تفنيش المواطنين أرحم

 

تفنيش المواطنين أرحم

بما ان العملية الجراحية تأجلت، والحمد لله، ليوم الثلاثاء القادم، ولهذا قمت بالبحث في ادعاء بعض الوزراء بوجود "فائض" من المواطنين القطريين. لقد تناقلت وسائل الإعلام المختلفة خبر إرسال عدد من الوزارات والجهات الحكومية المختلفة القوائم والكشوف التي تضم أسماء الموظفين "الفائضين" عن الحاجة بعد الدمج إلى وزارة التنمية الإدارية لنقلهم إلى جهات أخرى. وذلك، كما يقولون، من أجل إعادة توزيعهم على جهات لديها احتياج في الموظفين (الشرق 28/2/2016). وهذا الأمر، ومن خبراتنا السابقة، ما هو إلا تمهيد لتحويلهم إلى البند المركزي، أو الإحالة للتقاعد القسري. بمعنى آخر، قتل مجموعة من المواطنين وهم في ريعان الشباب. واستدراكاً من الوزارة المختصة قامت، بتاريخ 16/3/2016، بشرح أبعاد ذلك القرار بقولها "لا صحة لإنهاء خدمات مواطنين بسبب دمج الوزارات". وأضاف المصدر "المطلع" أن كل ما يتم العمل عليه حاليا هو "إعادة تسكين وتوزيع الموظفين "الفائضين" عن حاجة الإدارات المختلفة بنفس المخصصات المالية والدرجات الوظيفية التي كانوا يعملون بها قبل الدمج وذلك وفقا لاحتياج الجهة التي سيتم توزيعهم عليها". ونسى المصدر "المطلع" ما ذكره بنقل المواطنين وقال "سيتم النظر في احتياجات الإدارات داخل كل وزارة أولاً" (لو كان هذا صحيحاً لما طردتهم). تناقضات واضحة في تصريحات المصدر "المطلع" لكن في كل الأحوال اللي بيأكلها، ليس المصدر "المطلع"، ولكنهم أبناؤنا وبناتنا من المواطنين.
إن سكوت مجلس الوزراء الموقر على ما يقوم به كل وزير على حدة، أو بالتنسيق مع الوزراء الآخرين، هو أمر عجيب في حد ذاته. وأعتقد جازماً بان التصريح الثاني جاء بناءً على طلب من معالي رئيس مجلس الوزراء الذي، بحسب معرفتي به، لا يرضى بالضرر لأي مواطن. والأعجب من ذلك هو سكوت "الناصح الأمين" الذي تناسى النصح وفقد الأمانة في تنبيه الحكومة للأضرار التي ستواجه المواطنين من جراء قرارات النقل. وأقصد بذلك مجلس الشورى الذي يركز على تقنين التجارة الإليكترونية وارتفاعات المباني أو بكل ما له علاقة بنشاط أعضائه الخاص. إن سكوت المجلسين عما يحدث من أخطار تتعلق بمستقبل المواطنين لهو أخطر من إحالة بضعة مئات من المواطنين إلى البند المركزي أو احالتهم للتقاعد القسري.
إن من حق الوزير تعيين من هم في وظائف الدرجات الأولى فما دونها أو ما يعادلها، وذلك كما نصت عليه المادة (13) من قانون رقم (8) لسنة 2009 بشأن قانون إدارة الموارد البشرية، وله الحق أيضاً في تفنيش أي موظف إذا تحققت فيه الشروط المذكورة بالمادة (159) من نفس القانون (أو لم تتحقق). لكن ليس للوزير الحق في نقل أي موظف إلا إلى وظيفة شاغرة بذات درجته وتتوافر فيه شروط شغلها (المادة 80)، وبشرط موافقة الرئيسين المختصين (المادة 79)، ولا يكون هذا النقل نافذاً إلا بعد اعتماده من وزارة التنمية الإدارية (المادة 176). وبهذا يتضح لنا أن ما جاء في خبر نقل "الفائضين" هو أمر يخالف القوانين المعمول بها. ولكن الظاهر أن القانون لا يطبق على الوزراء.
أما عملية إعادة توزيع المواطنين "الفائضين" عن الحاجة فأقول: يا أيها الوزراء المحترمون: أين هم "الفائضون"؟ إن المواطنين لا يشكلون حالياً سوى 7ر4 من اجمالي العمالة في دولة قطر. فلو قلنا مجازاً إنه جرى تعيين جميع المواطنين من الرجال والنساء، ومن الشباب والشيبان، ومن الأطفال والرضع، أو حتى الذين في بطون الامهات، فلن تصل نسبة التغطية من العمالة الكلية الحالية سوى 8 %. فالرجاء حدثوا العاقل بما يعقل، ولا تتحدثوا هكذا عن المواطنين القطريين الذين هم قلة في عدد السكان وقلة أكثر في عدد العمالة. إنكم بهذا الأسلوب العنتري على المواطنين، وليس على الوافدين، سوف تتركون المجال للعمالة الوافدة، وبشكل سريع، لتشكل 100 % من القوة العاملة في الدولة. ولهذا فإنه من الأفضل، حسب ما أرى، القيام بتفنيش جميع المواطنين من الآن لأنه أرحم من القتل البطيء والانتظار القاتل لقرار طائش من أحد الوزراء بتنحيتهم وبقتل همتهم وعزيمتهم لخدمة وطنهم وهم في ريعان الشباب.
وفي الختام قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه "عمر الله البلدان بحب الأوطان". ونحن نقول إن الأوطان لا تبنى إلا بسواعد أبنائها وتفاني شبابها ورجالها ونسائها، لكن هذه السواعد، مع استهدافها بالتدمير المستمر من مختلف الجهات، أصابتها حالة من اليأس والاحباط وفقدان الأمل. واصبح المواطن حائراً بدون حلم أو هدف، ولا يعرف كيف يعيش حياة كريمة. إن بلادنا أصبحت للوافدين هي بلاد الأحلام، أما للمواطنين فهي أصبحت، وبدون شك، بلاد الأوهام.
والله من وراء القصد،،

Comments

Popular posts from this blog

مجلس الشّورى والتّقاعد

الحصار وتخبط غرفة قطر

الأرض والقرض للجميع