خبراء في قطع الأرزاق

 

خبراء في قطع الأرزاق

عندما كتبت مقالة "المواطن يدفع عجز الموازنة" ذكرت أن سمو الأمير المفدى كان أكثر إيجابية ممن طالب برفع الرسوم وإيجاد رسوم جديدة على المواطن والمقيم (انظر الشرق 3/1/2016). ولكن، في الأيام الماضية، قامت بعض الجهات، وبدون التفريق بين سلع وخدمات اختيارية أو أساسية، بالتفنن في توجيه الصفعات للمواطن. فبدأ البريد برفع رسومه بنسب عالية على صناديق البريد التي غطت تكاليفها الاستثمارية منذ عشرات السنين، في حين أن البريد يصل إلى منازل بعض مواطني دول الخليج بدون أي رسوم. وبعدها قامت "وقود" برفع سعر بيع المحروقات، بحجة أن أسعارهم أقل من الأسعار العالمية، وفي هذا مغالطة كبيرة، لأن سعر المحروقات في الدول المستوردة يدخل فيها تكاليف الشحن، والنقل، والضرائب، ورسوم متنوعة وغيرها. ولهذا فمن المفروض أن تكون أسعارنا أقل. إن رفع أسعار المحروقات سترفع من تكلفة الكثير من السلع والخدمات وستؤثر بدورها على إنفاق المواطن. وبعد ذلك اتجهت أيدي المسؤولين، وبدون سابق إنذار، على قطع أجزاء من بدلات الموظفين. نحن نعرف أن مثل هذه البدلات ليست جزءاً أساسياً من الراتب المتعاقد عليه مع الموظف، ولكن هذا الموظف، ولفترة طويلة جداً، كان يتحصل عليها واعتبرها كجزء أساسي من نظامه المعيشي وإن قطعها مرة واحدة قد يؤدي إلى مشاكل لا حصر لها أقلها الصعوبة في سداد أقساط ديونه.
إن وجود عجز في الموازنة خطير جداً لأنه يؤدي إلى نتائج كارثية على المجتمع منها، على سبيل المثال، الإهمال في توفير الخدمات التعليمية والصحية وغيرها للمواطنين. والسؤال: هل فعلاً قطر تعاني من عجز في الموازنة؟ أقول وبكل ثقة إن التصريح بوجود عجز في موازنة 2016 هو ادعاء غير صحيح، ويمكن معالجة ما ذكروه من أسباب بوسائل عدة منها: 1. انخفاض الإيرادات من النفط والغاز: ولمعالجته فإن على الدولة تشغيل مصافي النفط الموجودة في قطر بطاقتها القصوى وتأجير مصاف عالمية لتكرير النفط القطري. إن بيع المنتجات البترولية في الأسواق العالمية له مردود أعلى من بيع النفط الخام. ويجب على الدولة، في مجال الغاز، المشاركة مع المصانع العالمية لمعالجة وتصنيع الغاز القطري إلى منتجات نهائية أو شبه نهائية مما سيضاعف قيمة بيع الغاز الطبيعي. 2. مخصصات الرواتب والأجور: وهذا البند يستنزف حوالي ربع إجمالي الموازنة. إن مؤسسة البترول قامت بتسريح عدد كبير من العمالة، ومع ذلك لم تتأثر عملياتها، بل أدى هذا الأمر إلى تخفيض التكاليف الكلية لإنتاج النفط والغاز. ولحل هذا الأمر فإن على الحكومة إنهاء تعاقدات العمالة الزائدة، أو العمالة منخفضة الأداء، الأمر الذي سيقلص مخصصات هذا البند. 3. سداد فوائد الدين العام: بلغ الدين العام للدولة حوالي 67 مليار ريال. ويتكون الدين العام من أذونات (صكوك خزانة) أو قروض بنكية. ولمكانة دولة قطر المالية في الأسواق العالمية، فإني أحث الدولة على الاقتراض بنسبة فوائد متدنية، وتسديد قيمة السندات أو الصكوك الحكومية ذات الفوائد المرتفعة. 4. مشاريع كأس العالم 2022: وهي مشاريع ليست مصممة لتوفير الرفاهية والعيش الرغيد لأهل قطر، بل هي لحدث لن يستمر أكثر من عدة أسابيع. ولهذا فإن على الدولة إعادة تصميم المنشآت والملاعب الرئيسية بما يتناسب مع الحدث، وتقليص الميزانيات في أعمال الديكورات والإضافات التي يمكن الاستغناء عنها، علماً بأن عقود البناء تتضمن الحق في خفض أو رفع قيمة أعمال العقود الإنشائية. 5. الإنفاق الحكومي المتضخم: لابد من ترشيد هذا الإنفاق، وبخاصة الإنفاق على الشركات الحكومية الخاسرة والتي تكلف ميزانية الدولة الكثير، ولا ننسى إيجار الوحدات السكنية الخالية، والدعم الذي يقدم لبعض الشركات ويستفيد منه الأجنبي أكثر من القطري. بجانب كل ذلك فإن هناك مصادر تمويلية أخرى تستطيع الدولة فرضها أو رفع الرسوم عليها لأنها اختيارية وليست أساسية، مثل رسوم دخول ومغادرة البلاد، أو رفع رسوم دمغة الذهب والفضة، أو بيع بعض الأصول العامة التي يمكن أن يديرها القطاع الخاص .. وغيرها الكثير والكثير. مع العلم أن لدينا إيرادات متنوعة لم تحسب من ضمن الموازنة.
وفي الختام نقول إنه من المهم تخفيض عجز الموازنة، لكن هذا التخفيض سيكون بلا معنى إن لم يشعر المواطنون بالعائد منه وبخاصة في الخدمات الحكومية، وكذلك في استقرار الأسعار. أطالب الحكومة بتنفيذ توجيهات سمو الأمير "بضرورة سد الثغرات في إطار التخطيط، ووقف الهدر في الصرف"، بدلاً من التركيز على رفع أسعار السلع والخدمات الأساسية، وقطع بعض البدلات عن المواطنين. ونتساءل: هل تملك اليابان، التي تساعد كثيرا من دول العالم، نفطاً؟
والله من وراء القصد ،،

Comments

Popular posts from this blog

مجلس الشّورى والتّقاعد

الحصار وتخبط غرفة قطر

الأرض والقرض للجميع