إلغاء الدعم رحمة

 

إلغاء الدعم رحمة

لقد كتبت مقالين عن كيفية معالجة عجز الموازنة، أحدهما عن رفع الدعم عن الدقيق ودفع الدعم مباشرة للمواطنين مما سيوفر أكثر من نصف مليار ريال سنوياً (الشرق 28/2/2016)، والثاني عن إجبار الجمعيات الخيرية على دفع رواتب الضمان الاجتماعي (الشرق 6/3/2016). كل ذلك كان بهدف دعوة الحكومة إلى أن تبتعد عن أرزاق الناس في رواتبهم (عن طريق إلغاء بعض البدلات)، أو في الرسوم التي تفرض، أو تلك التي ستفرض عليهم مستقبلاً.
لا شك أن الثروات الطبيعية لدولة قطر أوجدت موارد مالية كبيرة لمواجهة متطلبات النمو، ولكنها وللأسف خلقت مجتمعاً استهلاكياً أرهق ولا يزال يرهق الموازنات العامة، وبه تحولت دولتنا من دولة خدمات عامة إلى دولة رفاهية اجتماعية، ومع أنه قد مر على قطر عدة انخفاضات في أسعار النفط، كان آخرها في 2009، ولكنها لم تستفد من التجارب التي مرت عليها. والعجيب أنه عندما تعود الأسعار إلى الارتفاع يعود الإنفاق الحكومي إلى الارتفاع وكأن شيئاً لم يكن، وفي كل مرة نجد ان المواطن الذي لم يستفد من ارتفاع اسعار النفط، يتم تحميله نتائج انخفاض تلك الأسعار، والسؤال: كيف يمكن علاج عجز الموازنة دون فرض أعباء على المواطنين ودون المساس برواتبهم وأرزاقهم؟
عندما فرضت الدولة دعم المواطن في السلع الأساسية والخدمات، بدأ ذلك منذ عهد الشيخ علي بن عبدالله آل ثاني، حاكم قطر، كان المستفيد الأعظم من ذلك الدعم هم المواطنون لأنهم كانوا يشكلون 60 % من إجمالي عدد السكان، أما اليوم فإن المواطنين لا يشكلون سوى 9 % من الإجمالي. وعليه فإن المستفيد الأعظم من الدعم الآن هم الوافدون، وبه لم تعد سياسة دعم المواطنين ذات جدوى. وأصبح من المهم إعادة هيكلة الإنفاق العام بشكل دائم، وليس بصفة مؤقتة، وترتيب الاولويات التي تهم المواطن، ولتحقيق ذلك فإنه من المهم إلغاء كافة أشكال دعم السلع والخدمات، وتطبيق فكرة أن يقوم 91 % بتحمل أعباء 9 %، والذي لا يعرف مغزى هذه النسب المئوية فأقول له إن هذه النسب تمثل عدد الوافدين إلى المواطنين في التركيبة السكانية لدولة قطر، ويجب ألا يغيب عن البال أن الوافدين يتزايدون شهرياً بمعدل 200 ألف نسمة، مما يعني أن تلك النسب التي ذكرناها سترتفع للوافدين وستنخفض للمواطنين.
إنني أدعو سمو الأمير المفدى إلى إلغاء كافة أشكال الدعم، (ما عدا الصحة والتعليم) وإعطاء أموال الدعم، وبشكل مباشر للمواطنين، ولكن في هذا يجب أن نكون حذرين، ويجب دراسة كل موضوع على حدة، فمثلاً دعم الوقود (على سبيل المثال لا الحصر) جاء بنتائج سلبية عديدة منها زيادة شراء السيارات وما سببته من ازدحامات في الشوارع، واختناقات مرورية، أدت بالتالي إلى زيادة أكبر في استهلاك الوقود، ولا ننسى الضرر على الإنسان والبيئة من الانبعاثات الكربونية الخارجة من عوادم المركبات، ولذلك أصبح من الضروري تحرير أسعار الوقود لتتساوى بما هو معمول به في غالبية الدول التي أتت منها العمالة الوافدة "سعر لتر البترول العادي بالريال = 2. 4 في الهند، و8. 4 في بنغلاديش، و6. 4 في الباكستان، و8. 5 في أمريكا. أما سعر لتر الديزل بالريال = 3 في الهند، و3 في بنغلاديش، و8. 2 في الباكستان، و7. 4 في أمريكا). ولكن يجب أن تسبق ذلك جهود جادة لتحسين وسائل النقل العام (كروة)، خاصة في مدينة الدوحة والمدن الرئيسية الأخرى، وفيما بينها، وأن تعمل وزارة الاقتصاد والتجارة على الحد من ارتفاع اسعار السلع والخدمات بحجة ارتفاع أسعار الوقود (الهند وأمريكا وقودهما أعلى من قطر وأسعارهما أقل)، وعلى الجانب الآخر فإن على وزارة المالية إحصاء سيارات المواطنين لحساب قيمة الدعم الشهري، أو السنوي المفترض دفعه لكل أسرة، والذي يجب ألا يكون نقداً، بل من خلال بطاقات، ولا خوف من قيام المواطن ببيع هذا الدعم للغير، لأنه متى ما انتهى رصيده من الوقود المدعوم فإنه سيدفع عند التعبئة مثل البقية الباقية من السكان، وبهذا فإن المقيم سيدعم الموازنة، والدولة تطلع من العملية غير محققة أية خسارة، والمواطن لا يتحمل أي تكاليف. وبه تصبح وزارة المالية تتسلم الأموال بدلاً من دفعها.
وفي الختام نقول إنه لدينا ايرادات، والحمد لله، تكفي أجيالا وأجيالا قادمة من المواطنين، ولكن تنقصنا الإدارة القادرة على تحويل دولة الرفاهية الاجتماعية إلى دولة الخدمات العامة، ولتحقيق ذلك فإن الدولة مطالبة بإيجاد آلية واحدة لرفع الدعم عن جميع السلع والخدمات وتسليمها مباشرة للمواطنين، وهذا في حد ذاته سيعمل على تغيير الثقافة الاستهلاكية لدى المواطن.
والله من وراء القصد،،

Comments

Popular posts from this blog

مجلس الشّورى والتّقاعد

الحصار وتخبط غرفة قطر

الأرض والقرض للجميع