العلاج الطبي في الخارج

 

العلاج الطبي في الخارج

تكلمنا في المقال قبل السابق عن تردي الرعاية الصحية في دولة قطر، وقلنا ان العيب ليس في الحكومة، لكن العيب في التخطيط المستقبلي الذي تنتهجه الوزارة. وذكرنا أن العدد المتوافر للرعاية الصحية من أطباء وممرضين وأسرة لا يقترب بأي شكل من المعدلات العالمية، في دولة سجلت أعلى دخل فردي في العالم. وبدلاً من تصحيح الوضع بالتخطيط السليم، قامت الوزارة، وبجدارة، بتقليص المصروفات مما زاد الوضع سوءاً (الشرق 28/8/2016). أما في مقال الأسبوع الماضي فقد تكلمنا عن الحل لتخطي المشاكل التي نعاني منها في تلقي العلاج بالوقت المناسب. وذكرنا أن الحل الأمثل هو عودة نظام التأمين الصحي (الشرق 4/9/2016). ونأتي اليوم لنتحدث عن العلاج الطبي في الخارج.
إن العلاج الصحي، سواء في داخل البلد أو خارجها، هو من الحقوق الدستورية للمواطن، ولذلك فإن الحكومة مجبرة على توفير العلاج المناسب للمواطن القطري. والحكومة، منذ أن عرفناها، لم تبخل على المواطن بتوفير العلاج في الداخل، وإذا تطور الوضع فإنها تقوم بإرساله، على حسابها، للعلاج بالخارج. ولكن الجهات المسئولة وجدت أن عدداً كبيراً من حالات العلاج بالخارج كانت سياحة على حساب الدولة أكثر منها علاجا. فقام سمو الأمير المفدى بإنشاء لجنة طبية للتحقق من أن الحالة تستحق العلاج بالخارج لعدم توافره محلياً. وبدأت اللجنة عملها وبه انخفضت، ولم تنته أعداد السياح ممن يدعي المرض. ولكن مع الوقت، ومع التوسع في السلطات التقديرية للجنة، تحولت الموافقات إلى رفض. حتى وصلت الطلبات المرفوضة، كما يقال، إلى 90 % من إجمالي الطلبات المقدمة، وكلها بحجة توافر العلاج "محلياً". ولكن اللجنة، في قرار الرفض، لا تحدد كيفية الوصول للعلاج المتوافر محلياً، متناسية أنه لو توافر العلاج بالداخل فإن الحصول على "موعد فقط" يستغرق شهوراً طويلة. والسؤال: وهل الخدمات الطبية تطورت بهذا الشكل بحيث ان هذا العدد الكبير يتم رفضه دفعة واحدة لتوافر العلاج محلياً؟ إذا كانت الدولة قادرة على توفير العلاج بالداخل فسنكون معها في مثل هذه القرارات. صحيح أن الحكومة وفرت أحسن المستشارين، واستوردت أفضل الأجهزة والمعدات الطبية، ولكنها تناست الزيادة المستمرة بالسكان. ولهذا نجد أن بعض العمليات الدقيقة والحساسة تؤجل عدة مرات بسبب عدم توافر وقت في غرفة العمليات المكتظة، أو بسبب عدم وجود سرير بالمستشفى، ولهذا يكون العلاج بالخارج، مع أن العلاج متوافر محلياً، هو الحل الوحيد أمام مثل هذه الحالات الحرجة بهدف منع تفاقم الحالة الصحية للمريض.
ومع التعنت الواضح من لجنة العلاج بالخارج، إلا أننا فوجئنا، في 10/3/2016، بقيام وزير الصحة بالتوقيع على ما يسمى "اجراءات تنظيمية لترشيد تكاليف العلاج في الخارج". وهذا القرار أزعج جميع القطريين، وتولد بينهم شعور بأن من كلفهم سمو الأمير ، لرعاية صحة المواطنين يعملون ضد الدستور وضد المرضى القطريين. إن قرار وزير الصحة هو ببساطة قرار يشكك في عمل لجنة رسمية شكلها سمو الأمير المفدى. نحن لسنا ضد ترشيد النفقات وتخفيف أعباء مصاريف العلاج في الخارج، ولكن مثل هذا الأمر غير مقبول مطلقاً. فكيف ندعي أن المواطن لا تمس حقوقه ونذهب في بداية الترشيد للمواطن المريض. ويجب ألا ننسى أن هذا المواطن المريض قد أخذ موافقة رسمية، من لجنة متعنتة، لإرساله للعلاج بالخارج. والمشكلة أن بعض المرضى الموجودين في الخارج تم إنهاء علاجهم بطريقة مفاجئة وتم قطع المخصصات المالية للمريض والمرافق. إن المريض الحقيقي، يا وزير الصحة، لا يستطيع العودة قبل إنهاء علاجه والقضاء على معاناته، ولا تعتقدوا أن كل القطريين أثرياء يستطيعون مواصلة العلاج على حسابهم، بل أغلبهم عليه قروض وديون والتزامات. إن تحديد شهر للعلاج في الخارج قرار غير منطقي فمثلما تتأخر مواعيدنا بالداخل لأشهر عديدة نجد أن المستشفيات العالمية أيضاً تتأخر.
وفي الختام نقول ان هناك هدراً في المال العام، وهذا الهدر موجود في جميع الوزارات، وبخاصة في العقود المليارية الكثيرة، فالرجاء لا تحملوا الشعب، وبخاصة المرضى منهم، مسئولية هذا الهدر. وأرى أنه يجب على اللجنة مناقشة من رفض طلبه وتعريفه بطرق العلاج المناسبة، ومنحه الأولوية في العلاج بالداخل حتى لا تزيد عليه حالته المرضية التي يعاني منها. وفي هذا المقام فإني أتقدم بالشكر الجزيل لكل القائمين بأمور العلاج الطبي بالديوان الأميري الخاص، الذين يستقبلون المرضى القطريين المقهورين بإبتسامتهم المعهودة، ويأخذون منهم التقارير الطبية تمهيداً لعرضها على سمو الأمير المفدى. وفي ختام الختام فإنني أرى، وهذا رأيي، أن لجنة العلاج الطبي بالخارج تحتاج إلى علاج فوري.
والله من وراء القصد ،،

Comments

Popular posts from this blog

مجلس الشّورى والتّقاعد

الحصار وتخبط غرفة قطر

الأرض والقرض للجميع