الحكومة وأسعار الخدمات

 

الحكومة وأسعار الخدمات

زارني أحد المسؤولين وقال لي مبرراً رفع وزارة الطاقة والصناعة أسعار المنتجات البترولية بأنه نتيجة للضغط الذي يمارس من قبل المؤسسات المالية العالمية على قطر (قصده البنك الدولي وصندوق النقد الدولي). قلت له: "عين خير"، فالفرق بيننا وبينهم كبير جداً. فالمادة (29) من الدستور القطري تنص على أن "الثروات الطبيعية ومواردها ملك للدولة". والدولة كتعريف هي عبارة عن "مجموعة من الأفراد، يمارسون نشاطهم على إقليم جغرافي محدد، ويخضعون لنظام سياسي معين متفق عليه فيما بينهم يتولى شؤونهم، وتشرف الدولة على جميع الأنشطة التي تهدف إلى تقدمها وازدهارها بهدف تحسين مستوى حياة الأفراد فيها". وهذا يعني أن الدولة التي تكلم عنها الدستور هي الشعب. ولذلك ذكر الدستور في المادة (59) بأن "الشعب مصدر السلطات". ولأنه من المهم أن يكون هناك قائد يوجه مقدرات البلد والشعب، وليقود الأنشطة السياسية والاقتصادية والاجتماعية الوجهة الصحيحة، فقد نصت المادة (64) من الدستور بأن "الأمير هو رئيس الدولة". وهذا يعني أن سمو الأمير هو رئيس الشعب. وبدوره قام سمو الأمير بتشكيل الجهاز التنفيذي (الحكومة). وهذا يعني أن الحكومة ليست إلا جزءاً من الدولة، وهي بمثابة عقل الدولة، وليست مالكة لها. مما سبق نستخلص أن ما يقدم من الحكومة للمواطنين هو بمثابة خدمات، وليست سلعاً، هدفها تحسين مستوى حياتهم. هذه الحقائق هي حقائق غائبة عن المؤسسات المالية العالمية، ذات الخلفية الرأسمالية، التي تعتقد أن مهمة أي حكومة هي جباية الأموال للصرف على وظائفها، ولم يدر بخلدهم أن الأموال التي تصرفها الحكومة هي في الأساس أموال الشعب، وهي مؤتمنة عليها. إن الدعم الذي تقدمه الدولة، وضمان توظيفها للقطريين بالقطاع الحكومي، والصرف على الخدمات المختلفة (مثل حفظ الأمن، والتعليم، والصحة، والمياه والكهرباء، والطرق والشوارع، .. الخ)، ما هو إلا أسلوب لتوزيع الثروة النفطية على المواطنين. ولذلك فإنه ليس من حق تلك المؤسسات العالمية، ويجب ألا يسمح لها، بممارسة أي نوع من الضغوط على الدولة، كالتحريض على "تفنيش" غالبية المواطنين من القطاع الحكومي، وقطع الدعم الحكومي عن المواد الغذائية، والمنتجات النفطية، وزيادة رسوم مختلف الخدمات. لقد أعجبت بموقف مجموعة من المحامين الكويتيين، الذين فهموا ما لم تفهمه تلك المؤسسات، وقاموا برفع دعوى قضائية ضد وزير النفط الكويتي لإلغاء قرار رفع أسعار المنتجات البترولية، على أساس أن النفط ثروة طبيعية وهي بالتالي ملك للشعب الكويتي، والمنتجات البترولية هي من مشتقات هذا النفط، وبالتالي المبالغ التي تدفع من المواطنين نظير تعبئة الوقود تعتبر رسوم خدمة وليست ثمناً لسلعة. ولكن مشكلتنا هي منا وفينا. فنجد الحكومة تستجيب لطلبات تلك المؤسسات، ولأول مرة بدأنا نسمع كلمة فائض في العمالة المواطنة، أو الباحثين عن عمل (المواطنون يشكلون حوالي 5 % من مجموع العمالة في قطر)، أو زيادة الرسوم على الخدمات الحكومية المتنوعة. والعجيب أن حكومة قطر طبقت توصيات تلك المؤسسات ولكنها (الحكومة) أغفلت، بشكل متعمد، توصياتهم التي تنص على إيقاف الدعم بشكل كامل، مع إعطاء أموال الدعم التي تستخدم لإبقاء الأسعار منخفضة إلى المواطنين مباشرة على هيئة مدفوعات سنوية من إيرادات النفط.
وفي الختام وجدت أن المسؤول الذي أتى مبتسماً يقوم غاضباً عندما قلت له إننا غير ملزمين بدعم حوالي 90 % من مجموع السكان، بل ونشجع الحكومة بقطع كل أشكال الدعم، ولكنها (أي الحكومة) "يجب" أن تقوم بصرف بدل غلاء معيشة لمواطنيها، بغض النظر عن عمرهم أو جنسهم.
والله من وراء القصد ،،

Comments

Popular posts from this blog

مجلس الشّورى والتّقاعد

الحصار وتخبط غرفة قطر

الأرض والقرض للجميع