البريد والابتزاز الخطير

 

البريد والابتزاز الخطير

درست في بريطانيا عدة سنوات، وكان البريد، رسائل وطرودا، يصل إلى باب المنزل دون أية رسوم. وكنا نستفيد من خدمات البريد البريطاني، فهم يقدمون بجانب توصيل البريد، خدمات لا حصر لها. فهم يقدمون خدمات لرجال الأعمال بكل أشكالها، ويقومون بتحويل العملات، وببيع الطوابع والعملات الذهبية وبطاقات المناسبات، ويقدمون خدمات دفع الفواتير، ويفتحون حسابات التوفير، وإصدار بطاقات الاعتماد، وغيرها من الخدمات الكثير. (لمعرفة خدمات البريد البريطاني انظر www.postoffice.co.uk).
طيلة فترة الدراسة لم يطلب مني البريد البريطاني أية رسوم. جلست في مصر عدة شهور وكان بريدي يصل لباب العمارة ولم يطلب ساعي البريد أية رسوم. ونفس الشيء شاهدته عندما كنت في الهند.
ولقد استبشرنا خيراً عندما صدر المرسوم بقانون رقم (16) لسنة 2009 بتحويل المؤسسة العامة للبريد إلى شركة مساهمة قطرية. وقلنا اننا سوف نجد شركة تقوم بتطوير العمل البريدي وإدارته بشكل احترافي، وستعمل على تقديم كافة الخدمات المرتبطة بنشاط البريد. وتوقعنا أن تصل الرسائل إلى باب المنزل أو باب الشركة بدون أية رسوم، كما هو معمول به في كثير من الدول المتقدمة والنامية. ولكن بعد مدة يسيرة، عرفنا أن هدف التحوّل هو توفير الأموال و"شفط" المزيد منها من جيوب المستهلكين. فكان أول قرار اتخذته إدارة الشركة هو تفنيش عدد من المواطنين القطريين واستبدالهم بوافدين. أما ثاني قرار فقد كان رفع رسوم صناديق البريد على الأفراد والشركات. وبعد ذلك قامت شركة البريد بدور التحري البوليسي وطلبت من وزارة الاقتصاد والتجارة تزويدها بصناديق البريد للشركات والمؤسسات المقيدة بالسجل التجاري وقامت بمقارنتها بأرقام الصناديق لديها. وبعد أن اكتملت أركان التحريات قامت برفع رسوم الصناديق البريدية على الشركات لمبالغ كبيرة جداً. مع العلم أنه لا في الرفع الأول، ولا في الرفع الثاني، قدموا خدمات جديدة يستحقون عليها تلك المبالغ الكبيرة التي فرضوها. وفي الأخير خرج علينا رئيس قسم العلاقات العامة بالشركة قائلاً "سوء الاستخدام سبب رفع رسوم صناديق بريد الشركات". وعندما تسأل ما هو سوء الاستخدام يجيبك بقوله "عملاء يستخدمون صناديق بريدهم الشخصية لخدمة شركاتهم (هل هذا سوء استخدام؟)"، لذلك "ومن مصلحة العملاء (لا أعرف أي عملاء يقصد؟) فإنه تم منع إدراج شركتين تحت صندوق بريدي واحد" والسبب في ذلك ليس سوء الاستخدام، كما ذكره رئيس العلاقات، ولكن لأن لعابهم يسيل للحصول على 1500 ريال رسوما عن كل شركة في السنة (انظر الشرق 18 /4 /2017). وتقول الشركة إن استراتيجتها، التي تواكب رؤية قطر الوطنية 2030، تقوم على ثلاثة أهداف هي تطوير الخدمات البريدية وخدمة العملاء (لم نشاهد أي تطوير سوى تفنيش القطريين ورفع الرسوم)، وبناء أفضل العمليات البريدية وفق معايير عالمية (للأسف لا يعرفون حتى الآن ما هي تلك المعايير)، وتعزيز وتطوير القدرات الداخلية لبريد قطر (لولا الامتياز والاحتكار لتركهم غالبية المشتركين).
وفي الختام نقول الله يعين أصحاب الشركات، فجهات حكومية عديدة تقوم برفع رسومها، وزيادة مخالفتها للشركات، والإيجارات تزيد حتى وصلت إلى أرقام خرافية، وفي الأخير يطلبون منهم تخفيض الأسعار. والعجيب أن كل ذلك يندرج تحت ما يسمى رؤية قطر الوطنية 2030. فنصيحتي لأصحاب الشركات القيام بإغلاق نشاطهم والتوجه لخارج البلاد، فالجو العام غير مشجع على الاستثمار داخل قطر. ونقول للجهات الأمنية: انتبهوا، فشركة البريد تتعاون مع وزارة الداخلية في خدمات "مطراش 2" مما يوفر للعديد من خبرائهم الأجانب كما هائلا من المعلومات "السرية والخاصة" عن كل مواطن ومقيم في دولة قطر.. والله من وراء القصد.

Comments

Popular posts from this blog

مجلس الشّورى والتّقاعد

الحصار وتخبط غرفة قطر

الأرض والقرض للجميع