وزارة التنمية ودكان الفريج

 الدكتور محمد بن علي الكبيسي

وزارة التنمية ودكان الفريج
 
لم تكن هناك، قبل 1982م، أي مشكلة في حصول المواطن على وظيفة تتناسب مع مؤهلاته، ولكن مع وصول الأزمة النفطية، في 1982م، أجبرت الحكومة على خفض إنتاج النفط وأسعاره، ما أدى إلى تناقص الإيرادات والإنفاق. وهذا التناقص قاد الحكومة إلى ترشيد الإنفاق، حيث أوقفت التعيينات في الوظائف الحكومية الشاغرة، وقامت في نفس الوقت بفرض قيود أشد على العمالة الوافدة، ومع ذلك فإن فترة انتظار المواطن للحصول على أي وظيفة لم تتعد 3 - 5 شهور. وفي 1997م، انخفضت أسعار النفط مرة أخرى، ما نتج عنه بطالة بين المواطنين استمرت لدى بعضهم حوالي سنة، فما كان من سمو الأمير –آنذاك- إلا أن أمر وزارة الخدمة المدنية والإسكان بتوظيف جميع من ليس له عمل من المواطنين. أما 2007 فقد حملت معها العديد من المآسي منها: الأزمة المالية العالمية التي عصفت بالعالم ككل، ورفعت نسبة البطالة بسبب الكساد العالمي، الغاء وزارة الخدمة المدنية والإسكان، انخفاض أسعار النفط، تسجيل عدد كبير من البطالة المواطنة. ففي 2007م -بحسب البيانات الرسمية- وصلت أعداد العاطلين عن العمل حوالي 2050، غالبيتهم ممن يحمل الشهادة الثانوية والجامعية، وهذه الأعداد لا تشمل المتعطلين الذين لم يسبق لهم العمل أو المحالين للبند المركزي أو المتقاعدين. مع العلم بأنه في نفس السنة، وبحسب الإحصائيات الرسمية، بلغ عدد الوظائف التي شغلها وافدون -من الاختصاصيين والفنيين والكتبة- حوالي 308 آلاف وظيفة. ومع كل سنة تزيد أعداد المواطنين العاطلين، تصاحبها زيادة في أعداد الموظفين الوافدين. وفي الأخير تفتق ذهن المسؤولين بالوزارة عن إنشاء معرض مهني للمواطنين، يجمع بين جهات التوظيف والعاطلين. فرح المواطنون بهذه الخطوة، وقام الكثير من العاطلين بتقديم "سيرتهم الذاتية" لجهات التوظيف من خلال المعرض. لكن -للأسف- كانت الأوراق تسلم للجهات ومن ثم تجد طريقها لسلة المهملات، أو للكراتين المهملة في مخازن تلك الجهات. وبعد أن زادت أعداد العاطلين وأصبحت تمثل مشكلة، قامت الوزارة بتطوير برنامج آلي لتلقي الطلبات، ومن ثَمّ عرضها على جهات التوظيف. وهدف البرنامج كان للحد من مراجعة العاطلين للوزارة، أما الهدف الآخر أن العاطل يترك له اختيار ثلاث فرص، ومن ثم يتم إزالة اسمه من قائمة العاطلين بهدف تقليل العدد الكلي للعاطلين. لكن البرنامج سجل نجاحًا جزئيًا، ولهذا أغلق للتطوير وفق قدرات الوزارة. بعد التطوير فتح البرنامج من جديد ووَجد المستخدمون صعوبة في الدخول، وتسجيل طلباتهم، ومن ثم أغلق من جديد. وتم تكليف إحدى الشركات الخاصة لإعداد برنامج آلي وفق الاحتياجات التي حددتها الوزارة. وبدأت عملية "التطبيل" لهذا البرنامج، وصدق العاطلون هذا الخبر، وقاموا بالتسجيل عليه. وتفاجأ خريجو الجامعة بتخصيص إما وظيفة سائق شاحنة لهم، وآخرون وظيفة حارس مدرسة، وبعضهم وظيفة حارس أمن عمارة. وبعد أن دوت الفضيحة قامت الوزارة بإغلاق البرنامج لتطويره مرة أخرى. هذا الوضع ذكرني بدكان الفريج الذي أتعامل معه فصاحب الدكان يبرع في جلب الأغراض الخاصة بزبائنه. لكن صاحب الدكان قد يتلقى طلبية بالهاتف من بيت أحد أهل الفريج فيقوم بإغلاق الدكان حتى يتمكن من توصيل الطلب لصاحب الطلب فعندها، أنا وغيري، نضطر للانتظار حتى يفتح من جديد، أو أن نذهب ونعود مجددًا في فترة أخرى. لكن الفرق بين دكان الفريج أنه يحقق مطالب زبائنه بعكس الوزارة. وهذا ينقلنا إلى نقطة هامة وهي بما أن أعداد القطريين قليلة والوظائف كثيرة، وهي أكبر بكثير من طلبات المواطنين، إذن يبقى السؤال المهم الذي لا نجد له إجابة، وهو: لماذا لا يتم توظيف المواطنين؟ ولماذا تعاني نسبة كبيرة من أبنائنا الخريجين من البطالة؟ في فترة ارتباطي كمستشار متطوع مع معالي الشيخ عبدالله بن ناصر آل ثاني، رئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية السابق، تم تكليفي بدراسة المشكلة التي يواجهها المواطن في بحثه عن الوظيفة وطُرق حلها. وحتى تكون الدراسة من الواقع فقد اخترت ثلاث حالات من الباحثين عن عمل من المواطنين، الذين لم يوفقوا لأكثر من سنتين في الحصول على عمل، وحالتين من أبناء القطريات وتوجهت بها إلى سعادة وزير التنمية الإدارية والعمل والشؤون الاجتماعية، وطرحت عليه إمكانية توظيف هذه الحالات فبادر بقوله "إن الوزارة ليست جهة توظيف، فعلى أصحاب تلك الحالات الدخول مباشرة على منصة التوظيف التي قامت الوزارة بإعداد برنامجها لتسهل الربط بين الباحثين عن عمل وجهات التوظيف المختلفة، سواء أكانت جهات حكومية أم خاصة". وأضاف بقوله "على أصحاب تلك الحالات تنزيل طلباتهم مرة أخرى على منصة التوظيف، والبحث من جديد عن الوظيفة المناسبة". وهنا اختلفت مع سعادة الوزير في قوله إن الوزارة "ليست جهة توظيف"، وقلت لسعادته بأن الوزارة هي جهة الاختصاص وذلك حسب القرار الأميري (4) لسنة 2016. ففي المادة (13) من القرار ذكر بالنص أن الوزارة تختص "بالإشراف على تنفيذ القانون المنظم للموارد البشرية الحكومية، وقانون العمل، ووضع السياسات العامة للموارد البشرية بما في ذلك سياسات توطين الوظائف، ومتابعة تنفيذها بعد اعتمادها". وتضيف نفس المادة لاختصاصات الوزارة "وضع سياسات الابتعاث للجهات الحكومية في ضوء الخطة الوطنية لتوطين الوظائف وتنفيذها بالتنسيق مع تلك الجهات" بل وتمتد اختصاصات الوزارة لتشمل "تدريب الموظفين القطريين وإعادة تأهيل الذين يشغلون وظائف لا تتناسب مع مؤهلاتهم الدراسية" وفوق كل ذلك نجد أن قانون الموارد البشرية المدنية (قانون رقم (15) لسنة 2016) - الذي تشرف الوزارة على تنفيذه - قد نص في المادة (13) بالتالي "يشترط فيمن يعين في إحدى الوظائف أن يكون قطريّ الجنسية، فإن لم يوجد فتكون الأولوية لأبناء القطرية المتزوجة من غير قطري ..الخ". ويجب ألا ننسى أن الدستور القطري أكد في المادة (28) على إن الدولة تكفل تحقيق الرخاء للمواطنين، ورفع مستوى معيشتهم، وتوفير فرص العمل لهم. وفي المادة (29) أن الثروات الطبيعية ومواردها ملك للدولة. وفي المادة (59) نص بما معناه أن الدولة هم الشعب. إذن إلى من يلجأ الشعب لتوفير حقوقه وقيامه بواجباته؟ وبعد مجادلة طويلة مع سعادته، وكل طرف منا يحاول إقناع الآخر بوجهة نظره، خرجت وتوجهت لمعالي رئيس مجلس الوزراء وقدمت له ملخص المقابلة، وبعدها بيومين قدمت الدراسة المطلوبة لمعاليه عن المشكلة، وكيفية القضاء على البطالة في غضون ثلاثة أشهر فقط. تبنى معاليه أسلوب الحل وقام بتكليف أحد الأشخاص ذوي الخبرة الواسعة بالعمل تحت إشرافه لحل المشكلة، ولكن خروج معاليه من رئاسة مجلس الوزراء قد أوقف البدء في القضاء على البطالة بين المواطنين.
 
وفي الختام نقول إن معاناة العاطلين عن العمل من المواطنين مازالت مستمرة، وبدون حل يذكر، والسبب الرئيسي في ذلك هو عدم إيمان الوزارة بدورها، وقيام المسؤولين القطريين في الجهات الحكومية وغيرها بتوظيف الوافد وتفضيله على القطري. وفي هذا المقام فإنني أتذكر كلمات أخي سعادة الشيخ فلاح بن جاسم بن جبر آل ثاني، وزير الخدمة المدنية والإسكان الأسبق، عندما قال لي "من حق القطري علينا أن نوفر له الوظيفة، وأن نرفع من مستواه، وأن نوفر له سبل النجاح الممكنة ليقوم بأعباء الوظيفة على خير وجه". بارك الله فيك يا أبا محمد وبارك الله في كل من يفكر في مصلحة المجتمع القطري.
 
والله من وراء القصد ،،
 
 
 


Comments

  1. ليت قومي يعلمون نعم ذهبت اعمارنا و نحن في انتظار التحسينات ادينا ماعلينا من واجبات ولله الحمد و الفضل و المنة ولكن لم نلقى حتى هذه الحظه حقوقنا كمواطنين

    ReplyDelete
  2. THIS I WILL NEVER UNDERSTAND...
    IF SOMEONE IS GIVING YOU THEIR LIFE DAILY...
    HOW CAN IT BE THAT THERE NO BASIC APPRECIATION?
    GOD HELP YOU!
    AND BLESS EVERYONES BASIC HUMAN RIGHTS!

    ReplyDelete
  3. انا قاصد الله وقاصدك وانا داخل على الله ثم عليك انك اتساعدني الله يسعدك ويوفقك ويرزقك يارب العالمين انا غارم وعلي ديون للبنك 33000الف دينار أردني وراتبي محجوز عليه وعندي عائلة وبلا عمل. ومهدد بالحبس كلي أمل بالمساعدة وجزاكم الله خير الجزاء انا عامر طلال جرار من الاردن 962788505026 الله يحفظك ويعلي قدرك ويفرحك باولادك واحفادك ويرحم والديك ويطول بعمرك يارب العالمين ودمتم سالمين غانمين. واقسم بالله العظيم اني صادق معك واني في حالة يرثى لها والوضع مزري للغاية. ويوجد إثبات. وجزاك الله خير الجزاء. سعادة الدكتور

    ReplyDelete

Post a Comment

Popular posts from this blog

مجلس الشّورى والتّقاعد

الحصار وتخبط غرفة قطر

الأرض والقرض للجميع