مجالس العزاء في قطر

 

مجالس العزاء في قطر

لقد دخلت على مجتمعنا القطري عادات لم يعمل بها لا رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم، ولا الصحابة الأخيار رضوان الله عليهم. ولكننا لا نستطيع القول عنها إنها بدعة، لأن البدع محصورة في العبادات، وذلك مصداقاً لقول رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم " من أحدث في أمرنا هذا (أي في ديننا) ما ليس منه (أي في الدين) فهو رد". لقد وصلتني رسالة عبر الهاتف من أخي الفاضل إبراهيم بن حسن الأصمخ يبلغني فيها خبر وفاة زوجة أبيه، نسأل الله لها الرحمة والمغفرة. والذي استرعاني أنه ذكر في الرسالة أن العزاء سيكون بمجلسه إعتباراً من يوم الوفاة ولمدة ثلاثة أيام. وقسم اليوم، حسب رسالته، إلى فترة صباحية من الساعة 8 صباحاً حتى صلاة الظهر، وفترة مسائية من بعد صلاة العصر حتى صلاة العشاء. وفي الحقيقة ان هذا أمر لم أتعوده من قبل في رسائل النعي، ولذلك سألته عن أسباب تحديد الوقت؟ فقال: القصد من ذلك ليكون العزاء عزاءً فقط وليس مسابقة أو منافسة بين الأهل والأصدقاء في تقديم الولائم طيلة فترة العزاء. الصراحة لقد جذبت كلماته إنتباهي، وشدني هذا الموضوع الذي لا أعلم عنه الكثير، وجعلني أسأل المختصين عنه، وأقرأ ما كتب حوله. ولهذا أحببت أن أشارككم فيما وجدت.
التعزية في اللغة من العزاء وهو المواساة والصبر. فيكون معنى التعزية "المواساة والإرشاد إلى الصبر، وذكر ما يعين عليه، ويسلي عن المصيبة عند فقد عزيز". ولقد شرع الدين الإسلامي لكل مسلم أن يعزي أخاه بالمصافحة وبالدعاء المناسب للمتوفى. ولقد ذهب الفقهاء إلى استحباب التعزية لمدة ثلاثة أيام وذلك استناداً إلى الحديث الذي يقول فيه النبي صلى الله عليه وسلم "لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث، إلا على زوج أربعة أشهر وعشراً". أما تجمع أهل الميت بمكان ليأتيهم الناس ويعزونهم فهذا أمر مختلف عليه عند الفقهاء. ولكن أعتقد أن انتشار الناس، وعدم سكناهم منطقة واحدة، أجبرهم على فعل ذلك. وبهذا فإنه، وحسب ما ذهب إليه المذهب المالكي "إنه عمل مباح". ونأتي الآن إلى ذكر الولائم وما يتحمله أقرباء المتوفي وأصدقاؤه في سبيل ذلك.
إنه من السنة أن يصنع أقارب المتوفى غير القريبين طعاماً لأهل المتوفى الأقربين لأنهم مشغولون بوفاة قريبهم وذلك لقوله صلى الله عليه وسلم لأهل بيته عندما استُشهد ابن عمه جعفر بن أبي طالب في غزوة مؤتة "اصنعوا لآل جعفر طعامًا، فإنه قد أتاهم ما يشغلهم". وقياساً على هذا فمن السنة أن يبادر أحد الأقارب ، أو أحد الجيران ، أو أحد الأصدقاء، بصنع الطعام وإهدائه لأهل الميت فقط، وبقدر ما يكفيهم، وهذا هو نهج رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم، وليس عمل ولائم ودعوة الناس إليها. أما مدة صنع الطعام لأهل المتوفى فقد قال الإمام الشافعي في هذه المسألة "وأحب لجيران الميت أو ذي قرابته أن يعملوا لأهل الميت في يوم يموت وليلته طعاماً يشبعهم فإن ذلك سنة". وبهذا حدد الإمام الشافعي صنع الطعام لأهل الميت في يوم الوفاة وليلتها فقط، وليس كل أيام العزاء. أما عندنا في قطر فالأمر يختلف حيث نجد أحد الأقرباء، أو أحد الجيران، يقوم بتجهيز الغداء، فيأتي آخر لأهل المتوفي ليخبرهم بأنه سيقوم بوجبة العشاء، ثم يأتي آخر فيطلبهم في وجبة غداء اليوم الثاني، وثالث يقسم عليهم بوجبة العشاء، وذلك لمدة ثلاثة أيام. متناسين أن الضيافة والولائم هي في السرور وليست في الشرور. ومن وجهة نظري، وحسب ما قرأته، فإن هذه العادة ينبغي تركها لأنها من المنكرات التي لا يجوز إقرارها ولا حضورها. إن ذبح الذبائح وإقامة الولائم بهذا الأسلوب ليس من الدين في شيء ويكون الأفضل للميت أن يتصدقوا بثمنها في ثوابه على الفقراء فهو خير لهم، وأبعد عن الرياء، وأنفع للفقراء، وأبعد عن التشبه بغير المسلمين. وعلى هذا فإنه ينبغي لأهل الميت نصح من يأتي إليهم لتقديم الولائم في أيام العزاء بعدم فعل ذلك.
وفي الختام أشكر أخي إبراهيم الأصمخ الذي قادني لأبحث في هذا الموضوع. وإن شاء الله يتعاون أفراد المجتمع للقضاء على هذه العادة التي لا تنتمي للإسلام .. اللهم من أحييته منا فاحييه على الإسلام، ومن توفيته منا فتوفاه على الإيمان .. اللهم أرحم جميع موتى المسلمين رحمة واسعة وتغمدهم برحمتك يا ذا الجلال والإكرام واجعل نزلهم روضة من رياض الجنة.
والله من وراء القصد ،،

Comments

Popular posts from this blog

مجلس الشّورى والتّقاعد

الحصار وتخبط غرفة قطر

الأرض والقرض للجميع