تعاون "العمل" و"الغرفة" للخراب

 الدكتور محمد بن علي الكبيسي

تعاون "العمل" و"الغرفة" للخراب
 
أعلنت وزارة التنمية الإدارية والعمل والشئون الاجتماعية، في 30/8/2020، عن خطوة إيجابية هامة في برنامج إصلاحات سوق العمل، إذ تم بموجبه تحديد حد أدنى للأجور، وتسهيل الانتقال بين جهات العمل المختلفة. في الحقيقة أجبرت الحكومة على مثل هذه الإجراءات، فهي تريد الاحتفاظ بحقها في استضافة بطولة كأس العالم لكرة القدم 2022، وهي ملزمة بالتوافق مع الإجراءات التي فرضها كل من الاتحاد الدولي لكرة القدم (FIFA)، ومنظمة العمل الدولية، ومنظمات حقوق الإنسان. ولكن ما حدث هو أن تمادت الوزارة في إجراءات التسهيل على العمالة الوافدة لدرجة أن العامل أصبح يستطيع الانتقال من مشغل إلى آخر بدون الرجوع للكفيل، أو المشغل الأصلي، ضاربة بذلك كل القوانين المنظمة لعملية الانتقال. والعجيب أن غرفة تجارة وصناعة قطر، التي أنشئت -في الأساس- لمنفعة وحماية منتسبيها، دخلت داعم لهذه العملية، والتي أراها ضارة للقطاع الخاص. فلقد وقعت غرفة تجارة وصناعة قطر، في 1/10/2020، اتفاقية تعاون مع وزارة التنمية الإدارية والعمل والشئون الاجتماعية لدعم آلية تطوير منصة إلكترونية لتدوير العمالة الوافدة في داخل قطر. ولمن لا يعرف منصة تدوير العمالة نقول له إنها منصة إليكترونية ابتكرت ليتمكن العامل الوافد من وضع بياناته على الموقع ليتسنى للشركات البحث عما تحتاجه من العمالة المتاحة محلياً. ومع أن المشروع بدأ في ظاهره لحل مشكلة العمالة التي تم الاستغناء عنها بسبب الظروف الناتجة عن تداعيات انتشار فيروس كورونا، إلا أنها تحولت، بفعل الصلاحية المطلقة للوزارة، إلى أداة هدم حقيقي للقطاع الخاص. فقد جاء في تعديل المادة (21) بالمرسوم بقانون رقم (19) لسنة 2020 النص التالي "للوافد‌ ‌للعمل‌ ‌أن‌ ‌ينتقل‌ ‌للعمل‌ ‌لدى‌ ‌صاحب‌ ‌عمل‌ ‌آخر،‌ ‌وفقاً‌ ‌للقواعد‌ ‌والإجراءات‌ ‌التي‌ ‌حددها‌ ‌وزارة‌ ‌التنمية‌ ‌الإدارية‌ ‌والعمل‌ ‌والشؤون‌ ‌الاجتماعية‌". وبهذا فقد عطلت جميع القوانين المنظمة لانتقال العمالة وبخاصة المرسوم بقانون رقم (18) لسنة 2020 بتعديل بعض أحكام قانون العمل الصادر بالقانون رقم (14) لسنة 2004 الذي يلزم بإخطار المشغل الأصلي المتعاقد معه كتابياً أو بتعويضه التعويض المناسب. والعجيب أن المسئولين بالوزارة والغرفة على قناعة تامة بأن مشروع تدوير العمالة الوافدة هو مشروع يصب في مصلحة الشركات. فنجد أن الوكيل المساعد لشئون العمل بالوزارة يذكر أن المنصة تعكس التزام الوزارة بالشراكة بين القطاعين الحكومي والخاص، وأنه يهدف للمحافظة على العمالة الماهرة في قطر، وهذا -كما يراه- يأتي ضمن المشاريع الاستراتيجية في رؤية قطر الوطنية 2030. في حين أن المدير العام لغرفة قطر يؤكد -بدوره- أن المشروع يهدف لحصول الشركات على العمالة الملائمة، وبما يضمن استمرارية الأعمال، والمشروعات في السوق المحلي، وأن المشروع يقلل من استقدام العمالة من الخارج بالاعتماد على تدوير العمالة الموجودة أصلاً في قطر. وتعتبر قطر، بهذا الأسلوب، هي أول دولة خليجية تسمح لعمالها وعاملاتها الوافدين بتغيير وظائفهم قبل انتهاء عقودهم، بلا موافقة مسبقة من صاحب العمل الأصلي. والسؤال هو: لماذا أقدمت دولة قطر وغرفتها التجارية والصناعية على مثل هذا الإجراء الذي ليس له مثيل في الخليج ولا حتى في العالم الغربي. ألا يعلم المسئولون في قطر -حفظهم الله- أن المنصة، وحرية انتقال العمالة الوافدة من مشغل لآخر، قد جلبتا وسيجلبان معهما العديد من المشكلات من أكثرها خطورة:
1.    زيادة الأجور: أصبح العامل الماهر في وضع تفاوضي قوي جداً مع صاحب العمل، وهو إما أن ترفع المخصصات الشهرية (الراتب والامتيازات أخرى)، أو سوف أبحث عن مشغل آخر يدفع ما أريده.
2.    زيادة الأسعار للبضائع والخدمات: زيادة الأجور سوف تؤدي لزيادة كبيرة في الأسعار، فالزيادة التي سيدفعها المشغل سواء القديم (للاحتفاظ بالعامل) أو الجديد (لحصوله على العامل) سوف يتم تحميلها على ظهر المستهلك.
3.    ستعاني الشركات من فقدان العمالة الماهرة: العامل أتى في الأساس إلى قطر للحصول على العائد المالي المناسب، وسوف تؤدي عملية حرية تغيير المشغل إلى منافسة شديدة بين الشركات للحصول على العمالة الماهرة، وذلك عن طريق استمالة العامل المطلوب عن طريق إضافة بضع ريالات على ما يتسلمه من المشغل الأصلي.
4.    سيعمل على تقويض خطط الشركات: درجت الشركات في قطر على جلب العمالة التي تحتاجها في حدها الأدنى بهدف تعظيم الأرباح، وإن خروج أي عامل من الشركة كفيل بخلخلة خططها التشغيلية، وهذا سيؤدي إلى خسارتها الأكيدة.
5.    سيؤخر تنفيذ العقود: الكثير من الشركات تتقدم للحصول على المناقصات، سواء الحكومية أو الخاصة، ومن شروط المناقصات توفير غطاء مالي لضمان قيام الشركة بالتزاماتها في الوقت المحدد، وبعضها يشترط توافر عدد معين من العمالة في فترة تنفيذ العقد، وخروج العمالة من الشركة سيؤدي إلى عدم قدرة الشركات على تنفيذ العقود، مما سينتج عنه تسييل الضمانات لتلك العقود، وهو الأمر الذي سيزيد من حالة إفلاس الشركات، وقد يصل أصحابها للسجن.
6.    سيهرب المستثمرون الأجانب: الاستقرار هو شرط أساسي لجذب المستثمرين الأجانب. فمن هو المستثمر المغامر الذي سيأتي إلى قطر، وهو يرى أن هناك احتمالاً، ولو بسيطاً، أن العمالة التي سيجلبها، أو قام بتعيينها، سوف تذهب عنه، ما سيكبده خسارة أكيدة.
7.    سيعطل النمو الاقتصادي: إن انتقال العمالة من مشغل لآخر سوف يجبر الشركات على البدء من جديد كل مرة يخرج منها أي عامل، وهذا الأمر سيؤخر تقدمها، ومن ثم تقدم الاقتصاد ككل.
 
وفي الختام نقول إن الحكومة، وكما هو واضح، أجبرت -وهو عذر غير مقبول بتاتاً- على تحقيق مطالب الجهات الأجنبية التي تطالب بحقوق العمال بسبب بطولة كأس العالم. ولكن الغريب أن تقوم الغرفة بمسايرة الحكومة في توجهاتها. إن مهمة الغرف في العالم هي منفعة منتسبيها وحمايتهم من أي إجراء قد يؤدي إلى أي ضرر مباشر أو غير مباشر. إن المسئولين بالغرفة على علم بأن شركات القطاع الخاص، وبالأخص الصغيرة والمتوسطة، تتعرض للإفلاس، ويعرض أصحابها على المحاكم بسبب الإجراءات الحكومية العقيمة التي يواجهونها بين الفينة والأخرى، وآخرها حرية انتقال العمالة من مشغل لآخر. ومع أن الغرفة بدأت مشروعها للعمالة التي تم الاستغناء عنها بسبب الظروف الناتجة عن تداعيات انتشار فيروس كورونا، إلا أنها لم تدافع ولم تحرك ساكناً عندما تحول المشروع ليشمل جميع أنواع العمالة.
 
والله من وراء القصد ،،
 


Comments

  1. نعم اجرأت الحكومية العقيمة و للاسف جارتها في ذلك غرفة تجارة قطر وهي المفترض محامي التجارة هي من يدافع عن ابسط حقوقهم نعم كثير من الشركات افلست

    ReplyDelete

Post a Comment

Popular posts from this blog

مجلس الشّورى والتّقاعد

الحصار وتخبط غرفة قطر

الأرض والقرض للجميع