من الماضي لبناء المستقبل

 

من الماضي لبناء المستقبل

تحاورت مع بعض المغردين في تويتر عن أهمية وعي الناس بتاريخهم الإسلامي لإصلاح أوضاعهم الحاضرة. واليوم سنتكلم عن إصلاحات عمر بن عبدالعزيز، ثامن الحلفاء الأمويين، أو كما يسميه الكثيرون، خامس الخلفاء الراشدين. ومع قصر فترة ولاية عمر (5ر2 سنة) إلا أنها تميزت بالعدل والمساواة، ورد المظالم التي كان أسلافه من بني أمية قد ارتكبوها. ومع أنه حكم منطقة تمتد من الصين شرقاً إلى فرنسا غرباً، ومن سيبيريا شمالاً إلى المحيط الهندي جنوباً، إلا أن عمر، عندما مات، لم تبلغ تركته سوى سبعة عشر ديناراً، كفن منها بخمسة دنانير، وثمن موضع قبره ديناران، وقسم الباقي على بنيه الأحد عشر. وتذكر كتب التاريخ أن عمر أوصل بيت مال المسلمين من عجز مالي خطير إلى درجة لم يجدوا من يدفعون له من مال الزكاة. فماذا فعل هذا الرجل الصالح ليحقق ذلك؟
كان عمر يرى أن المسؤولية والسلطة هي القيام بحقوق الناس والخضوع لشروط بيعتهم، وتحقيق مصلحتهم المشروعة، فالخليفة أجير عند الأمة، وعليه أن ينفذ مطالبها العادلة. واشترط على كل من يجالسه أن يرفع إليه حاجات الناس، وأن يعينه على الخير، وعدم غيبة أحد أمامه. وقام بتأسيس مجلس للشورى يتكون من عشرة من كبار فقهاء وعلماء عصره، وقال لهم "إني دعوتكم لأمر تؤجرون عليه (يعني دون أي رواتب أو امتيازات)، وتكونون فيه أعواناً على الحق، إني لا أريد أن أقطع أمراً إلا برأيكم أو برأي من حضر منكم، فإن رأيتم أحداً يتعدى، أو بلغكم عن عاملٍ لي ظلامة، فأحرّج الله على من بلغه ذلك إلا أبلغني". وجعلهم مفتشين على العمال (العمال تلك الأيام هم الوزراء وكبار المسؤولين)، ورقباء على تصرفاتهم. وكان عمر يؤمن بأن الشخصية المقهورة أو المهانة لا تصلح في مشروعات التنمية والإصلاح، أو أن تكون صالحة الانتماء. فلهذا ركز على تقليص التفاوت الاجتماعي بين أفراد الأمة، ورفع شأن جميع الأفراد، فقام: 1. برد الحقوق المغتصبة لأصحابها. 2. بمنع الأمراء والكبراء من الاستئثارِ بثروة الأمة بل وقام بمصادرة الأملاك المغصوبة ظلماً وإعادتها إلى أصحابها أو إلى بيت مال المسلمين. 3. بمنع الولاة والعمال من ممارسة التجارة. 4. بعدم تعيين أي قاض إلا إذا توافرت فيه خصال العلم والحلم والعفة والاستشارة والقوة في الحق. 5. بزِيادة الإنفاقِ على الفئات الفقيرة والمحرومة وتأمينِ مستوى الكفاية لها. 6. بصرف رواتب للأطفال الذين لم يبلغوا الخامسة عشرة من العمر وأصحاب العاهات المستديمة وكبار السن وغيرهم من أصحاب الحاجات. 7. منع احتجاب الولاة والأمراء عن الناس. 8. أَمر بِقضاء دينِ الغارمين وكفل الأيتام وزوج من لم يستطع تزويج نفسه، فكان لعمر مناد ينادي كل يوم "أين الغارمون؟ أين الناكحون؟ أين المساكين؟ أين اليتامى؟" 9. وضع مشروعه التعليمي وسن القوانين للتربية والتعليم ونشرها .. وبهذا توافرت أجواء الأمن والطمأنينة، وترسخت قيم الحق والعدالة بين المسلمين وغير المسلمين.
أما سياسة عمر بن عبدالعزيز الاقتصادية فقد بنيت على: 1. بناء المرافق العامة (البنية التحتية) من شق الأَنهارٍ وبناء الترع وتعبيد الطرق والشوارع وإنشاء الجسور للعبور عليها دون رسوم، وبناء المساجد والحوانيت (دكاكين) للفقراء لكي يأكلوا منها. 2. فتح الحرية الاقتصادية المقيدة بضوابط الشريعة وكتب إلى العمال ألا يمنعوا الناس من العمل بالتجارة بأموالهم في البر والبحر ولا يحبسون، وسهل مهمة المستثمرين، وقدم القروض لهم لضمان استمرار هذه المشروعات، وخفف عليهم الرسوم والضرائب التي تؤخذ بغير وجه حق، لأن من يعمل مكرهاً لا يقدم إنتاجاً متقناً، مما شجع الناس على استثمار أموالهم بالتجارة. 3. شجع على الزراعة، ورفع عن المزارعين الضرائب والمظالم التي كانت تعوق إنتاجهم، واتبع سياسة الإصلاح والإعمار، وإحياء الأرض الموات. 4. سد منافذ الفساد الإداري مثل الخيانة والرشوة والهدايا للمسؤولين والأمراء.
وكانت السياسة المالية هي محور اهتمامه وبدأ عمر سياسته المالية: 1. بزيادة الإنفاق على عامة الشعب. 2. قطع الامتيازات الخاصة بالخليفة وبأمراء الأمويين. 3. حرص على تطوير موارد الزكاة لأنها حق فرضه الله للفقراء والمساكين ولا يجوز التهاون فيه. 4. قام بترشيد الإنفاق في مصالح الدولة، والبعد عن الإسراف والتبذير والشح والتقتير. 5. قام بالمحافظة على الوقت والجهد، وشجع على سرعة التصرف في الأمور لأن التأخير يعتبر هدراً للمال العام والجهد.
وفي الختام نقول إن هذا نموذج واحد من دروس التاريخ، ولو طبق هذا الدرس في حاضرنا لتغير الوضع للأفضل ولصلح حال الأمة. ولهذا يجب ألا نغفل التاريخ لبناء المستقبل.
والله من وراء القصد ،،

Comments

Popular posts from this blog

مجلس الشّورى والتّقاعد

الحصار وتخبط غرفة قطر

الأرض والقرض للجميع