قرار عشوائي غير مدروس

 

قرار عشوائي غير مدروس

نشرت بوابة الشرق بتاريخ 27/4/2016، إعلان وزارة الطاقة والصناعة عن أسعار الوقود لشهر مايو القادم. وطبعاً، وكما تفعل الكثير من الوزارات، كان الإعلان منمقاً ومقدماً في بوتقة جميلة واصفاً "الإنجاز الخطير" الذي قامت به الوزارة بالقول "إن إعادة هيكلة أسعار الوقود أدت إلى انخفاض سعر الديزل (وايد عليهم)، الأمر الذي سيكون له أثر إيجابي على السوق المحلية، "وقد" (في حكم المجهول) يساهم في الحد من التضخم وتخفيض التكاليف بشكل عام". ووصفوا ما قاموا به بأنه "يعتبر انفتاحا وتكيفا مع الاقتصاد العالمي". شخصياً لا يهمني التكيف أو المقارنة مع الدول الأخرى، بل المهم هو حجم ما ينفق المواطن من الدخل على متطلبات المعيشة. ونقطة أخرى لم تذكرها الوزارة أن مثل هذا الاجراء هو أمر أجبرت عليه من صندوق النقد الدولي، الذي يطالب الحكومة القطرية، منذ سنين عدة، بإلغاء منظومة الدعم المطبقة في قطر.
أعرف أن مثل هذا القرار له ايجابياته العديدة منها تقليل الازدحام المروري، وتقليل التلوث بالهواء، وتقليل هدر الطاقة. وأعرف كذلك أن الوافدين هم أكثر المستفيدين من الدعم الحكومي. وأعرف كذلك أنه لو استمرت دولة قطر في الدعم غير المحدود للسلع والخدمات فإن هذا سيؤدي إلى انهيار مختلف الخدمات مثل الصحة والتعليم. ولكن يبقى السؤال المهم وهو: هل قامت وزارة الطاقة والصناعة، والأجهزة الحكومية الأخرى، بتجهيز البنية التحتية لمثل هذا القرار؟ إن قرار تحرير أسعار الوقود يتطلب بنية تحتية قوية مثل:
أولاً: إنهاء احتكار بيع الوقود: إن احتكار "وقود" لبيع الوقود قتل التنافس بين محطات التعبئة في تقديم أنواع عديدة من الخدمات للعملاء. ولذلك فإنه من المهم فتح الترخيص بإنشاء المزيد من محطات التعبئة، ولكن ليس للأفراد المقربين، بل لأهل المنطقة حتى تعود الأرباح مرة أخرى للمواطنين (عمان تمنح جزءاً من أي جبل كامتياز لأهل المنطقة، وليس لفرد واحد، لإنشاء الكسارات).
ثانياً: تحسين النقل العام: النقل العام في قطر، مع أنه يغطي كل أرجاء قطر، إلا أنه لا يزال متخلفاً، فلا يوجد هناك جدول مواعيد ثابتة لتحرك الباصات، والمواقف غير صالحة في الصيف للاستخدام الآدمي، ولا توجد دورات مياه في المحطات المركزية، ونجد صعوبة بالغة في إيجاد التاكسي عند الحاجة إليه. وكل ذلك بسبب احتكار شركة المواصلات (كروة) لهذه الخدمة. لذلك فإنه من المهم فتح الباب لتنافس الشركات المؤهلة لتقديم خدمات متطورة وسريعة وثابتة.
ثالثاً: القضاء على زحمة المرور: لا تزال الكثير من الشوارع والطرق إما تحت الإنشاء، أو تحت الصيانة، وعليه تكثر الإغلاقات، ومعه تزيد التحويلات. وهذا يؤدي إلى زيادة المسافة، ووقوف السيارات مدة طويلة في الزحمة المرورية مما يزيد من استهلاك الوقود (يستهلك حوالي ليترين من الوقود كل ساعة وقوف).
رابعاً: توفير المواقف العامة: يعتبر من النكبات لأي مواطن أو مقيم أن يراجع أي جهة حكومية أو يذهب لتلقي العلاج في المستشفى. فتضييع الوقت في البحث عن مكان لصف السيارة يزيد من استهلاك الوقود.
خامساً: تجهيز الآلية لدعم المواطن: إن أسعار النفط الخام في طريقها للارتفاع ومعها سترتفع أسعار الوقود. ويجب أن لا ننسى أن النفط يذهب للمصافي في قطر بدون فرض أي نوع من الضرائب أو الرسوم. وعليه فإنه من الضروري حساب قيمة الدعم المفترض دفعه لكل أسرة، وطباعة بطاقات وقود مخفض للمواطنين، كنوع من توزيع الثروة النفطية (انظر مقالة "إلغاء الدعم رحمة" الشرق 13/3/2016).
بالإضافة إلى أمور أخرى عديدة. إن أي قرار يجب أن يسبقه تأسيس الأرضية المناسبة. ولكن، للأسف، إن غالبية القرارات هي قرارات عشوائية، وليدة اللحظة، وغير مدروسة. وببركاتها أصبح اقتناء سيارة شخصية في قطر كابوساً لدى الكثير من الأسر القطرية، وبخاصة ممن هم على حافة خط الفقر (انظر الشرق 8/5/2016)، وأصبح تزويد السيارة بالوقود هو استنزاف لموارد المواطنين المحدودة التي لا تكاد تغطي احتياجات المعيشة الأساسية.
وفي الختام نقول لوزارة الطاقة والصناعة لقد تسرعتم بالقرار. ولتسرعكم هذا فإني أنصح كل مستخدم سيارة أن يقلل من استهلاك الوقود بالقيادة بسرعة أقل من 90 كم في الساعة (20 % توفير)، وأن "يفطس" في الحر ولا يشغل المكيف (15 % توفير)، والأحسن من ذلك كله ترك السيارة بالمنزل "ويطقها كعابي" لأن تحريكها سوف يستهلك وقوداً محرراً.
ملاحظة: لقد كتبت الرد على رد إدارة العلاقات والاتصال بوزارة التعليم والتعليم العالي (الشرق 11/5/2016) على مقالي (الشرق 1/5/2016)، ولكني تراجعت عن نشره، حتى حين، بقصد عدم تشويه عمل الوزارة أكثر مما هو مشوه.
والله من وراء القصد،،

Comments

Popular posts from this blog

مجلس الشّورى والتّقاعد

الحصار وتخبط غرفة قطر

الأرض والقرض للجميع