المواطن والإهمال الرسمي

 الدكتور محمد بن علي الكبيسي

المواطن والإهمال الرسمي
 
عندما اكتسب الشيخ محمد بن ثاني - لما يتصف به من دين وورع وخلق قويم - احترام شيوخ قبائل قطر، دخلت معه القبائل طواعية - وليس بالقتال - في أحلاف. وتطور هذا التحالف عندما تسلم القيادة الشيخ جاسم بن محمد بن ثاني الذي يعد بحق مؤسس قطر، حيث قامت القبائل بالتكاتف والالتفاف حوله، ومبايعته زعيماً وقائداً لهم. فالحكم في قطر منبعه المحبة والإخلاص لهذه الأرض الطيبة، والاحترام والتقدير المتبادل بين القيادة والشعب، ولولا المحبة المتبادلة والثقة الكبيرة بين القائد وشعبه لما تكاتفوا مع بعضهم البعض. ولكن أجد أن هناك أيدي خفية تعمل على تحطيم تلاحم الشعب بقيادته، مما يضعف الجبهة الداخلية، وهذه الأيدي الخفية بدأت بالعمل – وللأسف - قبل الحصار واستمرت حتى يومنا الحاضر. هناك بعض المسئولين ينقلون لرؤسائهم أخباراً مغلوطة، ولثقة الرؤساء فيهم يعدونهم من الصادقين. فمثلاً عندما تصادمت مع الجامعة في رفض تحويلي للتقاعد وكتبت مقالات في هذا الموضوع (انظر الشرق 3/10/2010 و 11/10/2010)، بدأ لساني، للظلم الذي وقع عليّ - بالدعاء من القلب - على رئيسة الجامعة. ولكن، في صبيحة أحد الأيام، أتتني رئيسة الجامعة في مكتبي معاتبة على ما نشر بالجريدة، مؤكدة أنه تم إبلاغها بأن طلب التحويل إلى التقاعد هو رغبة مني في ذلك. طبعاً، وبعد معرفة الحقيقة قمت بالاستغفار على سوء ظني بأخت عزيزة وكريمة زاملتها في مرحلة الدكتوراة في بريطانيا. إن الأيدي الخفية التي تعيث في الأرض فساداً، تريد تكرار ما حدث معي بالجامعة على مستوى أكبر. شخصياً لا أشك في محبة سمو الأمير المفدى لشعبه فهو يشاركنا في أفراحنا وأتراحنا، بل وخصص يوماً في الأسبوع للجلوس مع المواطنين لسماعهم شخصياً (طبعاً قبل كورونا). ولا أشك مطلقاً في محبة سمو نائب الأمير للشعب القطري، فهو يعامل الجميع كأهل، ولا يقصر معهم. وطبعاً من المستحيل أن يشك أحد في محبة كل من معالي رئيس الوزراء السابق والحالي للمواطنين. إذاً لا توجد مشكلة بين القيادة والشعب، ولكن المشكلة الحقيقية تكمن في "بعض" من وثقت فيهم القيادة وجعلتهم يمثلون حلقة الوصل بينها وبين الشعب. لقد وجدنا، بسبب بعض أفراد هذه الفئة، أن تفضيل غير القطري أصبح هو السائد في المجتمع القطري.
 
إن لدينا العديد من الشواهد التي تدل على الإهمال الرسمي للمواطن القطري ونرى أنه لا داعي لذكرها فهي معروفة للجميع. إن الذي دعاني لكتابة هذا المقال هو ما يحدث في كل مناسبة رسمية، أو غير رسمية، حيث تقوم الجهات المسئولة بتقديم بعض شخصيات برامج التواصل الاجتماعي من خارج الحدود، على المواطنين ممن يعدون من مشاهير مواقع التواصل الاجتماعي، الذين سارعوا بالدفاع عن قطر ورموزها. وعندنا نماذج كثيرة من المواطنين الذين برعوا في هذا المجال ولكن كانوا نسياً منسياً من قبل الجهات المسئولة. إنني أتكلم عن مبدأ مهم وهو حب الوطن لأبنائه، وتقديمهم على غيرهم من الجنسيات الأخرى، التي تسكن داخل أو خارج الحدود. نحن لا ننكر أن الدولة بكل أجهزتها عملت المستحيل للتخفيف على المواطنين والمقيمين من آثار الحصار الغاشم وذلك جهد يشكرون عليه. وعندما بدأت أذناب أنظمة الحصار في شن حملة - في مواقع التواصل الاجتماعي - على قطر ورموزها، قام الجميع، مواطنين ووافدين، بالدفاع والتصدي لهذه الحملات التشويهية المغرضة التي لا أساس لها من الصحة. وكان سمو الأمير المفدى يوجه "المغردين" القطريين بأن لا يتجاوزوا الخلق الإسلامي القويم في الرد على من فجر في الخصومة، من دول الحصار، وكان الشعب القطري من السامعين الطائعين لسمو الأمير. ولهذا وجدنا سمو الأمير، في 2017، يقول بفخر واعتزاز من على منبر الأمم المتحدة "واسمحوا لي في هذه المناسبة ومن على هذه المنصة أن أعبر عن اعتزازي بشعبي القطري، ومعه المقيمون على أرض قطر من مختلف الجنسيات والثقافات. لقد صمد هذا الشعب في ظروف الحصار، ورفض الإملاءات بعزة وكبرياء، وأصر على استقلالية قرار قطر السيادي، وعزز وحدته وتضامنه، وحافظ على رفعة أخلاقه ورقيه، رغم شراسة الحملة الموجهة ضده وضد بلده". بل ونجد أن سمو الأمير المفدى كرر ما قاله، ففي عام 2019، ومن على المنبر ذاته مخاطباً العالم قائلاً "حين وقفت هنا أمامكم قبل عامين بعد ثلاثة شهور من فرض الحصار كنت واثقاً من صمود الشعب القطري وإخوانه المقيمين في قطر، وتجاوز آثار الحصار". ومثل ما قدر سمو الأمير المفدى مكانة ودور المواطن فإننا نأمل أن يقوم الجميع بتقدير المواطن ورفعة للمكانة التي يستحقها.
 
وفي الختام نقول إن سمو الأمير المفدى حفظه الله يعلم علم اليقين بأن المحبة المشتركة والثقة الكبيرة والاحترام المتبادل هي التي جمعت أهل قطر في الماضي ونأمل أن يستمر هذا الشيء في الحاضر والمستقبل. كلنا مقدر سخاء الدولة في الإنفاق على جميع المجالات مما جعلنا نعيش في رخاء يحسدونا عليه الآخرون، ولكن ما يحز في النفس هو اهمال الجهات المسئولة للمواطن واعتباره كأنه غير موجود. نحن في قطر لا نريد أن يكون من بيننا من يعمل على تفكيك النسيج الاجتماعي، ولا نريد أن يتم إهمال أي مواطن مهما كان السبب.
 
والله من وراء القصد ،،
 


Comments

  1. مقال رائع
    نتعلم منه التراجع عند معرفة حقيقة الامور
    وكذلك ضرورة الدعاء لولي الامر بالبطانة الصالحة

    ReplyDelete
  2. جزاك الله خير الجزاء دكتور على هذا التبيان و الكلمات الملتزمة و المتزنه في المقال وحيث ان هناك فئة ما تريد ان تجعل فجوة بين المسؤول وبيننا ولكن من وثق في هذا المسؤول هو نفسه ثقته عمياء في نفس الشخص و الدليل على ذلك كم من مظلوم لم ينصر بسبب هذا المسؤول بعد ان وصلة التفاصيل الى منهم اصحاب قرار بل على العكس اصبح الوضع اكثر شرعية من ذي قبل لان المصدق لديهم من ثبتوه على الكرسي وانا هنا لستُ بصدد وضع مواضيع حصلت ولكن الامثلة كثيرة كثيرة جداً جداً جداً و ان صح التعبير هيه ظاهره اكثر شكرا دكتور

    ReplyDelete

Post a Comment

Popular posts from this blog

مجلس الشّورى والتّقاعد

الحصار وتخبط غرفة قطر

الأرض والقرض للجميع