بضاعة الحصار والحجج الواهية

 

بضاعة الحصار والحجج الواهية

اتصلت، على مدى عدة أسابيع، مع الكثير من رجال الأعمال القطريين، ومع بعض الجهات الرسمية، لمناقشة أسباب استمرار تدفق بضائع دول الحصار إلى السوق القطري وما هي الطرق المناسبة لوقف استيراد مثل تلك البضائع. والصراحة بعد الردود التي تلقيتها من مختلف الجهات لا يسعني القول إلا أن بعض رجال الأعمال القطريين يرون أن مصلحتهم تأتي قبل ولائهم للوطن. فجميع الحجج التي يذكرونها ما هي إلا حجج واهية ويستطيع المرء تفنيدها كلها. ومن هذه الحجج الواهية:
الحجة الأولى: لابد من استمرار تدفق السلع الاستهلاكية لحاجة السوق القطري. سبحان الله .. كأن دول الحصار هي دول لم يخلق الله مثلها في البلاد. ألم يقل رب العباد ".. فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ" الجمعة: 10. كل ما هو موجود في دول الحصار موجود وبكثرة في دول أخرى عديدة، فما عليكم سوى البحث في الأسواق العالمية لنفس المنتجات، أو منتجات بديلة، ولكم في الحكومة أسوة حسنة فهي من أول يوم للحصار اتفقت مع عدة دول على توفير الكثير من البضائع الأساسية، ومنها على سبيل المثال الألبان، علماً بأن غالبية البضائع الواردة من دول الحصار هي في الأصل تأتي لهم من الخارج، ولا يعدو كونهم سوى وكلاء توزيع. إنني في هذه النقطة أعيب على بنك قطر للتنمية الذي كان في سبات طيلة فترة الحصار حتى يومنا الحاضر، فهو لم يتحرك لتفعيل أهداف وكالة قطر لتنمية الصادرات "تصدير"، التي أنشأت في 2011، علماً بأن هذه الوكالة لديها عضوية في شبكة المؤسسات الأوروبية التي تعمل على خلق فرص الحصول على مستوردين وموزعين وموردين لسلع وخدمات في جميع القطاعات في أكثر من 65 دولة عالمياً.
الحجة الثانية: إن كثيراً من رجال الأعمال في قطر مرتبطون بعقود ملزمة مع دول الحصار. للأسف أن هذه الحجة سمعتها من الكثيرين. ونقول لهم "عفارم" عليكم. لقد وجدنا أن رجال الأعمال في دول الحصار لديهم الحس الوطني أكثر مما هو موجود عند رجال الأعمال القطريين، فنجدهم قد تنصلوا من العقود الملزمة مع رجال الأعمال القطريين بحجة "الظروف القاهرة" وبحجة أن "الحدود مغلقة". ولنأخذ شركة ألبان المراعي، على سبيل المثال لا الحصر، فقد قامت بتنفيذ قرار الحكومة السعودية بعد دقائق من صدور قرار الحصار، مع علمها بأنها ستخسر سوقاً يدر عليها مبلغاً لا يقل عن 12 مليون ريال يومياً. وفي نفس الوقت قام وكلاء منتجات "بفك قطر" في دول الحصار بمنع استقبال أي شحنة من هذا المنتج، ولم يقل تجارهم بأنهم ملزمون بأي عقد.
الحجة الثالثة: إن رجال الأعمال وخاصة السعوديين لديهم وكالات تصنيع لمنتجات استهلاكية متنوعة. ونقول إن هذا الكلام صحيح، ولكن صاحب العلامة التجارية يريد أن يغطي احتياجات أكبر شريحة استهلاكية، لأن ذلك، وببساطة، يعني له المزيد من الربح. ولمعلوماتكم أن الكثير من المنتجات تأتي شبه جاهزة، ولا يقوم المصنع الخليجي إلا بعمليات بسيطة، ومن ثم وضعها في قوالب خاصة، وبعد ذلك يقوم بتغليفها حسب رغبة صاحب العلامة. وفي هذه الجزئية كان على الغرفة مخاطبة المصنعين الدوليين أصحاب العلامات التجارية والقيام بشرح ظروف الحصار الجائر على قطر، واقتراح التعامل المباشر بينهم وبين تجار ومصانع قطر. (لنا وقفة في مقال قادم لمناقشة دور غرفة قطر السلبي في الحصار الجائر على قطر).
إن الكثير من المصانع القطرية القائمة تستطيع وبسهولة كبيرة أخذ تلك المواد والقيام بكل ما تحتاجه عملية التصنيع. ولا ننسى أنحجم السوق القطري وصل إلى أكثر من 3.5 مليون نسمة وهو حجم ليس بالصغير. علماً بأن الفرد القطري هو الأكثر إنفاقاً على السلع الاستهلاكية من أي فرد في دول الحصار.
الحجة الرابعة: إن رجال الأعمال القطريين لديهم وكالات حصرية من رجال أعمال دول الحصار، وعندهم خوف من خسرانهم لهذه الوكالات بذهابها للغير بعد رفع الحصار. ونقول لهم إن كل شيء فيما يتعلق بالوكالات موثق عند وزارة الاقتصاد والتجارة وعند غرفة تجارة وصناعة قطر، وعليه فلا خوف من تحول الوكالات لغير الوكيل الحالي، وذلك إذا اتبعت القواعد والأعراف التجارية الحقة.
الحجة الخامسة: إن الجهات الرسمية تعرف ولا تعارض دخول منتجات دول الحصار. ونقول إن الجهات الرسمية وقفت ضد بضائع دول الحصار، وها هي وزارة الاقتصاد والتجارة، على سبيل المثال، قد أنشأت رقماً خاصاً للإبلاغ عن أي بضاعة من بضائع دول الحصار يراها المستهلكون في السوق القطري. إن مشكلة الجهات الرسمية أنها تتعامل بالأوراق الثبوتية الرسمية التي تبين أن منشأ تلك البضائع المشبوهة هي من دول شقيقة أو صديقة، ولهذا فمثل هذه البضائع تتسرب غصباً عليها للسوق القطري.
وفي الختام نقول إن رجال أعمال دول الحصار وجدوا أن دولهم، التي نفذوا تعليماتها بحصار قطر، لن تقوم بتعويضهم عن الخسائر الأكيدة التي منوا بها، وعليه اضطروا للعودة إلى السوق القطري من خلال طرف ثالث. إن علينا كمجتمع محاربة محاولات عودتهم للسوق القطري ولنجعلهم أداة ضغط على دولهم. ونقول لرجال الأعمال القطريين دعونا من الحجج الواهية، ولنفعِّل أذرع بنك قطر للتنمية، ولنعمل على تغيير دور غرفة قطر لتتعايش مع الواقع، ولندعوا أصحاب العلامات التجارية للدخول إلى السوق القطري بشكل مباشر وليس عن طريق دولة عدوة لقطر وأهل قطر.
والله من وراء القصد ،،

Comments

Popular posts from this blog

مجلس الشّورى والتّقاعد

الحصار وتخبط غرفة قطر

الأرض والقرض للجميع