الجمعيات الخيرية وعجز الموازنة

 

الجمعيات الخيرية وعجز الموازنة

قال تعالى "إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ" التوبة: 60، لقد فرض رب العالمين الزكاة وقسمها للفئات الثماني المحتاجة التي ذكرت في الآية. وعندما نبحث في فئة الفقراء والمساكين فإننا نجد، كما حدد الكثير من العلماء، أن هذه الفئة تشمل الأيتام والأرامل والمطلقات والمسنين والمرضى وطلاب العلم والعاطلين عن العمل وأسر المفقودين والسجناء وذوي الاحتياجات الخاصة والأسر المتعففة والمنكوبين. وبالرجوع إلى المادة (3) من قانون رقم (38) لسنة 1995 بشأن الضمان الاجتماعي القطري، نجد أن الفئات التي حددها القانون لا تختلف عن القائمة التي استنبطها العلماء من فئة الفقراء والمساكين. أما من حيث الدفع فإن العلي القدير لم يترك الأمور على كيف ومزاج عباده في الدفع أو عدم الدفع، بل أمر ولي الأمر أن يأخذ الصدقات، بالطيب أو بالإكراه، من الأغنياء ليعيد توزيعها على بقية أفراد المجتمع من الفئات المحددة وذلك لقوله تعالى "خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا.." التوبة: 103. ولهذا قام ولي الأمر بإنشاء صندوق للزكاة. ولكن، وللأسف، نجد غالبية ولاة أمر المسلمين لم يتبعوا منهج أبي بكر الصديق رضي الله عنه الذي قال "والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة، فإن الزكاة حق المال، والله لو منعوني عناقاً (وفي رواية عقال بعير) كانوا يؤدونها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم على منعها". والمشكلة أن الفئات الثماني التي تم تحديدها نجدها في كل بلاد المسلمين، وغير بلاد المسلمين.. إذاً لمن ندفعها؟ إن الإسلام، وحسب فهمي له من النصوص القرآنية والأحاديث الشريفة، لم يترك هذا الأمر للاجتهاد الشخصي، فقد قسم المحتاجين للصدقات إلى دوائر، وذلك مصداقاً لقول رسولنا الكريم عليه أفضل الصلاة والتسليم "ابدأ بنفسك فتصدق عليها، فإن فضل شيء فلأهلك، فإن فضل عن أهلك شيء فلذي قرابتك، فإن فضل شيء فهكذا وهكذا، يقول: فبين يديك، وعن يمينك وعن شمالك" وفي حديث آخر قال صلى الله عليه وسلم "الصدقة على المسكين صدقة، وهي على ذي الرّحم اثنتين: صدقة وصلة". وهذه الأحاديث الشريفة تبين أهمية توفير ما يحتاج إليه أهل البلد، وأنه يجب الصرف على أعمال الرعاية الاجتماعية محلياً، وما يفيض من أموال يتم إرسالها إلى المحتاجين المسلمين في الخارج. ونأتي الآن إلى لب موضوع مقالة هذا اليوم وهو موازنة الرعاية الاجتماعية.
لقد حاولت الحصول على احصاءات عن حجم المخصصات من الموازنة العامة للضمان الاجتماعي، ولكني لم أجد سوى عدد المستفيدين من الضمان الاجتماعي. ولمعرفة كم رصد في الموازنة لهذه الفئات = 500ر12 مستفيد × 000ر6 ريال/فرد شهرياً × 12 شهرا = 900 مليون ريال سنوياً. وطبعاً لم نجد في الاحصاءات قيمة إيرادات الجمعيات الخيرية العاملة في قطر. ولكن كمؤشر لعمل الجمعيات نلاحظ أنه قد وصلت إيرادات التبرعات لجمعية قطر الخيرية، في عام 2014، مبلغا إجماليا يبلغ 920 مليون ريال قطري (الشرق 2/5/2015). هذا المبلغ هو لجمعية واحدة فقط، ولو أضفنا بقية الجمعيات الخيرية (9 ما بين جمعية ومؤسسة)، فإنني أعتقد أن إيراداتها لن تقل عن 5 مليارات ريال قطري سنوياً. ومن مراجعتي لموازنة المملكة العربية السعودية وجدت أنه قد ذكر من بنود الإيرادات الحكومية بند الزكوات. وبالسؤال عن الموضوع وجدت أن أموال الزكوات هي حق للأسر والأفراد المحتاجين، وتجبى بواسطة مصلحة الزكاة والدخل، ويصرف منها على المستفيدين من الضمان الاجتماعي. ولقد قامت السعودية بفتح حساب في بعض البنوك العاملة للضمان الاجتماعي لمن يرغب في إيداع زكاته، وقامت بفتح حساب آخر تودع فيه زكاة عروض التجارة. ذلك ما يحدث في السعودية، أما ما يحدث في قطر فهو يختلف، حيث إن أكثر أموال الجمعيات الخيرية تجد طريقها، وبجدارة شديدة، لخارج الحدود (ما عدا جمعيتين لا تتلقيان إيرادات من غير مصادرهما الخاصة وتعملان فقط في قطر وللقطريين).
وفي الختام أقول أنه يجب على ولي الأمر أن يفرض الزكاة فرضاً على المسلمين في قطر (أحد أركان الإسلام الخمسة) وأن يقوم بجباية الجزية من غيرهم، وأن يجبر الجمعيات الخيرية العاملة في قطر على تسديد ما عليهم تجاه أهاليهم من أفراد المجتمع المحتاجين، وذلك كما حدده عليه الصلاة والسلام "خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي". وإنه من المهم أن لا يخصص أي مبلغ من مبالغ "وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا" لمجالس الإدارات لأنهم في الحقيقة ليسوا من العاملين عليها.
والله من وراء القصد،،

Comments

Popular posts from this blog

مجلس الشّورى والتّقاعد

الحصار وتخبط غرفة قطر

الأرض والقرض للجميع