ضاعوا بين الغِنَى والفَقر

 

ضاعوا بين الغِنَى والفَقر

الحمد لله حمداً كثيراً، على أن أهل قطر هم أهل خير وطيبة، ويتعاضدون فيما بينهم. ولقد تعودنا أن يقوم الموسرون من أهل قطر بالسؤال عن أماكن أهل الحاجات لمد يد المساعدة لهم، وكل ذلك كان يتم في نطاق اجتماعي محدود وبسرية مطلقة. ولكن في السنوات الأخيرة وجدت أن أعداد الموسرين ممن دأبوا على مد يد المساعدة قد تناقصت، وزادت أسماء ذوي الحاجات. ولهذا فقد راودني شعور بأن الفقراء قد زادت أعدادهم في المجتمع القطري. ودخلت إلى الإنترنت وبحثت في قوائم الدول حسب نسبة الفقراء من السكان. ويا للعجب! لم أجد دولة قطر في قائمة برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، ولا في قائمة وكالة المخابرات المركزية الأمريكية. وقمت أقلب في الأرشيف الإلكتروني ووجدت أن جريدة الشرق قد نشرت، في 11/2/2015، أن البنك الدولي ذكر أن معدل دخل الفرد السنوي في قطر بلغ 123 ألف دولار متجاوزاً بذلك معدلات الدخول في كافة دول العالم على الإطلاق. ويعود ارتفاع دخل الفرد في قطر، حسب تقرير البنك الدولي، "إلى أن المواطنين في قطر يحصلون على عدة امتيازات وخدمات مجانية، أبرزها الكهرباء والماء والتعليم، فضلا عن حصولهم على قطعة أرض تقدم هبة لكبار الموظفين مساحتها 1225 مترا مربعا، وقرض بقيمة 600 ألف ريال يقدم لكبار الموظفين دون فوائد على مدى 22 عاما، كما يحصل صغار الموظفين على بيت شعبي مساحته 800 متر مربع هبة من الدولة، وعلاوة اجتماعية للمواطن سواء كان عاملا في القطاع العام أو الخاص قيمتها 3200 ريال شهريا، إضافة إلى نحو 2000 ريال راتب شهري للطالب المواطن الذي يدرس في جامعة قطر، تمنح له طيلة سنوات دراسته". وطبعاً التقرير أسس على بعض البيانات غير الصحيحة والتي لا تخفى على المواطن القطري. ووجدت في الأرشيف دراسة أخرى قامت بها وزارة التخطيط التنموي والإحصاء، نشرت نتائجها بتاريخ 18/6/2014، تبين أن متوسط الدخل الشهري للأسر القطرية يبلغ 2ر88 ألف ريال (7ر72 ألف ريال إذا خصم منها القيمة الإيجارية للمسكن الملك والإعفاءات من الماء والكهرباء)، تنفق منها الأسر القطرية شهرياً ما مقداره 49.6 ألف ريال. وبحسبة بسيطة نجد، على حسب نتائج الدراسة العجيبة، أن الأسر القطرية توفر شهرياً حوالي 6ر38 ألف ريال قطري. أما متوسط الدخل الشهري للأسر غير القطرية فيبلغ 4ر24 ألف ريال، تنفق منها شهرياً ما مقداره 18 ألف ريال، أي بتوفير 4ر6 ألف ريال شهرياً. وتؤكد الدراسة أن حوالي 83 % من الأسر القطرية رواتبها الشهرية تزيد عن 45 ألف ريال. وتضيف الدراسة أن الرواتب والأجور تمثل 67 % من الدخل الشهري للأسر القطرية (شخصياً لا أعرف ما هي المصادر الأخرى)، في حين أنها تمثل لغير القطريين حوالي 97 % من الدخل. والصراحة أنني أشعر بأن الدراسة، التي أعدت بأيد غير قطرية، لها غرض واضح وهو دعوا غير القطريين يترزقون، فرواتبهم تصل إلى ربع رواتب المواطنين، ويا دوبها تغطي مصروفاتهم (شخصياً لا أعرف ما هي مصادر الأموال التي يستطيع بها الوافدون تحويل مليارات الريالات سنوياً للخارج بمعدل 150 مليون ريال قطري في اليوم).
إنني أتعجب أن القطريين بهذا الغنى غير المسبوق، ومع ذلك نجد أن الكثيرين تكاد تنكسر ظهورهم من الديون، هذا إذا لم يقدم إلى المحاكم القطرية لتعثره في السداد. وأعرف حالات لمواطنين قطريين تم سجنهم لعدم قدرتهم على سداد ما قيمته أقل من 30 ألف ريال قطري. إنني فعلاً أتعجب من التقارير والدراسات الخرافية التي تنشر ولا تذكر ما يعاني منه المواطن القطري من: 1. صعوبة حصوله على الوظيفة. 2. ارتفاع أسعار السلع والخدمات. 3. انخفاض القيمة الشرائية للريال القطري. 4. تقطيع البدلات والعلاوات من رواتب القطريين العاملين. 5. إحالة الكثير من المواطنين إلى البنك المركزي أو إلى هيئة التقاعد وفقدانهم جزءاً من رواتبهم الشهرية. 6. كثرة طلبات المواطنين المرفوضة من صندوق الزكاة ومن الجمعيات الخيرية العاملة في قطر.
وفي الختام نقول إن ما تحاول القوائم والتقارير من المؤسسات العالمية أو الحكومية طمسه، هو أن نسبة المواطنين التي تعاني من الفقر في تزايد مستمر. إن مكافحة الفقر مهمة لأنها تصب في التنمية البشرية بمفهومها الشامل. ولهذا فإن على الحكومة أن تعترف بوجود الفقراء، وأن تقوم بدراسة أوضاعهم، ومعالجة أحوالهم. ورفقاً يا حكومة، ويا مجتمع قطري، بأهل الحاجات من المواطنين، ولا نريد القول بأن زمن الطيبين ذهب بدون رجعة.
والله من وراء القصد ،،

Comments

Popular posts from this blog

مجلس الشّورى والتّقاعد

الحصار وتخبط غرفة قطر

الأرض والقرض للجميع