تجار "الظلّ" والتهرب الضريبي

 الدكتور محمد بن علي الكبيسي


تجار "الظلّ" والتهرب الضريبي
 
وافدٌ من دولة آسيوية قدِم لقطر للعمل سائقًا شخصيًا عند كفيله براتب يبلغ 1000 ريال شهريًا. ولكننا وجدنا، بعد عدة سنوات، أن هذا السائق يقوم بتحويل مبلغ يزيد على 300 ألف ريال شهريًا إلى بلده الأصلي، وهو لايزال على مسمّاه الوظيفي السابق. وافدٌ آخر قدِم على وظيفة مندوب لإحدى الشركات براتب 3.700 ريال قطري في الشهر، وبعد وصوله بعدة أشهر، وجدنا أن هذا المندوب يقوم بتحويل مبالغ كبيرة جدًا لبلده الأصلي كل شهر. والنماذج كثيرة وعديدة لقصص تحويلات الوافدين الأموالَ للخارج. فكيف حدث ذلك؟
 
لقد استطاع هؤلاء الوافدون ممارسة الأنشطة التجارية عن طريق إغراء كفلائهم بالحصول على مبالغ مالية زهيدة نهاية كل شهر، دون أيّ جهد، مقابل السماح لهم بممارسة الأنشطة التجارية من الباطن. ويسمّى هذا النوع من الممارسة غير القانونية للأنشطة التجارية باسم التستّر. ولقد قام المشرّع القطري بإصدار قانون رقم (25) لسنة 2004 بشأن مكافحة التستر على ممارسة غير القطريين للأنشطة التجارية والاقتصادية والمهنية. ونصّت المادة (2) من القانون على أنه: "يحظر على أيّ شخص طبيعي أو اعتباري التستّر على غير القطري بتمكينه بأي وسيلة من الوسائل من ممارسة أي نشاط تجاري أو اقتصادي أو مهني، سواء كان التمكين باستعمال اسم المتستر، أو ترخيصه أو سجله التجاري، أو غيره، وسواء كانت الممارسة لحساب المتستر عليه الخاص، أو لحساب المتستر، أو بالاشتراك مع الغير". ومع أن القانون المذكور أنشأ لجنة تُسمى (لجنة مكافحة التستر)، ولكن، لأسبابٍ عديدة، لم تستطع هذه اللجنة -مع ما أُعطيت من صلاحيات- مباشرةَ عملها للقضاء على عملية التستر. والصراحة أنه لا توجد حلول لمكافحة هذه الظاهرة، ولكن يمكن الحد منها عن طريق: 1- تشديد الرقابة على أنشطة الوافدين. 2- التفتيش الدوري على الشركات والمؤسسات. 3- التثبت من خلال استدعاء أصحابها من المواطنين. والمشكلة أن المتسترين، مقابل المكسب الشهري الزهيد، لم يراعوا مصلحة البلد ولا مصلحة إخوانهم المواطنين، لأن لهذا التستر مساوئ عديدة منها: 1- يخلق منافسة غير مشروعة لأصحاب المشروعات الصغيرة والمتوسطة من المواطنين. 2- زيادة البطالة بين المواطنين لإغلاق الباب أمامهم لممارسة الأنشطة التجارية المختلفة وجعلهم تحت رحمة وزارة التنمية الإدارية والعمل والشؤون الاجتماعية. 3- زيادة حالات الغش التجاري من المتستر عليه لتحقيق أقصى ربح في أقصر مدة. ولا ننسى أن هذا التستر يضر مصالح البلاد؛ لأنه: 1- وسيلة غير نظامية للوافدين للهروب من دفع رسوم التراخيص، والاستفادة دون وجه حقّ من الإعانات والإعفاءات الحكومية. 2- يشكل إرهاقًا للدولة نتيجة تضخم أعباء الإنفاق على المرافق العامة لوجود أعداد كبيرة من الوافدين (الصحة، التعليم، الأمن، المياه، والكهرباء، وزيادة أعداد السيارات). 3- يؤدي إلى ارتفاع حجم التحويلات للعمالة الوافدة خارج دولة قطر. ومع أهمية مناقشة الأضرار التي تصيب الدولة والمواطنين من جراء استمرار جريمة التستر إلا أننا سنناقش، في مقال اليوم، التحويلات المالية للعمالة الوافدة.
 
لا خلاف أنه من حق الوافدين إرسال أموالهم، التي اكتسبوها بالطرق الشرعية، لأوطانهم بدل استثماراها محليًا. وبناءً على تحقيق أجرته جريدة لوسيل القطرية، في عام 2016، فقد قدرت أن تحويلات العمالة الوافدة من خلال 20 شركة صرافة بحوالي 15.1 مليار دولار. ولقد أفاد صندوق النقد العربي بأن إجمالي تحويلات الوافدين من قطر بلغت، في 2017، نحو 12.8 مليار دولار (أي حوالي 35 مليون دولار يوميًا) (للريال القطري × 3.65). إن الرقم الفعلي للأموال المغادرة من قطر- وكما أعتقد- هو أكبر من ذلك بكثير. فالبعض يفضل إرسال الأموال خارج الأنظمة الرسمية بهدف تجنب دفع رسوم التحويل (10 - 30 ريالًا للمعاملة الواحدة)، أو لتجنب الخسارة في الفرق بين شراء أو بيع العملة. ولا ننسى أيضًا تهريب أموالهم عن طريق تحويلها إما أحجارًا كريمة، أو ذهبًا، أو بنقلها معهم نقدًا في حال سفرهم، أو سفر أحد معارفهم. إن هذه التحويلات هي استنزاف حقيقي لرأس المال القطري ولا يستفيد منها المجتمع المحلي بأي شكل من الأشكال. فالوافد، بحكم أنه يعمل مستترًا، يقوم بتوظيف عمالة وافدة من نفس جنسيته، بينما أرباحه يتم تحويلها إلى بلده الأصلي مما ينتج عنه: 1- إفشال سياسة الاستقرار الاقتصادي. 2- التأثير بشكل مباشر على مؤشر الأسعار ومعدلات البطالة ومعدلات النمو الاقتصادي. 3- التأثير على فاعلية السياسة النقدية عن طريق زيادة الطلب على النقود. 4- ينتهج الوافد أقصى عمليات تعظيم الأرباح على حساب المنتج والمستهلك المواطن. والذي استرعى انتباهي أن الوافد التاجر المستتر لا يدفع ضرائب دخل؛ لأنه ليس هناك رقابة مالية فعلية على ما يخرج من البلد من أموال، والتحقق من مصادرها، سوى ما سنَّه مصرف قطر المركزي، بهدف محاربة غسل الأموال، بوجوب الإبلاغ والتحقق من مصادر الأموال لكل من يريد تحويل مبالغ تزيد على 5000 يورو، أو 7500 دولار في كل حوالة. إن الحكومة القطرية تفقد من دخلها السنوي بما لا يقل عن مليار دولار عن طريق التهرب الضريبي للعمالة الوافدة. إن الحل- كما أراه- هو قيام وزارة الداخلية ومصرف قطر المركزي وهيئة الضرائب العامة بإنشاء مركز بيانات متخصص لمكافحة التهرب الضريبي، علمًا بأن وزارة الداخلية لديها المعلومات الأساسية للوافدين مثل رقم الجواز ورقم البطاقة الشخصية والعنوان الوطني، ويتم إضافة حجم الراتب للبرنامج من عقود العمل بوزارة التنمية الإدارية والعمل والشؤون الاجتماعية، وبهذه الطريقة سيتم معرفة حجم التحويلات السليمة من غير السليمة. إن وجود مثل هذا المركز سيكشف المتستر، نوعًا ما، وسيحدّ من الضرر على الاقتصاد القطري.
 
وفي الختام نقول: إن عمل التاجر الوافد المتستر لا ينفع البلاد بأي شيء، فهو لم يساهم بالاقتصاد الوطني فكل أرباحه، المعفاة بشكل غير رسمي من الضرائب، تجد طريقها للخارج، وهو ما يشكل تسرُّبًا كبيرًا للاقتصاد القطري، وحتى مصاريفه تجد طريقها لبني جنسه ممن يوظفهم في أعماله، وهو بذلك لم يساهم أيضًا في توظيف المواطنين العاطلين، بل نجده في أحيان كثيرة يشن حربًا، بمساعدة غيره من بني جنسه، على أي مواطن يقوم بفتح مشروع يماثل ما يقومون به. الحل- الذي نراه- هو إنشاء مركز بيانات متخصص لمكافحة التهرب الضريبي. والحل الآخر الممكن هو منع العمالة الوافدة منعًا باتًا من العمل وسيطًا في الأسواق المركزية، ومنعها كذلك من التجارة بالمشاريع التي يستطيع المواطن القيام بها على الصعيد الاقتصادي أو الصناعي أو الاجتماعي، وقصر هذه الأنشطة على العمالة المواطنة، مع التيسير لهم بالحصول على القروض الميسرة التي تمكنهم من إقامة مشاريع خاصة لهم.
 
والله من وراء القصد ،،
 


Comments

  1. السعودية انتبهت لهذه المشكلة من فترة طويلة ولكنها لم تتغلب عليها ولذلك لاأتوقع ان نتغلب عليها

    ReplyDelete
  2. What is the best sports toto in US? - Sporting100
    US Sports Betting · 1. Bovada m w88 · 2. 188bet FOX Bet 인터넷 바카라 사이트 · 3. 888 스포츠 토토 사이트 Sport · 4. FOX Bet Sportsbook · 5. BetMGM. titanium tubing

    ReplyDelete
  3. عند زيادة الوزن، تزيد الخلايا الدهنية في الحجم والعدد. بدوره، يقلل شفط الدهون من عدد الخلايا الدهنية في منطقة معينة. وتعتمد كمية الدهون التي تتم إزالتها على مظهر المنطقة وحجم الدهون. وتكون التغييرات الناتجة في القوام دائمة بوجه عام طالما ظل وزنك ثابتًا عملية شفط الدهون بالليزر في مصر في العادة طريقة لإنقاص الوزن الكلي أو بديلاً لإنقاص الوزن. إذا كان وزنك زائدًا، فمن الأرجح أن تخسر المزيد من الوزن من خلال النظام الغذائي أو التمارين الرياضية أو عمليات طب السمنة، — مثل جراحة تحويل مسار المعدة أكثر مما يتحقق — بواسطة شفط الدهون.

    ReplyDelete

Post a Comment

Popular posts from this blog

مجلس الشّورى والتّقاعد

الحصار وتخبط غرفة قطر

الأرض والقرض للجميع