خذوا بأيديهم فإنهم خائفون

 

خذوا بأيديهم فإنهم خائفون

الخوف يعتبر ردة فعل طبيعية لدى الإنسان تجاه أي تهديد قد يعرض حياته للخطر. والخوف إما موضوعي: وهو الذي ينشأ نتيجة خطر حقيقي يهدد حياة الإنسان أو سلامته أو أقرب الناس إليه كأطفاله. أو خوف غير موضوعي: وهو لا يهدد الإنسان بأخطار كالخوف من الظلام وغيره. ولكن مشكلة الخوف أنه وراء الفشل في جميع مناحي الحياة، حتى إنه ليؤثر في العلاقات الإنسانية. ولقد قمت بسؤال عدد من المواطنين عن الأسباب المحتملة التي تولد شعور الخوف عندهم. فكان أغلبهم يبدأ جوابه: لا توجد لدي أي مخاوف والحمد لله. ولكن بالتحدث إليهم نجد أن الخوف هو المهيمن على حياتهم. ومن أهم مسببات الخوف لدى المواطن هي:
أولاً: تدني مستوى الخدمات الصحية: وجدت أن ذكر الخدمات الصحية بشكل عام، والخدمات المرتبطة بمستشفى حمد بشكل خاص، يخلق عندهم نوعا من الفزع. وشخصياً ما ألومهم، لأن المجهودات التي تبذلها الدولة لتطوير النظام الصحي تضيع هباءً منثوراً لأن الخدمات الصحية لا تنمو بنفس معدلات النمو السكاني. لهذا فليس بغريب أن يستمر تدهور الخدمات الطبية مع كل طفل يولد في قطر، أو كل عدد يصل إلى دولة قطر من الوافدين. وهذا التدهور ليس بسبب الخدمات الطبية نفسها، ولكن لأن الخدمات لم يصاحبها توسع في إنشاء المزيد من العيادات الجديدة، ومضاعفة الكوادر الطبية، بل صاحبها، وللأسف، زيادة أطباء الامتياز الذين يتعلمون ويتدربون فينا. ومع كل ما قلت فإن هناك علامات مضيئة كثيرة في هذه الخدمات. وبهذه المناسبة فإني أتقدم بالشكر لمؤسسة حمد الطبية وبخاصة للدكتور عبدالرزاق العمادي استشاري العيون الذي شخص حالتي بدقة، والشكر الجزيل للدكتور عثمان عبدالظاهر محمد استشاري العيون الذي تولى علاجي وأجرى العملية الجراحية، والحمد لله، بنجاح كبير.
ثانياً: تدني جودة التعليم: شخصياً لا أعرف كيف احتلت قطر المرتبة الأولى عربياً والرابعة عالمياً في مؤشر جودة التعليم. إن التعليم الذي نعرفه ويعرفه جميع المواطنين هو تعليم بلا فلسفة، ولا يسير على منهج واضح المعالم، وحتى الآن لم تستقر الإدارات المدرسية على نظام تعليمي موحد. ومع فتح عدد كبير من المدارس دفعة واحدة في أغسطس من كل عام (آخر دفعة كانت في أغسطس 2015 وهي عبارة عن 22 مدرسة و11 روضة)، يضطر أصحاب التراخيص لتعيين كل من هب ودب في المدارس بغض النظر عن مؤهلات المعلمين التربوية. وللأسف إن المعلم، الذي هو العنصر الأساسي في العملية التعليمية، قد فقد مكانته لدى الإدارة المدرسية ولدى الطلاب أنفسهم، وأصبح كل همه الحصول على الدروس الخصوصية. وبصراحة ما ألوم خوف أفراد المجتمع على مستوى التحصيل العلمي لجيل المستقبل.
ثالثاً: البطالة والتقاعد: أبشركم بأن عدد الوافدين وصل إلى 2ر3 مليون نسمة، في حين أن عدد المواطنين لم يصل إلى 300 ألف نسمة. ومع ذلك لا يزال هناك عدد كبير من المواطنين يبحثون عن الرزق الحلال، ولكن بحثهم قد يمتد لسنوات قبل حصولهم على مبتغاهم، في حين أن الوافد يتنقل من وظيفة لأخرى بسهولة ويسر. ويستمر خوف المواطنين لما بعد تعيينهم، والسبب في ذلك أن المواطنين اكتشفوا مؤخراً أن المسؤول القطري ينظر إليهم، مع ندرة أعدادهم، بأنهم "عمالة فائضة" يجب التخلص منها. وكل القطريين، إلا من رحم ربي، يطاردهم خوف التحول إلى التقاعد مما قد يحرمهم جزءاً من رواتبهم، الأمر الذي سيقودهم حتماً إلى العجز المالي أمام الديون العديدة التي تكاد تكسر ظهورهم.
رابعاً: انخفاض عائد الدخل الشهري: إن رواتب القطريين، والحمد لله، عالية جداً بالمقارنة مع عدد كبير جداً من رواتب الأفراد الآخرين في دول العالم. ولكن مقصدنا هو ما تجلبه هذه الرواتب العالية من منفعة لأصحابها. تصدقون أن "سمك الشعري" الذي كان يتراوح بين 3 – 5 ريالات قطرية للكيلو أصبح الآن بين 20 – 25 ريالا لنفس الكيلو الذي لم يتغير بالوزن ولكنه تغير بالسعر. وقس على ذلك بقية السلع والخدمات.
وفي الختام نقول إن مسببات الخوف لا تزال كثيرة منها، تقهقر الإحساس بالمواطنة، وانهيار النظام الاجتماعي، والاضطهاد في العمل، ومشكلة السكن، والخوف من الازدحام المروري، ووصل الخوف إلى أن المسؤول يبعد الكفاءات لأنه يخاف من منافستهم له على كرسي "الحلاق". والسؤال البريء: أليس من المفروض أن يكون القطري أسعد إنسان في الدنيا ولا تطارده المخاوف؟.
ونصيحة أخيرة للجميع: خففوا على إخوانكم وخذوا بأيديهم عندما يقولون لكم إنهم يشعرون بالتوتر والتعب والدوار وزيادة عرق راحة اليد، فهذه وغيرها من أعراض الشعور بالخوف.
والله من وراء القصد ،،

Comments

Popular posts from this blog

مجلس الشّورى والتّقاعد

الحصار وتخبط غرفة قطر

الأرض والقرض للجميع