أحد أشكال الاستغلال

 

أحد أشكال الاستغلال

إن نص المادة (23) مكرر من قانون رقم (24) لسنة 2002 بشأن التقاعد والمعاشات واضحة جداً ولا تحتمل التأويل ولا تحتاج لائحة تنفيذية لتفسيرها فهي تنص أنه "لا يجوز للموظف أو العامل الجمع بين المعاش المستحق طبقاً لهذا القانون ومكافأة نهاية الخدمة المنصوص عليها في القوانين، ويستحق الموظف أو العامل الذي تزيد مدة خدمته الفعلية على عشرين سنة مكافأة نهاية خدمة تتحملها جهة عمله..". ومع كل هذا الوضوح فلا يزال الكل في المجتمع يبحث عن إجابة لعدم قيام الأجهزة الحكومية بصرف تلك المستحقات. ولكنه، وللأسف، يقابل بصمت مطبق من الجهات الحكومية ذات الاختصاص. وهذا الصمت قاد البعض لرفع قضايا تظلم على أجهزة الدولة أمام لجنة فض المنازعات الإدارية يطالب من خلالها بالحصول على مكافأة نهاية الخدمة من جهة عمله بعد ان قضى أكثر من 20 عاما من العمل بها. وتصدر تلك اللجنة حكمها باستحقاق المتظلم مكافأة شهرين عن كل سنة من سنوات خدمة المتظلم التي تزيد على 20 عاماً. ويفرح المواطن بهذا الحكم معتقداً بأن موضوعه قد انتهى، وانه سوف يحصل على كامل حقوقه. لكنه يتفاجأ بقيام إدارة قضايا الدولة، بوزارة العدل، برفع دعوى امام المحكمة الابتدائية (أعلى من لجنة فض المنازعات) لوقف تنفيذ الحكم استناداً الى عدم صدور اللائحة التنفيذية من قانون المعاشات. وتستجيب المحكمة الابتدائية وتقضي بإلغاء قرار لجنة فض المنازعات، بل وتلزم المواطن بالمصروفات. يعني بدل أن يستلم المواطن حقوقه يلزم بالدفع مقابل ضياع حقوقه. والمشكلة أن المحكمة في تسبيبها للحكم تذكر "انه ازاء عدم صدور اللائحة التنفيذية تنظم وتبين كيفية ومقدار وشروط استحقاق الموظف أو العامل لمكافأة نهاية الخدمة فمن ثم يتعذر تنفيذ حكم القانون لتوقف أعماله على صدور اللائحة التنفيذية". ونحن نقول ان القوانين قد نظمت وبينت كيفية ومقدار وشروط مكافأة نهاية الخدمة وذلك بنص المادة (169) بالقانون رقم (8) لسنة 2009 بشأن إدارة الموارد البشرية، وبالمادة (23 مكرر) بالقانون رقم (24) لسنة 2002 بشأن التقاعد والمعاشات.
وبسبب المنازعات وعدم تطبيق القوانين حسب ما صدرت به، قرر أحد المواطنين رفع درجة التخاصم إلى محكمة التمييز، وهي أعلى جهة قضائية، وحكمها باتاً أي نهائياً. وهنا ظهرت الحقيقة التي غابت عن المحكمة الابتدائية بسبب تدليس الجهة الحكومية بايقاف تنفيذ حكم لجنة التظلمات. وقضت محكمة التمييز "بإلغاء حكم المحكمة الابتدائية في ايقاف تنفيذ التظلم، وبأحقية هذا المواطن في استحقاق مكافأة نهاية الخدمة تتحملها جهة عمله، وإن عدم صدور اللائحة التنفيذية (الشماعة التي تتعلق بها إدارة قضايا الدولة) يمكن تفسيره في صالح العامل" (انظر الوطن 27/1/2016). وطبعاً، وهو أمر غير مستبعد، ان الجهات الحكومية المطلوب منها صرف المستحقات ستتذرع بعدم قدرتها على الصرف لأن وزارة المالية لم تخصص لهم بنداً لهذا الأمر، وعليه سيكون تنفيذ حكم محكمة التمييز معطلاً لعدم وجود البند المالي. فهل تملك محكمة التنفيذ، في هذه الحالة، الأدوات اللازمة للتنفيذ القسري على الحكومة؟
إنني في الحقيقة أتعجب من الكرم الحاتمي والسخاء منقطع النظير للدولة على المجتمعات الخارجية. وأتعجب أكثر أنها، مع كل ما تفعله للخارج، تاركة بعض الجهات الحكومية تنهب أموال المواطنين ظلماً وزوراً. ويقيناً لا يتم ذلك بعلم سمو الأمير المحب لشعبه، حتى بدون علم معالي رئيس مجلس الوزراء الخَيِّرْ والصادق في عمله. ففي الوقت الذي نجد فيه سمو الأمير يخاطب الوزراء قائلاً لهم "إن مسؤوليتكم في ظل انخفاض أسعار النفط أكبر، ولكن خدمة المواطنين وطريقة عيشهم يجب ألا تتأثر بهذه الأوضاع". نجد أن الوزراء يقومون بقطع البدلات من رواتب المواطنين، وبرفع الرسوم الحكومية، وبقتل جزء كبير من العمالة المواطنة باسم "عمالة فائضة". والأمثلة كثيرة لا يسع المجال لذكرها. إن ما تقوم به بعض الجهات الحكومية هو نوع من أنواع الاستغلال في حق المواطنين، وهو أمر غير مقبول إطلاقاً، ويجب ألا يسمح ولي الأمر حفظه الله لتلك الجهات القيام، تحت أي عذر، بحجب حصول المواطنين على حقوقهم المشروعة التي كفلها الدستور والقانون.
وفي الختام نقول ان المتقاعد العسكري والمتقاعد المدني كليهما مواطن وعلى هذا الأساس يجب عدم التفريق بين الاثنين في الحقوق والواجبات. ونُذَكّر المسئولين بأن أي مبلغ يصل ليد المواطن هو ليس مبلغاً ضائعاً أو مهاجراً، بل هو استثمار حقيقي يضخ داخل البلاد لتسريع حركة التنمية الاقتصادية. يا حكومة.. ذبحتونا.. "نبغي فلوسنا". نتمنى لكم صياماً وقياماً متقبلاً، وبعد رمضان، شهر الخير والبركات، نلتقي إن شاء الله.
والله من وراء القصد،،

Comments

Popular posts from this blog

مجلس الشّورى والتّقاعد

الحصار وتخبط غرفة قطر

الأرض والقرض للجميع