واقع العلاج الطبي المخزي

 

واقع العلاج الطبي المخزي

ترددت كثيراً في كتابة مقالة هذا الأسبوع، بعد أن كتبت، في فترة سابقة، أربع مقالات عن الرعاية الصحية في دولة قطر. ولكن المسئول عن تلك الرعاية، وكما أراه، تمثل بقوله تعالى "وَلَّىٰ مُسْتَكْبِرًا كَأَن لَّمْ يَسْمَعْهَا كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْرًا" لقمان: 7. وهذا دليل على أنهم أصابهم، كما أعتقد، نوع من عدم الإحساس بما يعانيه سكان قطر من التردي الخطير الذي وصلت إليه الخدمات الصحية. وفي الفترة الأخيرة زاد التذمر الشعبي من الرعاية الصحية وبوجه خاص في أعقاب وفاة مواطنة أثناء عملية التوليد (الموضوع لا يزال تحت التحقيق). وفي يوم الأحد، بتاريخ 21 /8 /2016، نشرت "بوابة الشرق" تحقيقين عن الخدمات الطبية أحدهما بعنوان "الشرق ترصد 6 قضايا إهمال طبي تنظرها المحاكم". أما الآخر فكان يحمل عنوان "مواطنون: المستشفيات لا تتعامل بحيادية وجدية مع شكاوى المرضى". وإني أنصح متخذي القرار بقراءتهما ودراسة المشاكل التي أثيرت فيهما. وبخاصة أن الجميع، من مواطنين ومقيمين، أجمعوا على أن الخدمات الصحية في قطر تعانى الكثير والكثير من ترديها.
إن موضوع العلاج الطبي هو واقع يثير عدداً من الأسئلة حول مدى التزام ووفاء وزارة الصحة بحق المواطنين والمقيمين في توفير العلاج الذي تكفلته الدولة وهيأت له موارد مالية ضخمة. ومن ذلك الحق هو الحصول على الرعاية الصحية الجيدة في وقتها المناسب. وتنص المادة (23) من الدستور القطري على "تعنى الدولة بالصحة العامة، وتوفر وسائل الوقاية والعلاج من الأمراض والأوبئة وفقاً للقانون". إن الحكومة القطرية، وكحقيقة، لم تقصر في دعم القطاع الصحي، ولا يستطيع أي إنسان إنكار المليارات التي تنفق سنوياً على توفير الرعاية الصحية. ولكن هذه المليارات، وللأسف، تذهب هباءً منثوراً. والعيب ليس في الحكومة، ولكن العيب، كما أراه، في التخطيط المستقبلي الذي تنتهجه وزارة الصحة. فالكل يعلم أن عدد السكان في زيادة مستمرة، وأن هذه الزيادة لن تقل في معدلها السنوي عن 8 %، وأن عدد السكان مقدر له أن يصل في 2022 إلى حوالي 4 ملايين نسمة. فكل هذه المؤشرات لم تأخذ بها وزارة الصحة في تبنيها للخطط المستقبلية. إن قطر تحتاج في عام 2022، وهذا ليس ببعيد عن عامنا الحالي، إلى 800. 12 طبيب (المعدل العالمي 32 طبيباً لكل 000. 10 نسمة)، وإلى 600. 31 ممرض (المعدل العالمي 79 ممرضاً لكل 000. 10 نسمة)، وإلى 200. 25 سرير بالمستشفيات (المعدل العالمي 63 سريراً لكل 000. 10 نسمة). ولمعرفة ما هو متوفر حالياً فقد قمت بالدخول على موقع وزارة التخطيط التنموي والإحصاء، الذي ضيعني وضيع وقتي مع الكثير من الروابط، ومع ذلك لم أجد المعلومات المطلوبة. بعدها انتقلت إلى موقع وزارة الصحة ووجدت تقريراً للمجلس الأعلى للصحة لإحصائيات عام 2013 وذكروا فيه أن عدد الأطباء الحكوميين بلغوا 700. 2 طبيب وأن عدد الممرضين هو 383. 9 ممرض. ولم أجد عدد الأسرة ولكنها في 2010 لم تصل إلى 700. 1 سرير (الشرق 14 /12 /2014). وطبعاً الفرق كبير بين العدد المتوافر للرعاية الصحية وبين المستويات العالمية في دولة سجلت أعلى دخل فردي في العالم. ومن هذه الأرقام يتضح لنا لماذا تتأخر مواعيد المرضى لعدة شهور، ولماذا يتأخر التشخيص والعلاج، ولماذا لا نجد سريراً بالمستشفى، ولماذا لا عناية بعد العملية، ولماذا تتكرر الأخطاء الطبية، وغيرها من أمور كثيرة تتعلق بالرعاية الصحية.
ومن الأمور المبكية أن الميزانية المخصصة للأطباء الزائرين إلى دولة قطر قد تقلصت، وبذلك فقد الكثير من المواطنين فرصة العلاج المحترف وهم في بلادهم وبين أهليهم. حتى العلاج الطبي في الخارج تم العبث به. ففي 10 /3 /2016 قام وزير الصحة الحالي بالتوقيع على ما يسمى "اجراءات تنظيمية لترشيد تكاليف العلاج في الخارج". وكان المفروض على الوزير، بدلاً من هذه الإجراءات، التي تشكك في عمل لجنة رسمية شكلها سمو الأمير المفدى، أن يدرس التجربة السعودية في تشجيع القطاع الخاص لبناء مستشفيات خاصة ذات تخصصات متنوعة لكل الامراض حيث تقوم الحكومة السعودية ببعث مرضاها الى المستشفيات الخاصة بالداخل بدلا من العلاج في الخارج، وبذلك توفر الاموال وتشجع مساهمة القطاع الخاص للاستثمار في بلدهم.
وفي الختام نقول إن قطر كانت، في فترة سابقة، قبلة لكثير من شعوب المنطقة لتلقي العلاج المتميز بها، ونسأل العلي القدير أن تعود تلك المكانة إلى قطر مرة أخرى. ونقول لمسئولي وزارة الصحة إن معالجة أزمة العلاج بالداخل أو بالخارج لا تحل بتقليص المصروفات أو بترشيد التكاليف ولكنها تحل بالتخطيط السليم الواعي. ولنا عودة مرة أخرى للتحدث عن العلاج بالخارج.
والله من وراء القصد ،،

Comments

Popular posts from this blog

مجلس الشّورى والتّقاعد

الحصار وتخبط غرفة قطر

الأرض والقرض للجميع