المقالات وأنواع القُرّاء

 الدكتور محمد بن علي الكبيسي


المقالات وأنواع القُرّاء
 
في البداية يجب أن نتّفق على أن حكومتنا ليست معصومة من الخطأ، والوزراء- مع احترامي المطلق لهم- ليسوا هبة من السماء إلى الأرض لا يأتيهم الخطأ من بين أيديهم (أخطاء من الوزراء أنفسهم)، ولا من خلفهم (من البطانة حولهم). وعلى هذا المفهوم فيمكن لأي فرد، وعلى أسس الشرع والدستور، أن ينتقد الحكومة إذا شاهد أي نوع من النقص أو القصور أو لم تراعِ مصالح الناس. إننا بهذا المعنى نمارس الرقابة على أداء الجهات الحكومية للتنبيه على أوجه القصور في الأداء العام لتحقيق المصلحة العامة، وهذا حقنا الذي كفله الدستور القطري وبالأخص في مواده (46) و(47) و(48)، إذ لم يشرع الدستور هذا الحق إلا لمصلحة المجتمع. ولقد أعجبتني كلمة سمو الأمير المفدى في افتتاح الدورة الثانية والأربعين لأعمال مجلس الشورى، بتاريخ 5/11/2013، عندما قال: "إنه لا يجوز أن نخدع أنفسنا. فهذا أسوأ من خداع الآخرين، لأن من يخدع نفسه يسد أمام نفسه الطريق لإصلاح الأخطاء". وهذا هو نهجي منذ أن بدأت الكتابة الصحفيّة بجريدة الشرق، في يناير 2009، فقد كان هدفي منها هو مراقبة وتحسين أداء المجتمع، وتجنب العقبات التي قد تعترض تنفيذ خطط التنمية التي أرسى دعائمها سمو الأمير المفدى. وكان نقدي في معظمه لاذعاً ولكنه لم يخل من مظاهر التأدب مع الجهات المخاطبة. وكنت في ذلك أمارس حقي الدستوري في التمتع بحرية الرأي والحرية في انتقاد الحكومة مهما قست أو اشتدت حدة هذا النقد، طالما توفرت شروط إباحة مثل هذا النقد، من حيث إثبات المنتقد صحة الوقائع المسندة إلى الموظف العام، أو من في حكمه، ولكن دون انتقاده شخصياً كفرد أو التعرض لحياته الخاصة أو سمعته أو عائلته. وعندما تأسس "تويتر"، عام 2006، تفاءلت خيراً من التقدم العلمي الذي يتيح توصيل الكلمة لقطاع عريض من القراء، ولكن كان العائق الوحيد لعدم انتشاره بين العرب أنه لا يفهم لغتهم العربية، وعندما تم تعريبه في مارس 2012 وجدتها فرصة أن أنشر المقال في الجريدة، ومن ثم أنشره في تويتر، ليحصل على عدد أكبر من التفاعل بين القراء، ولهذا السبب كنت ضمن الأوائل الذين دخلوا عالم "تويتر" المعرب (انضممت لتويتر في يوليو 2012). والحمد لله وصل المتابعون لصفحتي بـ"تويتر" أكثر من 200 ألف مغرد ومغردة. والشيء العجيب أنه في السنوات الأخيرة وجدت أنني كلما كتبت مقالاً أقصد منه الإصلاح، أو المطالبة بحقوق أفراد المجتمع، واجهني خمسة أنواع من القراء.
 
النوع الأول: القارئ الإيجابي: وهو الذي يقرأ ومن قراءته تتولد لديه العديد من الاستفسارات (الحمد لله فهذه النوعية هم الغالبية). وهذا القارئ فعلًا يفرح القلب لأن أسلوبه في إثارة النقاش قد يساهم في توضيح أكثر لأهداف المقال، ويساعد في نشره بطريقة إيجابية لأكبر شريحة ممكنة، ولهذا القارئ كل شكر وتقدير.
 
النوع الثاني: القارئ اليؤوس، وهذا يبادرني بكلمات ملؤها اليأس والتشاؤم، مثل قوله: "تؤذن في خرابة"، أو بكتابة بيت شعر عمرو بن معدي الزبيدي الذي يضرب فيمن لا فائدة فيه، ولا رجاء منه، ومهما حاولت نصحه فهو لن يستجب:
 
لقد أسمعت لو ناديت حيـًا**ولكن لا حياة لمـن تنادي
ولو ناراً نفخت بها أضاءت**ولكن أنت تنفخ في الرماد
 
تلك العبارات، هي في حد ذاتها، تخالف النهج الإسلامي الصحيح. فالإسلام حرم اليأس والتشاؤم، وأوجد البديل لهما وهما الأمل والتفاؤل. فقال الله تعالى: "فَلَا تَكُن مِّنَ الْقَانِطِينَ" الحجر: 55. وقال تعالى "إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ" يوسف: 87. فلنتأمّل ولنتدبّر تلك الآيات العظيمة، فهي- كما هو واضح- لا تحتاج إلى شرح، وبخاصة أنها تبين أن اليأس- بكل بساطة- هو كفر بالله. ومشكلة هؤلاء هو استعجالهم في حصد نتائج أي مطالبة، فإذا لم يجدوا أي نتائج عاجلة ينقلبون إلى اليأس والتشاؤم، وهم بهذا لم يحصدوا سوى الخسران المبين، وذلك لقوله تعالى "فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ ۖ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انقَلَبَ عَلَىٰ وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ" الحج: 11. وليكن معلومًا لمثل هؤلاء أن أي تغيير لن يأتي بين يوم وليلة بل يحتاج بعض الوقت. ولقد قال بعض العلماء: لولا الأمل ما بنى بانٍ بنيانًا، ولا غرس غارسٌ غرسًا. وصدق أبو إسماعيل الأصبهاني عندما قال:
 
أُعلل النفس بالآمال أرقبها**ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل
 
النوع الثالث: المشكك: وهو الذي كلما قرأ مقالًا قال: "لماذا دائمًا تنتقد الدولة ألا ترى شيئًا غير الانتقاد كأنك من الحاقدين عليها". وأقول لهذه الفئة: إنني متفق مع دولة قطر التي أنتمي لها، ولكنني غير متفق مع الحكومة القطرية عندما تصدر أي قرار يكون فيه ضرر على المواطن والمقيم. وعليه فإن الاختلاف مع الحكومة، كما أراه، ظاهرة صحية في مجتمع الدستور والقانون. ويجب أن يعرف الجميع أن الاختلاف مع الحكومة ونقدها يختلف عن محاولة عرقلة مساعي الحكومة.
 
النوع الرابع: القارئ السلبي: وهو الذي كلما قرأ انتقادًا عن شأن من شؤون الحياة ينبري لك بالقول: "إننا ننعم في قطر بمجانية الكهرباء والماء والأرض والقرض ومجانية العلاج والتعليم.. إلخ". يا أيها السلبي ما هذا الأسلوب غير السوي الذي تحاججني به. فمجانية الكهرباء والماء أخذوها منك من خلال فرض رسوم غير طبيعية للخدمات الحكومية التي تعدت تكلفة تلك الخدمات المقدمة. أما الأرض فهي في الأساس ملكك، وهم قاموا فقط بتحديد موقعها لك. أما القرض فهو قرض واجب السداد، وفوقه فائدة بنكية. أما العلاج والتعليم فهما خدمات مجانية ملزمة الحكومة بتوفيرها بنص الدستور القطري. إن عملكم أيها القُراء السلبيون هو قمع، عن سبق إصرار وترصد، لأي فكر ينادي بالإصلاح. ولهؤلاء أقول: خافوا الله، فهناك بعض المواطنين يعانون، فلابد من الوقوف إلى جانبهم.
 
النوع الخامس: القارئ المشتت: وهو الذي عندما يرى القراء مركزين على مناقشة موضوع المقال، وإيضاح ما خفي منه، أو قيامهم بالمساهمة في وضع المزيد من الحلول لعلاج المشكلة التي أثارها المقال، يدخل هذا المشتت بوضع تغريدة عن موضوع آخر يهم المجتمع، ولكن ليس له علاقة بما يتم مناقشته، وبهذا ينقسم المغردون إلى عدة مواضيع، ويُفقد التركيز لبحث الموضوع الأساسي.
 
وفي الختام نقول: إن الكثيرين ممن يقرؤون ما نكتبه، والحمد لله، يرون أننا على صواب فيما نكتب، ويتمنون من الله العلي القدير أن تؤخذ كتاباتنا على محمل الجد من الجهات المسؤولة، وأن تبادر قيادتنا الواعية بعملية الإصلاح. والحمد لله أن العديد من تلك المقالات أثمرت في تحقيق الهدف المطلوب منها. ونذكر المسؤولين الذين أعطاهم رب العالمين السلطة والجاه بحديث الرسول صلى الله عليه وسلم "إن لله أقواماً يختصهم بالنعم لمنافع العباد، ويقرهم فيها ما بذلوها، فإذا منعوها نزعها منهم فحولها إلى غيرهم". إن أجدادنا، رحم الله حيَّهم وميتهم، يقولون دائمًا: "إن النعمة زوالة"، فبادر أيها المسؤول بالمحافظة على النعمة بأداء حقها عليك.
 
والله من وراء القصد ،،


Comments

Popular posts from this blog

مجلس الشّورى والتّقاعد

الحصار وتخبط غرفة قطر

الأرض والقرض للجميع