المحبة من الله

 

المحبة من الله

بعد منتصف الليل بقليل، وعندما كانت الأحداث في شدتها، كتبت في تويتر "تأخرت عليكم لأني كنت أتابع المحاولة الانقلابية في تركيا والحمد لله أن بوادر فشلها بدأت تتضح". والحمد لله أن ما حدث هو نفسه ما توقعته. إن توقعي لفشل الانقلاب هو بسبب الإنجازات التي حققها أردوغان لشعبه في فترة قصيرة جداً من حياة الأمم لم تتعد العشر سنوات. فمثلما كتب أخي جابر الحرمي في مقاله "12 ثانية غيرت مجرى الحياة السياسية في تركيا": "لم نعرف عن أردوغان إلا أنه نقل تركيا من دولة هامشية تلهث خلف الدول، وتقف عاجزة تتسول الاتحاد الأوروبي، ومدينة لصندوق النقد الدولي بـ 26 مليار دولار، إلى دولة تحتل المرتبة 16 في الاقتصاد العالمي بعد أن كانت تحتل المرتبة 111، ولم يعد عليها دولار لصندوق النقد الدولي، بل أقدمت على تقديم قرض لصندوق النقد الدولي بقيمة 5 مليارات دولار، وباتت تعتمد على نفسها في كل صناعاتها، بما فيها العسكرية، وأصبح دخل الفرد فيها نحو 13 ألف دولار بعد أن كان لا يتجاوز 2700 دولار" (الشرق 17 /7 /2016). وبكل هذه الإنجازات وغيرها الكثير، فإنه زرع محبة الشعب التركي للوطن وله شخصياً. وفي هذا السياق نجد أن سمو الأمير الوالد سبق أردوغان في زرع محبة الناس له، فهو الذي نقل دولة قطر إلى دولة تقود الأحداث في العالم، بل وتسعى الكثير من الدول لكسب ودها، وحقق الكثير من الإنجازات الداخلية والخارجية، حتى وصل مستوى الدخل الفردي في قطر ليصبح الأعلى في العالم. وبعد أقل من 20 سنة، بعد أن ضمن مستقبل دولة قطر، تنازل بملء إرادته عن الحكم لولي عهده الذي كان ذراعه الأيمن في تحقيق تلك الإنجازات. ومع أنه خرج من الحكم إلا أن الشعب القطري لا يزال يحبه ويدعو له رب العالمين بكل خير. وبعد أن تولى سمو الأمير المفدى مقاليد الحكم، في 25 /6 /2013، خط لنفسه طريقاً، مع أنه يختلف قليلاً عن نهج والده، لكنه طريق يضمن به إنجازاً أعلى ورفاهية أكثر للمواطن القطري. وقبل نهاية سنته الأولى في الحكم تعرض لأول اختبار يقيس مدى جاهزيته للحكم ومدى محبة الناس له. فقد قامت بعض الدول الخليجية في 5 /3 /2014 بسحب سفرائها من العاصمة القطرية، ولكن هذا الأمر الجلل لم يجبره على تغيير توجهاته الداخلية والخارجية التي خطها لبلاده، وفي نفس الوقت وجد الشعب القطري مؤيداً له في كل ما اتخذه أو سيتخذه من قرارات يضمن بها حرية قطر في اتخاذ القرار. وبعد أن أطمأن سموه لقوة الجبهة الداخلية المؤيدة له، ذهب إلى القمة العربية، التي انعقدت في دولة الكويت في 25 /3 /2016، وقال في كلمته أمام الملوك والرؤساء والحكام مستشهداً بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم "خيار أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم، وتصلون عليهم ويصلون عليكم، وشرار أئمتكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم، وتلعنونهم ويلعنونكم" وقام يدعو رب العالمين بقوله "اللهم اجعلنا ممن تحبهم شعوبهم ويبادلونها حباً بحب". وهي إشارة إلى عدم تأثر سموه بسحب السفراء طالما أنه يحب شعبه الذي يبادله الحب بحب. وفعلاً وبعد وصول الرسالة لهم تغيرت المواقف، وفي نوفمبر 2014 انتهت أزمة سحب السفراء. وما حدث في 2014 من حب الشعب لأميرهم، هو الذي قاد الشعب التركي إلى إفشال الحركة الانقلابية في تركيا في يوليو 2016. فعندما بث الرئيس أردوغان طلبه للشعب التركي بالنزول إلى الشوارع لم يتأخر هذا الشعب في الاستجابة. فبدأ الآلاف من الشعب التركي بالنزول للشوارع والميادين والمطارات، ووجدناهم يمسكون بالجنود المارقين من الجيش التركي ويقومون بتصفية الحركة الانقلابية في مهدها.
وفي الختام أحيي سمو الأمير المفدى، وسمو الأمير الوالد، على جهودهم الواضحة في غرس محبة الناس لهم من خلال خدمة وتلبية احتياجات الشعب القطري، ولا أنسى في هذا المقام أخي معالي رئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية على الجهود الصادقة التي يبذلها. واسمحوا لي أن أتكلم باسم الشعب القطري وأقول لهذه القيادة "إننا نحبكم في الله وإننا واثقون أنكم تبادلوننا نفس مشاعر الحب". ومع ذلك ومع كل هذه المحبة في الله للقيادة الرشيدة، إلا أنني سوف أستمر في النقد، إن شاء الله، لإظهار الثغرات والنقائص في السياسات العمومية، وإبراز أخطاء المسئولين، وحثهم على حل المشكلات التي يعاني منها المجتمع، بهدف خلق مزيد من التلاحم بين أفراد الشعب، وليكون الولاء للدولة ورمزها أعمق وأقوى. وبدون تقوية الولاء الوطني فإن الطريق إلى التحديث وإلى التطور سيكون صعباً وعسيراً.
والله من وراء القصد.

Comments

Popular posts from this blog

مجلس الشّورى والتّقاعد

الحصار وتخبط غرفة قطر

الأرض والقرض للجميع