهودٍ جبّارٍ في التصدِّي لجائحةِ كورونا، وهذا أمرٌ نَعجزُ عن شكرِها عليه، فهي قد جنّدتْ أجهزتَها الماليةَ والأمنيّةَ والصحيّةَ والإعلاميّةَ، وأوقفتْ مصالحَها الداخليّةَ والخارجيّةَ في سبيلِ حمايةِ مواطِنيها والمُقيمينَ على أرضِها من آثارِ الوباء. ولَا أحدَ ينكرُ كذلكَ أنَّها قامتْ بضخِ سيولةٍ كبيرةٍ لتعملَ لصالحِ البنوكِ، وهوَ أمرٌ جيدٌ؛ لأنَّ البنوكَ هي صمامُ الأمانِ بالنّسبةِ إلى الاقتصادِ، وهي أكثرُ الجهاتِ المعرضةِ للتأثّرِ السلبيِّ من الجائحةِ بالإفلاسِ المحتملِ للدائنينَ وتعثُّرِهم بالسدادِ. ولكنْ ما قامتْ به الدولةُ تجاهَ القطاعِ الخاصّ، وبخاصةٍ الشركاتُ الصّغيرةُ والمُتوسطةُ، هو أمرٌ غيرُ صحيحٍ وغيرُ سويٍّ مُطلقًا. مِن المعروفِ- وكما ذكرَ المهندسُ سعد عبدالله الكواري- أنَّ أكثرَ الشّركاتِ المُتأثرةِ أنشطتُها من القراراتِ الحكوميّةِ هي أعمالُ البناءِ والفنادقِ والمطاعمِ والنقلِ وتجار الجُملةِ والتجزئةِ والترفيهِ والخِدماتِ، وذلكَ راجعٌ إلى الإغلاقاتِ المُتكررةِ، وللانخفاضِ في إنتاجيةِ الموظفينَ لأسبابٍ تتعلقُ بالسّلامةِ والصحّةِ، وعدمِ الاستقرارِ الوظيفيّ وإلغاءِ المكافآتِ السنويةِ والعلاوةِ التحفيزيةِ. صاحبَ ذلكَ ضعفُ الطلبِ على المنتجاتِ لنقصِ السيولةِ لدَى العملاءِ، وانخفاضِ وتوقُّفِ الإنتاجِ في فتراتِ الإغلاقِ، وتعثر إمداداتِ الموادِّ الخام وقِطَع الغيار، نتج عنه تراجعٌ حادٌ في المبيعات، الأمرُ الذي أدّى إلى إضعافِ السيولةِ لدى تلك الشركاتِ، وتدهورٍ في قدرتِها الإنتاجيةِ، ومن ثَمَّ أرباحها (انظر الراية 25/8/2020). ولقد حذّرت منظمةُ التعاونِ الاقتصادي والتنمية من إمكانيةِ إفلاسِ الشركاتِ الصغيرةِ والمتوسطةِ الحجم بسببِ إجراءاتِ الحظر. وبما أنَّ الحظرَ هو من قراراتِ الدولةِ، وبحسبِ الشريعةِ الإسلاميةِ فإنه من الواجبِ على الدولةِ تعويضُ المتضررين الذين أُجبِروا على إيقافِ نشاطِهم التجاري تعويضًا كاملًا، وذلك بِناءً على القاعدةِ الفقهية المقررة "لا ضررَ ولا ضرارَ"، فليسَ كلُّ صاحبِ تجارةٍ، أو صاحبِ عقارٍ غنيًّا، بل ربما بعضُهم يقتاتُ مما يديرُ من أعمالٍ، أو بما يملكُ من عقارٍ، أو محل تجاريّ، كما أنّهم لا ذنبَ لهم في حصولِ الضررِ الواقعِ عليهم. ولقد ذكرتُ في بدايةِ الأزمة، من خلال "تويتر"، أنَّ الحكومةَ يجبُ أن توجّهَ الدعمَ الماليَّ بشكلٍ مباشر للقطاعِ الخاص وللأفرادِ؛ لأنَّ الأموالَ في أيديهم سوفَ تُشجعُهم على الصرفِ، ما سينعشُ الاقتصادَ، وفي الأخيرِ، ستجدُ تلك الأموالُ التي صُرِفت طريقَها للبنوك، ما سينعشُ البنوكَ كنتيجةٍ حتمية. والعجيبُ أنَّ أمريكا، وبعضَ الدول الغربية، أخذت بالنصيحة وقامت بتوجيه مدفوعاتٍ مباشرةٍ للأفراد ما أنعشَ اقتصادَ تلك الدول. وبدلًا من قيامِ الحكومةِ بتعويضِ القطاعِ الخاص التعويضَ العادلَ عن خسارتِهم الأكيدة، قامت بإحالتِهم للبنوك العاملةِ في قطرَ التي تمَّ توجيهُها لإعطاءِ الشركاتِ والمحلاتِ التجاريةِ (المتضررة فقط) قروضًا لتغطيةِ رواتبِ العاملين وإيجاراتِ المكاتب والمحلاتِ والشققِ السكنيةِ المخصصةِ للعمالة، وتُسدّدُ تلك القروضُ في فترةٍ لا تتجاوز 4 سنواتٍ (بفترة سماحٍ تبلغ سنتَين)، بفائدةٍ بنكيةٍ يصلُ أدناها إلى 3 %. وكانت كلُّ تلكَ الإجراءاتِ لسدِّ الانخفاضِ الكبيرِ في إيراداتِ تلك الشركاتِ، ولدفعِها إلى عدمِ تسريحِ موظفيها. وتناست الحكومةُ أنَّ كلَّ الإجراءاتِ لم تغطِّ أيةَ مصروفاتٍ أخرى يتحملُها صاحبُ العمل، مثلَ مصاريفِ المحروقاتِ والصيانةِ والاتصالاتِ وإدارةِ المخزونِ وغيرها الكثير. ولا ننسى أيضًا ما يُخصصُ لصاحبِ العمل، وأهلِ بيتِه، من مصروفاتٍ كان يغطّيها من أرباحِه التشغيلية. أمّا الشركاتُ التي لم تصنّفْ بأنّها متضررةٌ فقد تُركت تصارعُ الأمواجَ بنفسِها مع أنَّ الضررَ- من وجهةِ نظري- شَمل الكلَّ. وإمعانًا في ضررِ تلك الشركاتِ فقد قامت الحكومةُ بتخفيضِ رواتبِ الموظفينَ غيرِ القطريينَ بواقعِ 30 % (عدد الوافدينَ يصل لحوالي 90 % من عددِ السكانِ الإجمالي)، وقامت في نفس الوقتِ بحجبِ بعضِ البدلاتِ والامتيازاتِ عن الموظفينَ القطريين، الأمرُ الذي أدّى إلى نقصِ السيولةِ عندَ الجميع، ما انعكس على القوةِ الشرائيةِ في الأسواقِ المحلية. ومما سبق ذكرُه فإنه ليسَ بغريبٍ أن يتركَ الآلافُ من المواطنينَ أنشطتَهم وأعمالَهم بالقطاعِ الخاص، والتي كانت هي مصدر رزقٍ رئيسي لهم، أو على الأقلّ نجدُهم قد قاموا بتخفيفِ حجمِ أنشطتِهم، وترتّب على هذا الأمرِ تسريحُ عددٍ كبيرٍ جدًا من الموظفين والعمّال الذين كانوا يتكسبون عندَ أصحابِ الشركاتِ والمحلاتِ التجارية، ما أدّى إلى عجزِ غالبيتِهم (مواطنين ومقيمين) عن دفعِ إيجارِ الشققِ والفيلاتِ الخاصةِ بهم لتعطُّلِ الحركةِ التجارية. ومع أنَّ الشرعَ يؤكّدُ على أنّه مَن عجزَ عن دفعِ إيجارِ العقارِ، لتوقُّف عملِه، أو لعدمِ تقاضيه راتبَه بالكامل، فله الحقُ أن يأخذَ من مالِ الزكاةِ ما يكفيه من دفعِ الأجرة، والنفقةِ على عياله، حتى ترتفعَ الجائحةُ عنه، لأنه أصبحَ من أهلِ الزكاة. ويؤكّدُ فضيلةُ الدكتور يوسف القرضاوي هذا الحُكمَ، حيث قال: "يجوزُ إسقاطُ الدَّينِ عن المُعسرِ واحتسابُه من الزكاةِ، لأنَّ الفقيرَ هو المنتفعُ في النهايةِ بالزكاة…". ولكنَّ الحكومةَ وقفت كالمتفرجِ على المؤجّرين، وبدأت شيكاتُ المؤجرين تجدُ طريقَها للمحاكم؛ لأنَّ التشريعَ القطري يصرُّ على أن العقدَ هو شريعةُ المتعاقدين، ولا يوجدُ نصٌّ يذكر الأمورَ الاستثنائيةَ من الطوارئِ والجوائحِ التي لا دخلَ للإنسان فيها. ومع أنَّ الحكومةَ لم تساعد المواطنينَ المتضررينَ من هذه الأزمةِ، إلا أنَّها سارعت لمساعدةِ العمالةِ الوافدة، من خلالِ غرفةِ تجارةِ وصناعة قطر ووزارةِ التنميةِ الإداريةِ والعملِ والشؤون الاجتماعية، بفتحِ منصةٍ إلكترونيةٍ لتدويرِ العمالة التي تمّ أو سيتمُّ الاستغناءُ عنْها. وقبلَ أن يفيقَ ما تبقى من الشركاتِ وأصحابِها من تلك الصدماتِ، جاءتهم كورونا بعودةِ الانتشارِ بشكلٍ أقوى وأسرعَ من المرحلةِ السابقة، وقام مجلسُ الوزراء، في 14/4/2021، باعتمادِ حزمِ دعمٍ إضافيةٍ للقطاعاتِ المتضررةِ من الإغلاقاتِ المترتبةِ على الإجراءاتِ الاحترازيةِ للتعاملِ مع عودةِ انتشارِ كورونا، وهي لا تختلفُ كثيرًا عن الحزمةِ الأولى، ولكنَّ الفرقَ أنَّ الشركاتِ في هذه المرحلةِ كانت مثقلةً بالديونِ الكبيرةِ بسببِ المرحلةِ الأولى. والملاحظَ أنَّ مصرفَ قطر المركزي، في الحزمتَين الأولى والثانية، طلبَ من البنوكِ التنازلَ عن جزءٍ من فوائدِها البنكيةِ في حينِ أن المصرفَ، وهو جزء من الحكومة، لم يتنازلْ عن نسبةِ الفائدةِ الخاصة به.
 
وفي الختامِ نقول: إنَّ الحكومةَ أحسنت في حمايةِ المواطنينَ والمقيمينَ في دفعِ البلاءِ عنْهم، وأحسنت بدعمِ الوضعِ المالي للبلاد، ولكنَّها لم تحسنْ في التعاملِ مع القطاعِ الخاص، ولا مع أصحابِ الشركاتِ والمحلاتِ التجارية الذين هم في امس الحاجة لمثل هذا الدعم. إنَّ المساعدةَ التي اعتمدتها الحكومةُ للقطاعِ الخاصِ هي قروضٌ فقط، وهذه القروضُ ستردُّ عاجلاً أو آجلاً لخزينةِ البنوكِ مع الأرباحِ المقررةِ، وبدورِها ستعودُ هذه المبالغُ، مع فوائدِها، للمنبعِ الأصلي التي أتت منه وهو خزينةُ الدولة. ومشكلةُ هذه القروضِ أنها بضمانِ الشريكِ القطري شخصيًا وليست على الشريكِ الأجنبي، مع أنّها أُخذت لدفعِ رواتبِ الموظفينَ والعمالِ والإيجارات بالشركة. الأمرُ الآخرُ الذي يجب على الدولة التفكيرُ به هو تعديلُ التشريعِ المتعلّقِ بالعقودِ المدنيةِ والتجاريةِ وتطوير مفاهيمِها لاستيعابِ مثلِ هذه الطوارئِ والأزماتِ، بحيث تتحولُ القضايا في أوقاتِ الأزماتِ إلى قضايا مدنيةٍ، وليست جنائيةً، وإلّا تحوّلَ غالبيةُ الناس (مواطنين ومقيمين) إلى أصحابِ سوابقَ بسببِ الشيكاتِ المرتجعةِ التي خلقتها الأزمةُ الحاليةُ.
 
والله من وراء القصد ،،
 


Comments

  1. Correct... Laws change must.. Now.

    ReplyDelete
  2. السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
    تحيه طيبه عطره من مصر
    احنا مجموعه كبيره من المصريين لينا اكتر من سنه ونص بسبب جائحه كرونا اللهم ارفع عنا الوباء جميعا المطارات اتقفلت ولما فتحت طلب تصريح عوده استثنائي والكفيل مش راضي يعمله لان ليا مستحقات كبيره من وجهه نظري وصغيره بالنسبه له لاني كنت مشاركه قبل نقل الكفالات عليه في مشروع واحه ازدان وليا ٢٠٪ من مجمل اعمالي في ازدان حوالي ٤٤٠ الف ريال وليه سيارتين وليه راتب اكثر من ١٥ شهر مقسمين وكان المفروض اني اخد فلوسي من النسبه بتاعته في ازدان ولكن اول ما موضع التصريح طلع قالي ملكش حاجه عندي وانازهكنسل الشركه ومش هعمل لك تصريح
    يعني بقرار الاغلاق خسرت اكتر من ٧ سنوات من عمري وغربه بعيد عن اولادي انا كنت نزلت في تاريح ١٦ ١٢ ٢٠١٩
    وكنت مسافر ٢٠ ٢ ٢٠٢٠ بس حصل حاله وفاه عندي فاجلت السفر الي يوم ٥ ٣ ٢٠٢٠ وفؤجئت بغلق دخول المصريين
    فا بالله عليك لتتكلم بصوتنا قطر كانت كعبه المضيوم فهل مازالت ذلك

    ReplyDelete
  3. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

    ReplyDelete

  4. 👀👍

    الله يرحم والديك

    ReplyDelete

Post a Comment

Popular posts from this blog

مجلس الشّورى والتّقاعد

الحصار وتخبط غرفة قطر

الأرض والقرض للجميع