الواقع وليس التمنيات

 

الواقع وليس التمنيات

كنت من المتابعين، في الأسبوع الماضي، لخطاب سمو الأمير المفدى في افتتاح دورة مجلس الشورى. والخطاب في مجمله يحتاج منا إلى وقفات تحليلية مطولة. ومقال اليوم سنركز على قول سموه بأنه "لقد أنجزنا الكثير ويمكننا أن ننجز أكثر، ولكن علينا أن ننطلق من الواقع القائم وليس من التمنيات". وأتفق كلياً مع سموه في هذا الأمر. ولكن السؤال: من سيزودنا بالواقع القائم؟ لقد درجت بعض الجهات في إعداد تقاريرها الدورية أو السنوية، بشكل، كما يصفه البعض، "ما يخرش منها الماي". ومن هذه التقارير لن يستطيع حتى "الجن الأزرق" أن يحدد المعوقات التي أدت إلى عدم تنفيذ بعض البرامج والمشاريع في استراتيجية التنمية الوطنية الأولى. بل ولن يستطيع المطلع على تلك التقارير تحديد البرامج التي حدث فيها التقصير. فلو أخذنا، على سبيل المثال، التقارير المتعلقة بالتعليم، فإن المطلع عليها سيجد أنها ستركز وتضخم بأن قطر، في مؤشر التنافسية الدولية في مجال التعليم 2015/2016، قد احتلت المرتبة الأولى عربياً والرابعة عالمياً. ولكنه لن يجد، في تلك التقارير، أي شيء متعلق بتدهور العلاقات الاجتماعية للطفل. فاليوم الدراسي المنهك قد حرم الطفل القطري من التمتع بطفولته، وحرمه من تكوين تفاعل اجتماعي إيجابي مع أسرته، وبقية أطفال الحي السكني "الفريج" (يا ليتهم يأخذون التجارب الناجحة لفنلندا أو اليابان). وسيجد المطلع على تلك التقارير تمجيداً للمنهج التعليمي (الذي أعد من قبل جالسي المكاتب المغلقة وليس من الواقع المرجو)، في حين أنها لن تذكر أن المنهج قد اعتمد على الحفظ والتلقين، وأنه يعتبر قاتلاً لمهارات التفكير والإبداع. أما تقارير الرعاية الصحية فأعتقد أنها ستركز على حصول مستشفيات قطر على الاعتماد الدولي، وأن لديها أول منظومة مستشفيات في الشرق الأوسط تحصل على الاعتماد المؤسسي من المجلس الأمريكي للتعليم الطبي العالي في طريقة تدريب خريجي كليات الطب من خلال برامج تدريب أطباء الامتياز (اللي يتعلمون فينا). ولكن تلك التقارير لن تذكر ما يعانيه المواطنون من الانتظار الطويل "بالأشهر" للحصول على موعد لمقابلة الطبيب، ولن تذكر العمليات الجراحية التي تؤجل لنقص الأسرة بالمستشفى. أما على صعيد الاحصائيات، فأعتقد أن تقاريرهم ستركز على عدد الدراسات التي أجريت، وعلى الاحصائيات الجزئية التي نفذت. ولكنها لن تذكر صعوبة الوصول إلى الأرقام الصحيحة. فهم، على سبيل المثال لا الحصر، يصرون، حتى يومنا هذا، على أن إجمالي السكان الموجودين في قطر هو 6ر2 مليون نسمة، في حين أن سمو الأمير المفدى، ومعالي رئيس مجلس الوزراء، حفظهما الله، يعلمان علم اليقين أن عدد سكان قطر يقترب سريعاً من 5ر3 مليون نسمة.
وفي الختام أقول إن كلمة سمو الأمير هي هدف بحد ذاتها، ويجب تنفيذها والإعلان عن الواقع الحقيقي، سواء كان هذا الواقع مبهراً أو قاتماً. إنني لا أشك مطلقاً بعمل الأجهزة الحكومية، ولا بمصداقية القائمين عليها، وأعرف أنهم يعملون ويسعون لتقديم أفضل الخدمات. ولكن حجب بعض المعلومات، سواء من الموظفين للوزير، أو من الوزير إلى الأعلى، قد يؤدي إلى تخبط في تنفيذ الخطط الموضوعة. فالبناء، كما هو معروف، لا يقوم ولا يرتفع إلا بوجود أساس قوي يدعمه. أتمنى أن يتم الطلب من كل مسؤول أن يبين، على أرض الواقع، كل معلومة وردت في تقارير جهته. وأسأل رب العالمين أن يلهم المسؤولين بالاقتداء بالعمل الجاد والمخلص لكل من سمو الأمير المفدى ومعالي رئيس مجلس الوزراء.
والله من وراء القصد،،

Comments

Popular posts from this blog

مجلس الشّورى والتّقاعد

الحصار وتخبط غرفة قطر

الأرض والقرض للجميع