"الصلح خير"..إلا هنا

 

"الصلح خير"..إلا هنا

الحمد لله حمداً كثيراً على نعمة الإسلام، والحمد لله أن ثبت رب العالمين الأخلاق الحميدة في الشعب القطري. لقد عرف عن  القطريين منذ القدم ، حبهم للتعاليم الإسلامية وتخلقهم بمبادئه السمحة. ولهذا وجدنا أن البعض منهم، لما طال أمد الحصار، بدأ في التحدث عن أن "الصلح خير". ليس خوفاً من دول الحصار، ولكن خوفاً من رب العالمين، لأنه قرن تقوى الله وطاعته وطاعة رسوله والإيمان بنشر الصلح بين الناس في قوله تعالى "فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ" الأنفال- 1، وخافوا أن يفوتهم الأجر العظيم الذي وعدهم إياه رب الناس في قوله تعالى "لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا" النساء - 114، وغيرها من الآيات التي تأمر وتحث على الإصلاح. ولم ينس القطريون قول رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم " ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصلاة والصدقة؟  قالوا: بلى. قال: إصلاح ذات البين، فإن فساد ذات البين هي الحالقة" (أي التي تحلق الدين)، وقوله صلى الله عليه وسلم "لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال، يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا، وخيرهما الذي يبدأ السلام". صحيح أن تعليم  الدين الإسلامي تحث على المصالحة وتشجع عليه، ولهذا نقول للذين رفعوا كلمة "الصلح خير" جزاكم الله كل خير، فهذا يدل على صفاء أنفسكم، وحسن خلقكم. نعم، إن الصلح خير، ويعد هو الخيار الأفضل في حل المشاكل المختلفة بين البشر،  كأفراد أو كجماعات، ولكن الصلح في حد ذاته في بعض الأمور هو ليس الحل الأمثل، وبخاصة إذا كان الصلح أحل حراماً، أو حرم حلالاً، فإنه ينقلب من مسمى "صلح" إلى مسمى "جور". وفي هذا أقول لمن أطلق كلمة "الصلح خير"، ولمن اقتنع ونادى بها، أقول لهم لقد استعملتم الكلمة الصح في المكان الخطأ. إن دول الحصار قامت عن سبق إصرار وترصد بفبركة بعض الأخبار على لسان سمو أميرنا المفدى، عن طريق قرصنة وكالة الأنباء القطرية. وقامت قطر بنفي ما جاء من أنباء مفبركة، ولكن، ولأن النية كانت منعقدة للإضرار بقطر، لم يتم تحكيم صوت العقل في تلك المزاعم. وتم بعد ذلك حصار قطر، وكانت الخطة، إذا لم ينجح الحصار في أول يومين، أن يتم الاستعداد لشن هجوم بري وبحري وجوي على قطر. طبعاً الهجوم ليس للسلام والقدوم ضيوفاً على قطر وأهلها، ولكن، وكما درج عليه، المغتصبون من حكام آل سعود، وقراصنة أهل ساحل عمان، هو لقتل الرجال وسبي الأطفال والنساء والاستيلاء على خيرات البلاد. ولأن أهل قطرهم أهل خير فقد احبط  رب العالمين مخططهم وأفشل مسعاهم. ومع كل ذلك فقد قامت قطر بطلب الجلوس للحوار ، أملاً في حل المشكلة قبل تفاقمها وخروجها عن السيطرة. ولكن تمادت دول الحصار في ظلمها، معتمدة على سمعة السعودية العالمية، فقام مسؤولوها بجولات لدول العالم لإقناعهم بأن قطر تدعم الإرهاب، ولابد من تكاتف الجميع لإيقاف قطر. والحمد لله أن دول العالم الحر عرفت المزاعم الباطلة لدول الحصار، ولم يدخل معهم في حلف الفجار إلا تلك الدول التي تمت رشوتها مثل جزر المالديف، وجزر القمر. وطلبت دولة قطر، مراراً وتكراراً، من دول الحصار إبراز ما لديها من أدلة وبراهين تدينها بالإرهاب المزعوم، ولكن دول الحصار عجزت عن ذلك، وأخذتهم "العزة بالإثم" فاستمروا بحصارهم الظالم على قطر، واستمروا في عملية تشويه سمعتها. وعلى منبر الأمم المتحدة، أكبر صرح عالمي يجمع دول العالم تحت مظلة واحدة، قام سمو الأمير، في 2017، بدعوة دول الحصار لحوار غير مشروط،  قائم على الاحترام المتبادل للسيادة، ولكن لا مجيب. وفي 2018 قام سمو الأمير بتجديد الدعوة للحوار، ولكن قابلت دول الحصار تلك الدعوات بتصريحات معادية مثل قول وزير خارجية السعودية في كلمته أمام مجلس العلاقات الخارجية الأمريكي بأن دول الحصار "يمكنها الصبر على قطر من  10 إلى 15 سنة قادمة"، أو رده على أحد الصحفيين بقوله "لا يوجد خلاف بيننا وبين قطر،  لكننا ببساطة لا نريدهم". إن رب العالمين عندما أمر بالصلح وضع له شروطاً وأسساً يجب أن يُعمل بها، ولكن، وللأسف، لا  الأمم المتحدة، ولا تلك الدول التي تدعي الإسلام، بقادرة على العمل بتلك الشروط والأسس. فلنستمع لقوله تعالى "وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ" الحجرات: 9. لقد أمرنا رب العالمين انه إذا تنازعت طائفتان من المسلمين وفسدت العلاقة بينهما، وبغى بعضهم على بعض، ووقع الاختلاف بينهما، لأي سبب كان، فالواجب هو الإصلاح بينهما، وإذا تمادت إحداهما في الظلم ، فعلى المجتمع الإسلامي أن يردع تلك الفئة ويقاتلها حتى تعود لأمر الله. إن دول الحصار بغت وتمادت في عدوانها على قطر، وللأسف الشديد إن المنظمات أو المؤسسات الدولية لم تقم بدورها، ولولا لطف الله، ومن ثم دعم الصادقين من الدول الشقيقة والصديقة، لمُسح اسم دولة قطر، تلك الدولة العضو في الأمم المتحدة وفي جامعة الدول العربية، من الخرائط العالمية. يا أيها المنادون بـ"الصلح خير" هل  تتذكرون محاولات سمو أمير الكويت، حفظه الله، المصلح الكبير، عندما زار دول الحصار، وتقرب إليهم، وبذل الغالي والنفيس، لحل المشكلة قبل أن تستفحل وتتطور. ألا تتذكرون أن دولة قطر قد تجاوبت مع نداء سمو أمير الكويت لرغبتها في أن يعم السلام على الجميع، ولكن، وللأسف الشديد، قوبلت محاولاته من دول الحصار بالتعنت والرفض بدون أي احترام وتقدير لشخصه، ولا للبلد الذي يمثله. إن من لا يرضى بالصلح معناه أنه لا يريد الخير ولا يرضى به.
وفي الختام، ومع أن رب العالمين ذكر أن الصلح خير، وأن الخير أمر يطلبه كل عاقل، ولكن، أعتقد جازماً، أن دول الحصار قد فقدت العقل وبجدارة، بل وفقدت مقومات الدين الإسلامي السمح، منذ أن بدأت تآمرها على دولة قطر، وعليه فإني أرى أن طلب الصلح مع هذه الدول أمر غير مرغوب بتاتاً. ونختم مقال اليوم بأبيات للشاعر القطري المبدع مبارك بن عبدالله بن علي آل خليفة حيث يقول:
سنة، ثلاث، أربع، عشر، خير يا طير ** وفي كل يوم نزيد عزم وصلابة
نثبت ولو تكثر جموع الطوابير ** والحق يعطينا شموخ ومهابة
وأعجبني آخر بيت بالقصيدة عندما قال:
من راح جعله هفة مقيط في البير ** ومن جا على وضح النقا يا مرحبا به
فعلاً يا أخي مبارك إن من راح، وكله غدر وخيانة، جعل رب العالمين ما يرده أبد الآبدين. ونكرر، وبكل ثقة وإصرار، مقولة سمو أميرنا المفدى "نحن بألف خير من دونهم".
والله من وراء القصد

Comments

Popular posts from this blog

مجلس الشّورى والتّقاعد

الحصار وتخبط غرفة قطر

الأرض والقرض للجميع