رعب الكرسي القاتل

 

رعب الكرسي القاتل

تداول المغردون في "تويتر" كاريكاتير لسلمان الملك عن وصول مسؤول جديد يقوم بركل الكفاءات ورميها داخل صندوق ليفسح المجال لتعيين عدد من الأهل والأصدقاء. وكاريكاتير ثاني لعبدالعزيز صادق عن كرسي مدير له جذور راسخة في الأرض. وكاريكاتير ثالث، لسعد المهندي، أكد فيه أن سبب تشويه سمعة الموظف القطري المتفاني في عمله هو الصراع على الكرسي. وعند مشاهدتي رسومات المبدعين القطريين تذكرت قوله تعالى "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَخُونُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُواْ أَمَانَاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ" الأنفال: 27. وقوله تعالى "إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ" الحج: 38. فما هي الخيانة؟ الخيانة في لسان العرب، لابن منظور، هي أن يؤتمن الإنسان فلا ينصح. أما القرطبي فعرف الخيانة بأنها الغدر وإخفاء الشيء. ومن أشكال الخيانة الأخرى خيانة الوطن، وهو التخلي عن واجب المواطنة والإخلاص للوطن، وخيانة العهد والأمانة. ولأن الخيانة داء عضال، فقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم يتعوذ بالله منها بقوله: "وأعوذ بك من الخيانة فإنها بئس البطانة".
وحديثنا اليوم هو عن الصراع بين المسؤولين في القطاع الحكومي وموظفيهم، وكيف يبذل المتصارع كل ما لديه من مكيدة، وعنف، وقوة، ومقدرة، للحفاظ على الكرسي. هذا الصراع الذي جعل جل اهتمامات الموظف منصباً على الكرسي، والبعض منهم تناسى أنه أقسم بالله العظيم أمام سمو الأمير المفدى، وعلى الهواء مباشرة، بأن يعمل "أجيراً" لدى الحكومة للقيام بمهام لصالح البلاد والعباد. والمشكلة أن المسؤول، سواء وزير أو مدير إدارة أو حتى رئيس قسم، أول ما يستلم منصبه فإن مهمته الأساسية، كما فرض عليه الكرسي، ليس رفع وتيرة العمل ودفعه للأمام، بل: 1. التخلص من طاقم المسؤول الذي سبقه، وكأن بينه وبينهم ثارات قديمة، وأنهم هم سبب التخلف. 2. الحرص على أن لا يعين من سيشكل تهديداً عليه وعلى كرسيه وبالأخص ممن يحمل الشهادات والكفاءات والخبرات. 3. الحرص على أن يكون معيار التعيين في أي وظيفة هو القرابة، أو الصداقة، أو غيرها، بهدف الحصول على الولاء التام. وبسبب هذه الحرب فقد تم إبعاد كل أصحاب الكفاءات والخبرات. ولهذا فإنه ليس بغريب قيام من ليس له مؤهل ولا خبرة بتقييم أصحاب المؤهلات العليا والخبرات الطويلة. وكل هذا الصراع على الكرسي يأتي على حساب الوطن والمواطن. والمشكلة أن المتصارعين يؤكدون على أنهم في خدمة الوطن والمواطن، وغاب عنهم أن خدمة الوطن والمواطن مطلوبة من كل مواطن شريف، بكرسي أو بدون كرسي، يسعى جاهداً لتقديم الأفضل لضمان مسار خطط النمو والتنمية.
وفي الختام نقول إنه من العيب أن تعيش قطر، بعد كل هذه السنوات من التعليم، ومن الخبرات المتراكمة لأبنائها، مرحلة مكانك سر، وبدون احراز أي تقدم حقيقي، لأن كل مسؤول، بسبب الكرسي، يقوم بمسح كامل لعمل من سبقه، ويبدأ من جديد. إن التنافس بين الموظفين مطلوب، ولكن بتقديم الأفضل لتقدم بلادنا، وتقديم أجود الخدمات للمواطنين والمقيمين. إنني أتمنى أن يتم، على عدة مراحل، "تفنيش" جميع المسؤولين، بكل درجاتهم، وإعادة الإعلان عن تلك الوظائف ليتقدم لها الجميع ممن يجد في نفسه الكفاءة العلمية والعملية والأخلاق الكريمة والانتماء للوطن، ويجرى اختبار محايد، أحدهما كتابي والآخر عملي، ومن ينجح في الاختبار، فله الحق في الحصول على الكرسي والجلوس عليه.. وإذا حدث ذلك فإني أعتقد أن الكثير من "العقل والغتر" ستطير من على رؤوس أصحابها.
والله من وراء القصد.

Comments

Popular posts from this blog

مجلس الشّورى والتّقاعد

الحصار وتخبط غرفة قطر

الأرض والقرض للجميع