لا .. لتعديل وضع المتقاعدين

 

لا .. لتعديل وضع المتقاعدين

 

في البداية أود أن أشكر رئيس تحرير جريدة الشرق، وجميع العاملين بها، على تشجيعهم لي ومساندتهم بنشر مقالاتي السابقة التي استمرت لأكثر من 10 سنوات.

 

لقد كتبت في الشرق (بتاريخ 15/5/2011) ما يلي "كنت في رحلة صيد سمك في المياه الإقليمية لدولة قطر، وفجأة علقت بالخيط سمكة كانت من القوة أن جميع محاولاتي لسحبها إلى القارب باءت بالفشل الذريع. وبعد دقائق من الصراع مع هذه السمكة وجدت أن خيط السمك أصبح سهل الجر فظننت أن السمكة قامت بقطع الخيط وذهبت في حال سبيلها. وعليه فقد قمت بسحب الخيط لوضع "ميدار وبلد" جديدين. والمفاجأة التي لم تخطر على بال أحد أنني وجدت رأس هامور كبير جداً، بدون جسد، لا يزال عالقاً بالخيط. فجلست أتخيل نوع السمكة الجبارة التي قامت بقضم جسد هذا الهامور الكبير بقضمة واحدة. وأنا أفكر في ذلك تبادر إلى ذهني حجم الرواتب في قطر وكيف تؤكل وتختفي من أيادي أصحابها". وهذا ما حدث للرواتب بشكل عام، ومعاشات المتقاعدين بشكل خاص. فلقد قامت عوامل التضخم، وارتفاع الأسعار، بقضمها بدون رحمة من أيدي المواطنين. ولقد حاولت جهدي، من خلال سبع مقالات، لوضع المشكلة التي يعاني منها المتقاعدون أمام المسئولين على أمل أن يتم تصحيح الوضع، ولكن وجدت أن هناك عزوفاً واضحاً لديهم بعدم اتخاذ أي قرار لتعديل وضع المتقاعدين. ووجدت، في نفس الوقت، أن المواطنين يقرأون، أو يسمعون، بالمساعدات القطرية التي تذهب لخارج الحدود (لمعرفة حجم هذه المساعدات وجهاتها فالرجاء تتبع أخبارها من الجرائد المحلية والعالمية)، ومع أن مثل هذه المساعدات الخارجية مهمة لدولة قطر ويشكر عليها سمو الأمير المفدى، فهي تغيث الملهوف، وتجبر خواطر من لا يملكون، وربما كانت سبباً في إبعاد رب العالمين بعض شرور الجيران عنا وعن قطر، إلا أن المواطنين في قلوبهم حسرة لأنه بجزء منها قد تحدث فرقاً هائلاً في حياة ومعيشة المواطنين، وبخاصة لمن يعاني منهم من الديون المتعثرة، أو من يعاني من شظف العيش من مساعدات الشئون الاجتماعية، أو من معاشات المتقاعدين. إن بعض المسئولين، حفظهم الله، وأبعدهم عن طريق المواطنين، تناسوا قوله تعالى "وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ اِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالجَنبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ" النساء: 36. فرب العالمين في هذه الآية قرن الأمر بعبادته بالإحسان للوالدين ومن ثم ذوي القربى، ونحن في قطر كلنا، والحمد لله، من ذوي القربى. وقمت بإعادة قراءة الآية الكريمة عدة مرات ولكني لم أجد أنها خصصت أي نوع من الإحسان لأي جهة تقع في خارج الحدود. وفي هذا نقول للمسئولين أنه إذا كان يشق عليكم تنفيذ أوامر رب العالمين، وإذا كان يعز عليكم تعديل وضع المواطنين لمستوى معيشة أفضل، فنسأل الله أن يغنينا بفضله عن فضلكم، وبجوده عن جودكم، ونطلب منكم فقط القيام بكبح جماح التضخم، وزيادة الأسعار. فتحسين الوضع المعيشي للمواطنين لا يرتبط بالقيمة الرقمية للرواتب والمعاشات، بل يرتبط بالقيمة الحقيقية (الشرائية) لما يحصلون عليه من دخل. إن توجيهات سمو الأمير المفدى، من خلال خطبه ولقاءاته، تبين بوضوح أن سموه وجه الحكومة باتخاذ الإجراءات الضرورية اللازمة للهبوط بمستوى الأسعار، ورفع القوة الشرائية للدخل الفردي، وذلك بهدف دعم الاقتصاد المحلي. ولكن وللأسف هذه التوجيهات الحميدة لأمير يحب شعبه قابلتها توجهات غير حميدة من بعض الجهات الحكومية، وبخاصة ما صدر من لجنة مراجعة رسوم الخدمات والمعاملات الحكومية. هذه اللجنة تناست أن رجال الأعمال يستطيعون تحميل الزيادات في الرسوم على المستهلكين، وأيضاً نجد أن آثار هذه الرسوم امتدت لتأخذ جزءاً كبيراً من رواتب ومعاشات المواطنين. إنني لا أؤيد المغالاة في فرض الرسوم، لأنها في الأخير ستخرج من جيوب المواطنين الذين لديهم ما يكفيهم من هموم والتزامات مالية يومية، علماً بأن الرسوم هي فعلاً ليست موازية لقيمة الخدمة. فهل من المعقول ختم على معاملة لا تأخذ ثواني معدودة يكلف 500 ريال قطري. إن من مسببات ارتفاع الأسعار الأخرى هو التلاعب الواضح من التجار في أسعار المواد الاستهلاكية، ويصاحبها غياب دور بعض الجهات الرسمية. إن إدارة حماية المستهلك، على سبيل المثال لا الحصر، تملك الأدوات، والصلاحيات الضرورية، للحد من تلاعب التجار. فمن ضمن الإدارات التابعة لسعادة وكيل الوزارة المساعد لشؤون المستهلك نجد غياباً كاملاً لعمل قسم تقييم ومتابعة الأسعار بإدارة التراخيص النوعية ومراقبة الأسواق. فمن المفروض قيام القسم بالمهام التالية: 1. استقبال ودراسة وفحص طلبات زيادة الأسعار المقدمة من المزودين. 2. دراسة وتقييم أسعار السلع والخدمات المتداولة بالأسواق. 3. تحليل أسباب ارتفاع أسعار السلع والمواد والخدمات واقتراح وسائل تصحيحها. 4. وضع الآليات المناسبة لمنع رفع الأسعار غير المبررة. والسؤال هل لمس، أي مواطن أو مقيم، أي أثر لأعمال هذا القسم؟ أما قسم الأسواق المركزية، بنفس الإدارة، فمن المفروض أن يراقب أعمال المزادات بالأسواق المركزية. وقام هذا القسم، في فترة انتشار فيروس كورونا، بمنع مزادات الخضار والفواكه والأسماك، والتي كانت تعمل عمل البورصات، وتركت الأمر لعبة مباشرة بين المورد من جهة، وتاجر الجملة وتاجر المفرق من جهة أخرى، والضحية هو المواطن والمقيم. فلا تتعجب أيها القارئ أن يقوم المورد المحلي ببيع "سحارة" الطماطم بريالين، لتصل يد المستهلك بأكثر من 10 ريالات. أما الميرة ودورها الهادم في المجتمع فقد كتبنا عنها مقالاً بالشرق بعنوان "الميرة .. الوحش الذي انطلق" فلا داعي لتكرار ما كتب (انظر الشرق 16/6/2013)

 

وفي الختام فإن ما ذكرناه يخص زيادة الأسعار، أما ما يتعلق بالتضخم فإن هناك أدوات كثيرة تستطيع وزارة المالية، ومصرف قطر المركزي، إتباعها لكبح جماح التضخم الذي أثر على القوة الشرائية للريال القطري. وفي ختام الختام نقول لا بارك الله في المسئول الذي أقسم بأن "يرعى مصالح الشعب رعاية كاملة "وفي نفس الوقت لا يشعر بما يعانيه ويكابده المواطن في حياته اليومية، وذلك لسبب بسيط جداً أن حقوقه المالية مصانة صيانة كاملة في الراتب والمعاش. إنني، وبشكل شخصي، لا أطالب المسئولين بتعديل وضع المتقاعد ولكني أطالبهم بتنفيذ صلاحياتهم التي خولها لهم القانون لكبح جماح ارتفاع مستوى الأسعار الذي أصبح لا يطاق.

 

والله من وراء القصد ،،

 

Comments

  1. مساؤكم خيرات ومسرات من رب العالمين

    ReplyDelete

Post a Comment

Popular posts from this blog

مجلس الشّورى والتّقاعد

الحصار وتخبط غرفة قطر

الأرض والقرض للجميع