قطر ودعم المواطنين

 

قطر ودعم المواطنين

في مقالة الأسبوع الماضي، طرحت فكرة عن أحد حلول عجز الموازنة، وهو: هل يكون برفع الدعم الكامل عن المحروقات والسلع الأساسية وتعويض المواطنين عنها؟ وهذه الفكرة ذكرتني بما قرأته عن كل من ولاية ألاسكا الأميركية ومقاطعة ألبرتا الكندية اللتين يحصل مواطنوهما على مدفوعات سنوية من إيرادات النفط. وفي البحث في تقارير البنك الدولي، وجدت في أحدها التوصية التالية: "أنه ينبغي على دول مجلس التعاون الخليجي التفكير في إعطاء الأموال التي تستخدم لإبقاء أسعار الوقود منخفضة بشكل "مصطنع" إلى السكان المحليين مباشرة". وأضاف التقرير "ما إن تبدأ (دول الخليج) في إلغاء الدعم، وتتحرك صوب التحويلات النقدية المباشرة (للمواطنين)، تحصل على كثير من الميزات، ومنها خفض التلوث وانسيابية حركة المرور، إلى جانب زيادة استهلاك سلع أخرى". وفي المقابل، نجد أن كثيرا من مؤسسات التمويل الدولية تواصل ضغوطها على دول مجلس التعاون الخليجي وتطالبهم بسياسة مالية واقتصادية تقشفية، مثل فرض الضرائب، وتخفيض الرواتب من خلال إلغاء البدلات، ومرونة سوق العمل (أي حرية فصل الموظفين والعمال)، وتقليص العمالة المواطنة من القطاع الحكومي، وغيرها الكثير. ولكن كل خبراء المؤسسات المالية الدولية ينطلقون بتوصياتهم من خلفيتهم المالية والاجتماعية، وليس من خلفية المجتمع القطري. فعندهم النفط يدار من قبل الشركات الخاصة، والتي تقوم بدفع ضرائب عالية للحكومة، في حين أن النفط في الخليج هو ملكية عامة، يدار من الحكومات لصالح المجتمع، وبهذا فالكل شريك في هذه الثروة، والدعم هنا هو نوع من توزيع الثروة النفطية على المواطنين. وهناك تقاس السلع والخدمات من مبدأ الربح والخسارة، أما هنا فهي حق للمواطن تقوم الدولة بتوفيرها من خلال الحكومة. ولهذا، ولغيره من الأسباب، أرى أن ما يصلح لهم ليس بالضرورة مناسب لنا. إن الاستماع لنصائحهم ومطالباتهم قد يؤدي إلى بعض التحسن في المؤشرات المالية، ولكنها قد تترك آثاراً سيئة على أفراد المجتمع، مثل زيادة البطالة، وزيادة الفقر، وخلق الطبقية بين المواطنين (بين الذي يملك والذي لا يملك). وطبعاً من لا يملك لا يخدم ولا يهتم به سواء في الخدمات التعليمية، أو الصحية. وفي الأخير قد يؤدي ذلك إلى تنافر بين الكيانات السياسية والكيانات الشعبية، مما قد يهدد الاستقرار والسلام الذي عرفت به مجتمعاتنا.
إن ما تعاني منه دول الخليج، ومنهم قطر، هو الهدر المالي العالي، والدعم الذي يدفع لغير مستحقيه. ولقد ذكرت في مقالة سابقة بأن عدد سكان قطر، في 2015، وصل إلى حوالي 3 ملايين نسمة، منهم 280 ألف مواطن. وبهذا نعرف أن كل الدعم الحكومي للسلع والخدمات يذهب إلى غير المواطنين، فمثلاً كيس الدقيق يكلف الدولة 72 ريالا، وتبيعه للمخابز بـ 36 ريالا، وتسجل خسارة تبلغ 36 ريالاً على الكيس الواحد. ولمعرفة مقدار الهدر المالي الذي يدفع في الدقيق، فإنه يجب علينا إجراء عملية حسابية تقديرية (مع اعتبار أن كل شخص يستهلك رغيفين في اليوم) = عدد السكان 3 ملايين نسمة × 2 رغيف ÷ 300 رغيف/كيس في اليوم × 365 يوما في السنة × 36 ريالا قيمة الدعم لكل كيس = 8ر262 مليون ريال في السنة. ولمعرفة حجم الدعم الذي يصل للقطريين من الدقيق = 280 ألف مواطن × 2 ÷ 300 رغيف/كيس في اليوم × 365 يوما في السنة × 36 ريالا قيمة الدعم لكل كيس = 5ر24 مليون ريال من إجمالي دعم الدقيق البالغ 8ر262 مليون ريال. فلو رفعت الدولة يدها عن دعم الدقيق، ودفعت الدعم بشكل مباشر للمواطنين، لأصبح لزاماً على الدولة دفع 5ر24 مليون ريال لهم، ولكنها في مقابل ذلك، قد قامت بتوفير 1ر501 مليون ريال سنوياً. التوفير الذي ذكرناه هو لسلعة واحدة فقط وهو الرغيف. فلو أضفنا غيرها من السلع والخدمات لأصبحت مبالغ التوفير بعشرات المليارات من الريالات القطرية في السنة.
وفي الختام نقول إن التوقعات المحتملة تؤكد استمرار انخفاض أسعار النفط لفترة من الوقت، ولهذا فإنه لزاماً على الدولة أن تبتعد كلياً عن أرزاق الناس، وأن تزيل كافة أشكال الدعم عن السكان ككل، ولكنها تقتصر به على مواطنيها. وأن تتم إدارة موارد الدولة، والتي هي موارد الشعب، بفعالية وشفافية. إننا نحتاج، لتعزيز الاستقرار والسلام في بلادنا، إلى نمط جديد يبنى على حاجتنا، وليس على حاجة غيرنا، نظام يقوم على تلبية احتياجات المواطنين الاقتصادية والاجتماعية، وتعالج التخبط في الخطط، والنمو غير المجدي الذي أهدر ولا يزال يهدر ثروات الشعب.
والله من وراء القصد ،،

Comments

Popular posts from this blog

مجلس الشّورى والتّقاعد

الحصار وتخبط غرفة قطر

الأرض والقرض للجميع