على "أنفهم" تدور الدوائر

 

على "أنفهم" تدور الدوائر

في إحدى جولات سمو أمير دولة الكويت، حفظه الله، لتقريب وجهة نظر دولة قطر مع دول الحصار استرعى إنتباهي صورة لولي عهد إمارة نفطية يتحدث لسموه وهو يشير بإصبع يده "اليسرى" (وهذا عيب عند العرب) على أنفه. والإشارة على الأنف تعني عندنا في منطقة الخليج، ما عدا هذه الإمارة، أمرا كبيرا. فالأنف (أو الخشم) في الثقافة الخليجية هو رمز لعزة النفس والكبرياء والشموخ. كما أن الأنف يرتبط من الناحية اللغوية بعدد كبير من الصفات التي تجسد الخصال التي يعتز بها الرجل العربي. لذا فإن (حب الخشوم) من الرجل للرجل هو تكريم له ودلالة على الاحترام الذي نكنه لبعضنا البعض. وعندما يشير الرجل الخليجي إلى أنفه فهذا يعني أن الأمر "تم" وإنه سيبذل جهده لتنفيذه. لكن سمو أمير الكويت لم يفهم مقصد ولي عهد الإمارة النفطية عندما أشار إلى أنفه. وحتى نفهم مدلول هذه الإشارة فإنه يتحتم علينا العودة للماضي القريب. فلقد دأب الرجال القطريون على الذهاب للبحر بحثاً عن اللؤلؤ الطبيعي لمدة أربعة أشهر في السنة، ويتركون خلفهم الأطفال والنساء وكبار السن. وينتهز قُطَّاع الطرق، ممن ينتسب للإمارة النفطية، هذه الفترة في غزو القرى القطرية، التي تترك بدون حراسة، لسلب المواشي من إبل وأغنام، ومن ثم يرجعون إلى مناطقهم قبل رجوع أهل قطر من البحر. وعندما يرجع رجال قطر إلى قراهم يتفاجأون بما حدث أثناء فترة غيابهم في البحر. ومع التعب الذي يعانونه من رحلة الغوص، إلا إنهم يذهبون مباشرة خلف الغزاة لإسترداد حلالهم المسلوب، ومن ثم تأديب الغزاة على ما قاموا به من أعمال من خلف ظهورهم طعناً وغدراً. والملاحظ أن القطريين، وهم في طريقهم إلى مواقع الغزاة، لا يعتدون على من لم يشارك في غزو بلادهم وقراهم لأن همهم هو قهر عدوهم الغادر واسترداد ما سلب منهم. وفي أغلب الأحيان يدخلون مع الغزاة في معارك طاحنة تنتهي دائماً بانتصارهم وأسر من قام بالغزو. والقطري لا يقتل عدوه عندما يقع أسيراً عنده، بل يحدث له عاهة مستديمة تتمثل في جدع (أي قطع) الأنف فقط. وتتكرر عملية الغزو أثناء فترة الغوص، وتتكرر عملية جدع أنوف الغزاة بعد رجوع الرجال من الغوص. وهنا تأتي المفارقة بين معنى وضع الأصبع على الأنف بين دول الخليج وهذه الإمارة النفطية. فسمو أمير الكويت عندما طلب من ولي عهد الإمارة النفطية التعجيل بحل مشكلة الحصار الغاشم على دولة قطر أشار بإصبعه على أنفه. واعتقد سموه أن الإشارة تعني "تم وأبشر طال عمرك في كل اللي تأمره" في حين أن تلك الإشارة كانت تعني عند أفراد تلك الإمارة النفطية، كحركة توارثوها من أجدادهم، "انظر ما فعل القطريين بأنفي" أي إن "القطريين قطعوا أنفي (خشمي)". ولهذا، ولإختلاف المعنى، فإن أزمة حصار قطر لا تزال مستمرة. ومع طول الأمد وبذل المزيد من الجهد لحل مشكلة الحصار ودياً، إلا أن قطر وصلت إلى طريق مسدود لحل الخلاف الذي انطلق من فبركة إعلامية. وفي المؤتمر الصحفي الذي عقده وزير خارجية قطر مع نظيره الروسي، بتاريخ 30 /8 /2017، قال الوزير القطري إن "مشكلة دول الحصار أصبحت الآن مع الشعب القطري". لم يكن سمو الأمير أو سعادة وزير الخارجية يريدون الوصول إلى هذه المرحلة لما يعرفونه عن الشعب القطري من انفة وعزة. إن الشعب القطري، بشهادة الجميع، هو شعب طيب وسموح ويحب الخير للعالم أجمع، ويبذل الغالي والنفيس لمساعدة من هم في حاجة للمساعدة، ولكن الشعب القطري في الجانب الآخر عنيد وجبار. ولم يكن الشعب القطري، في يوم من الأيام، من قطاع الطرق، ولا يمتهن نهب القوافل المدنية التي تمر على أراضيه أو بالجنب منها، ولكنه يرد رداً قاسياً، بدون خوف، على كل من تسول له نفسه بالمساس بأمنه أو بممتلكاته، حتى ولو كانت تلك الجهة إمبراطورية مرهوبة الجانب. ولنا بالإمبراطورية العثمانية أبلغ مثال. فلما دبت الخلافات بين القائد العثماني وقطر، أرسل مؤسس قطر أخيه ومعه 15 رجلا من أعيان قطر للتفاوض. فكان موقف القائد العثماني أن حجز المفاوضين رهائن عنده، فدخلت قبائل قطر في معارك كثيرة ضد القوات العثمانية منها الشقب ومشيرب والوجبة، ودحروا العثمانيين، وحرروا الرهائن منهم.
وفي الختام نقول لسمو أمير الكويت لا تثق بأي شخص من تلك الإمارة النفطية عندما يشير إلى أنفه، فسموكم يعتقد انها مثل قولة "تم" عندكم وعندنا، ولكنها عندهم شكوى من الألم والفشيلة وانتقاص الرجولة. ونقول لسعادة وزير الخارجية القطري اطمئن بالاً، فقد وضعت الأمانة عند من يرعى الأمانة، والشعب القطري يقف بكل جبروت خلف قيادته كما فعل آباؤنا من قبل، ونحن، إن شاء الله، جاهزين، مع عدم رغبتنا، لجدع أنوف من يعتدي على حقوقنا. وعلى الباغي تدور الدوائر.
والله من وراء القصد ،،

Comments

Popular posts from this blog

مجلس الشّورى والتّقاعد

الحصار وتخبط غرفة قطر

الأرض والقرض للجميع