الأمير ومحاسبة المقصرين

 

الأمير ومحاسبة المقصرين

تعرضنا، في مقال الأسبوع الماضي، لفقرة من خطاب سمو الأمير المفدى، في افتتاح دور الانعقاد 45 لمجلس الشورى، وهي قول سموه بأنه "لقد أنجزنا الكثير ويمكننا أن ننجز أكثر، ولكن علينا أن ننطلق من الواقع القائم وليس من التمنيات". وتم إيضاح كيف يتم حجب حقيقة الواقع القائم من وصولها لأمير البلاد المفدى، أو لرئيس مجلس وزرائها. واليوم سنناقش قول سموه "وحقنا عليه (أي المواطن) هو أداء عمله على أحسن وجه، وإنجاز مهامه بالوقت المحدد والدقة المطلوبة والنزاهة التامة". وحتى نعرف إمكانية قيام الموظف بذلك، فإنه لزاماً علينا الرجوع إلى خطب سمو الأمير منذ توليه الحكم في تاريخ 25 /6/ 2013. ففي أول خطاب تاريخي قال سموه: "سوف نكون أكثر صرامة ووضوحاً بشأن النتائج والمخرجات.. إذا وظفنا استثمارات كبرى ولم نحصل على نتائج ملائمة فلا يجوز المرور على ذلك مرور الكرام.. وإذا رفعت تقارير غير صحيحة وغير ذلك من الأمور التي لا يجوز التستر عليها (فإنها) تحتاج إلى معالجة فورية". وأضاف سموه "لا يجوز أن يعتبر أحد أنه له حق أن يتعين في منصب أو وظيفة عمومية دون أن يقوم بواجباته تجاه المجتمع والدولة". وفي خطاب آخر بتاريخ 5 /11 /2013 قال سموه: "لا يمكن أن تُنفَّذ سياسة تنمية بشرية إذا كنا لا نحاسب على التقصير، أو سوء الإدارة، أو الفساد.. ولا يجوز بأي حال من الأحوال الاستخفاف بمعايير العمل، أو مكافأة من يستخف بها بدلا عن محاسبته". وفي تاريخ 11 /11/ 2014، قال سموه: "إن الخطط توضع لتُطبَّق. ويجب أن تعتاد مؤسساتنا بدورها على احترام الخطة الموضوعة والمحاسبة بناء عليها وعلى أهدافها". أما في تاريخ 3 /11 /2015، قال سموه: "لن نتسامح مع الفساد المالي والإداري، أو استغلال المنصب العام لأغراض خاصة، أو التخلي عن المعايير المهنية لمصلحة شخصية". وبعد كل الكلام عن المحاسبة، ومع الميزانيات الضخمة الممنوحة بسخاء لكل الجهات، يصدمنا الواقع المرير في أحوال التعليم والصحة والرياضة وإنجاز المشاريع. ومع أن التقصير واضح من بعض الجهات إلا أننا لم نسمع عن أي جهة تمت محاسبتها، بل، وللأسف، نرى امتيازات المقصر في إزدياد.
إنني على يقين تام بحرص سمو الأمير المفدى في تحقيق كل ما يتطلع له الوطن والمواطن، وحرص سموه على أداء الأعمال على أفضل وجه. وعلى يقين، أيضاً، بالعمل الصادق والمخلص الذي يبذله ويتابعه رئيس مجلس الوزراء. ولكن غياب محاسبة المسؤول المقصر (رئيس قسم أو مدير إدارة أو وزير) هو الذي يقتل العمل. والقاتل الثاني لإنجاز الأعمال هو تركز المسؤولية بيد مسؤول واحد فقط. فلو سافر هذا المسؤول في مهمة فجميع الأعمال تبعاً لذلك ستتوقف. وبناءً على ذلك فإنني أرى أن الموظف لا يستطيع "أداء عمله على أحسن وجه، وإنجاز مهامه بالوقت المحدد والدقة المطلوبة" وذلك لغياب الأسس التي يقوم عليها العمل المؤسسي. فالموظف الذي يأمن العقوبة تتولد لديه النزعة لسوء الأدب في كل مناحي الحياة.
وفي الختام أقول إن قطر، وللأسف، ليس لديها رؤية في محاسبة المقصرين. فحتى ننعم جميعاً "بقطر افضل" فإنه علينا أن نركز اولاً على أن نحاسب كل من أخطأ، وأن تكون المحاسبة بقدر الخطأ نفسه. وأؤكد أن المواطن ليست عنده مشكلة في العمل على أحسن وجه، وبالوقت المحدد، فقط حين يشعر أنه ثمة محاسبة للمقصر، وتقدير للمجتهد. فعلاً "قطر تستحق الأفضل من مسؤوليها".
والله من وراء القصد،،

Comments

Popular posts from this blog

مجلس الشّورى والتّقاعد

الحصار وتخبط غرفة قطر

الأرض والقرض للجميع