إمداد .. مشروع طال انتظاره

 

إمداد .. مشروع طال انتظاره

تعيش الدولة في تخبط واضح في تبني استراتيجياتها وخططها، وذلك لأن معظم التقارير التي ترفع لمتخذي القرار يتم تنميقها وتلفيق معلوماتها، بحيث تظهر بأنها هي الحقيقة وما عداها فهو كذب وافتراء، ولذلك عندما يتخذ صاحب القرار قراره فإنه يتخذه بناء على معلومات باطلة وتكون النتيجة فشلا ذريعا للقرار. ولقد طالبت مراراً عبر مقالاتي بجريدة الشرق، ومن خلال لقاءاتي بالمسؤولين، بأن يقوم كل واحد منهم بالاستعانة بمعلومات جهاز الإحصاء كمؤشر لبناء خطط جهته. ولكن وللأسف، وجدنا أن أداء الجهات الحكومية، مع الصرف الهائل عليها من الدولة، أصبح لا يشرف دولة مثل قطر؛ لأن المسؤولين لم يقرأوا المؤشرات الإحصائية بشكل سليم، فهم يخططون على رقم ثابت، بينما عدد السكان يزيد بشكل جنوني.
إن هناك قاعدة مهمة تقول "ما نستطيع قياسه نستطيع تعديله وتطويره والتحكم فيه" والقياس هو أشبه ما يكون بالفحص الطبي لصحة عمل هذه الجهات، ومن خلال الفحص والتشخيص (المعلومة الحقيقية) يتم علاج المشكلات والأمراض التي قد تظهر على السطح. وبالمعلومة الصحيحة والدقيقة نستطيع استشراف المستقبل من أجل تجنب الحدث قبل وقوعه وليس دراسته وتحليله بعد فوات الأوان، وكنا نأمل خيراً من جهاز الإحصاء، مع احترامي المطلق لجميع منتسبيه، ليطور آلياته ويتابع تقديم إحصائيات دقيقة وحديثة لبناء المؤشرات الواقعية التي تقود إلى الطريق الصحيح، كما كان قبل أن يصبح وزارة، ولكنه، وللأسف الشديد، تخلف عن الركب حتى غدا البحث عن المعلومة الصحيحة في إحصائياته ضرباً من الخيال، ولو وجدت لوجدتها قديمة نوعاً ما. فمثلاً نجد أن الجهاز يذكر أن إجمالي عدد السكان الموجودين في قطر كما هو في 31/3/2016 بلغ 5ر2 مليون نسمة، في حين أن عدد سكان قطر، بحسب المعلومات المؤكدة، تجاوز 4ر3 مليون نسمة، وهذا يعني أن هناك فرقاً بحوالي 900 ألف نسمة. ألا نحتاج عند إعداد الخطط الصحية والتعليمية والعمرانية وغيرها إلى إدراج هؤلاء؟ حتى المخزون الاستراتيجي من المواد الغذائية غير معروف، وأعتقد أن ما هو موجود لا يتعدى استهلاك قطر، في أحسن الظروف، لشهرين فقط.. إن سمو الأمير المفدى، جزاه الله كل خير، أمر بزيادة المخزون الاستراتيجي من السلع الأساسية ليكفي احتياجات قطر لسنة كاملة. والسؤال: هل ستنفذ الأجهزة الحكومية قرار سموه على أساس أن عدد سكان قطر 5ر2 مليون أم على أساس 4ر3 مليون نسمة؟
إن المعلومة الصحيحة، أياً كان شكلها، مهمة جداً وبخاصة لمتخذي القرار، لأنه منها يستمد تقديراته وتصوراته لما يتطلب منه القيام به. وفي السنوات الأخيرة شهدنا تطوراً هاماً في تكنولوجيا الاتصالات واندماجها مع تكنولوجيا الحاسب الآلي، ومن تملك هذا المزيج الرائع، تملك زمام التطور والتقدم. وعندما كان معالي رئيس الوزراء وزيراً للداخلية فقط فهم وتملك هذا التمازج ووظفه بجدية كاملة لتطوير خدمات الوزارة، وأصبح اتخاذ القرار بالوزارة سهلاً ويتم في لحظات. وبعد أن تسلم معاليه رئاسة مجلس الوزراء أصبح أمامه تحدٍ أكبر وهو كيف يستطيع قيادة عمل الحكومة لمزيد من التطور والنماء بدون اكتشاف الحاضر بحقيقته، ولذلك وجد معاليه أن إعطاء الأولية لدعم وتطوير مجال المعلومات الصحيحة في إطار نظام وطني متكامل هو من الأولويات التي يجب التركيز عليها. وفي يوم الخميس 14/4/2016 دشن معالي رئيس مجلس الوزراء ووزير الداخلية المرحلة الأولى من برنامج مشروع "إمداد"، قائلاً "إن هذا المشروع يوفر آلية للتنبؤ بالمخزون الاستراتيجي للسلع والمنتجات، بحيث نضمن وفرتها في البلاد، لتلبية احتياجات السكان دون نقص أو عجز". والمشروع يوفر منصة موحدة لمتخذي القرار لمراقبة المخزون الاستراتيجي للمواد الأولية والعمرانية والإنشائية والطبية والغذائية، بالإضافة إلى مراقبة حركة هذه المواد واحتياجات السوق المحلية منها، مرورا بجميع المراحل اللوجستية (شحن ونقل وتخزين وتوزيع)، والموازنة بين العرض والطلب، ومراقبة الأسعار، وتوفير هيكليات إحصائية تمكن من التنبؤ بالاحتياجات المستقبلية لتلك المواد.
وفي الختام، نحمد الله حمداً كثيراً أن وفق معالي رئيس مجلس الوزراء ووزير الداخلية بالتفكير في هذا المشروع، وأن قام بإرساء دعائمه، وأحسن اختيار الفريق الذي قام ببنائه وتطويره. ومن المتوقع أن ينعكس هذا الأمر على توجيه الاستراتيجيات والسياسات والخطط الحكومية للحفاظ على مستوى معيشي مرتفع للأجيال الحالية والمستقبلية. ويبقى على معاليه محاسبة من سيتخذ أي قرار بدون الرجوع لهذا الرصيد الهائل من المعلومات. ونقول لوزارة التخطيط التنموي والإحصاء.. واصلوا العمل على حل الأزمة المرورية بمنطقة الأبراج، وانشروا تقاريركم التي تدعي بأن الوافدين يعملون أكثر من المواطنين، ودعوا غيركم يقوم بالأعمال التي هي من صميم اختصاصاتكم.
والله من وراء القصد ،،

Comments

Popular posts from this blog

مجلس الشّورى والتّقاعد

الحصار وتخبط غرفة قطر

الأرض والقرض للجميع