خافوا الله يا مسئولين

 

خافوا الله يا مسئولين

في هدوء وبعيداً عن السخط واللغط قام سعادة وزير الثقافة والفنون والتراث السابق في 19/10/2015 بتوقيع القرار الوزاري رقم (270) لسنة 2015 بتحديد رسوم تراخيص أنشطة المطبوعات والنشر. وكان هذا القرار هو عبارة عن هديته للشعب القطري قبل مغادرته مقر عمله كوزير لهذه الوزارة. الصراحة انها "خوش" هدية لمجتمع رجال الأعمال وللشعب القطري. لقد بدأت فصول هذه الهدية عندما طلب مجلس الوزراء من الأجهزة الحكومية البحث عن موارد مالية من الممكن تحصيلها لمعالجة عجز الموازنة العامة (بفرض رسوم جديدة أو رفع قيمة الرسوم المطبقة)، فما كان من مستشاري وزارة الثقافة إلا البحث المعمق لتبييض وجه الوزير أمام مجلس الوزراء. وبعد المراجعات والتنقيب وجدوا أن هناك رسوماً تؤخذ على تراخيص أنشطة المطبوعات والنشر تبلغ قيمتها 200 ريال قطري وهي تدفع مرة واحدة فقط، فاتفقوا على رفع هذه الرسوم. فقدموا دراسات ركزوا فيها على تواجد عدد كبير من التراخيص التي يدعي أصحابها بانهم يزاولون مهنة الطباعة والنشر ولكنهم لا يقومون بتقديم أي أعمال على مدار العام، وعلى ذلك فإنه من المهم تنشيط مثل تلك الشركات في الساحة المحلية، ولا يتم ذلك إلا من خلال فرض رسوم سنوية على تجديد الترخيص تكون عالية لإحداث الحراك المطلوب. وأكدوا ان هذا المبلغ العالي سيجبر كل أصحاب التراخيص على العمل لتحقيق مكاسب تعادل ما تم تسديده من رسوم (يعني سرقة جهدهم!!!). وذكروا أن المبلغ المقترح للرسوم السنوية هو مبلغ تافه، ولا يثقل كاهل أي شركة تريد أن تعمل عملاً فعلياً. وأبرزوا أن الدولة ليست بحاجة لتحصيل تلك الأموال بل هو لإثبات جدية الراغبين في الاستثمار بهذا المجال. لكن هؤلاء المستشارين لم يذكروا لسعادة الوزير أي آثار سلبية لمثل هذا القرار. واقتنع الوزير بوجهة نظرهم فقام بأخذ المقترح إلى مجلس الوزراء، ودافع عنه. وفي النهاية اقتنع مجلس الوزراء بوجهة نظر الوزير فقام باعتماد "المشروع" في الاجتماع العادي رقم (18) لعام 2015. وعلى إثره صدر القرار الوزاري المذكور. ومع أن القرار مختص بأنشطة المطبوعات والنشر، إلا أن المستشارين أكدوا لمنفذي القرار أنه يشمل أنشطة الدعاية والإعلان والعلاقات العامة، والإنتاج الفني والمشتمل على إنتاج البرامج والمسلسلات الإذاعية والتلفزيونية والمسرحية، والمصنفات الفنية المشتملة على استيراد وتوزيع وبيع اشرطة الفيديو والأقراص الممغنطة والاسطوانات المدمجة واسطوانات الليزر، واستيراد وتوزيع وبيع برامج الكمبيوتر. حتى يكتسب رأيهم القوة المطلوبة، قاموا بإقناع الوزير بإصدار قرار ملحق للقرار الأول ليشمل هذه الأنشطة سالفة الذكر، وعليه فقد صدر القرار الوزاري رقم (321) لسنة 2015 ويختص بتحديد رسوم تراخيص وتجديد الأنشطة.
ونأتي الآن لذكر الرسوم المطلوبة. فقد قامت الوزارة الموقرة برفع رسوم أسعار التراخيص إلى أرقام خرافية دفعة واحدة. وحتى تكون الصورة واضحة نقول ان الشركات كانت تقوم فقط بتسديد رسوم 200 ريال قطري لتسجيل النشاط لدى وزارة الثقافة، وهذه الرسوم لا تدفع مرة أخرى بتاتاً. ولكن القرار أمر الشركات بدفع مبلغ 50 ألف ريال عند التسجيل لأول مرة. ولم يكتف القرار بذلك بل طلب منهم دفع مبلغ 000ر10 ريال سنوياً لتجديد تراخيصهم المنتهية خلال 60 يوماً، وإذا لم يقوموا خلال تلك الفترة بالتجديد سيتم إلغاء الترخيص، وسيضطر أصحاب تلك الشركات للتقدم بطلب جديد، والقيام بإجراءات إنشاء الشركة من بدايتها، وفي هذه الحالة سيقعون تحت طائلة القرار الذي قضى أيضاً بدفع مبلغ 50 ألف ريال عند إنشاء شركة جديدة. هل من المعقول أن تصعد الرسوم من 200 ريال إلى 50 ألف ريال عند الإنشاء و10 آلاف ريال سنوياً. ويجب ألا ننسى أن هناك رسوماً أخرى يجب تسديدها للسجل والترخيص التجاري الأمر الذي سيرفع اعباء الرسوم المالية على الشركات إلى ما يقارب 25 ألف ريال عن العام الواحد.
وفي الختام نقول خافوا الله يا مسئولين ألا تعلمون أن المستهلك المسكين، الذي زادت عليه الأعباء المعيشية، هو من سيدفع قيمة الرسوم المفروضة من عرق جبينه. ومن المحتمل أنه، في ظل الركود الاقتصادي الذي تمر فيه الدولة، سيصعب على الشركات تحقيق أي مكاسب. إن مثل هذا القرار، وغيره من القرارات المماثلة (مثل قرار المرور برفع رسوم تراخيص الليموزين)، قد تجاوز حد المعقول وستنتج عنه آثار سلبية عديدة أقلها أنه سيتسبب في إغلاق العديد من الشركات الصغيرة والمتوسطة مما يعني ضياعا لأصحابها وموظفيها وتحويلهم من منتجين إلى عالة على المجتمع.. وكأني بكم تريدون أن يكون جميع أفراد المجتمع عالة.
والله من وراء القصد،،

Comments

Popular posts from this blog

مجلس الشّورى والتّقاعد

الحصار وتخبط غرفة قطر

الأرض والقرض للجميع