جاء للنصيحة هامساً

 

جاء للنصيحة هامساً

جاء أحد الأشخاص للسلام، ولكنه تفاجأ بوجودي في المجلس بصحة وعافية، فجلس بجانبي وقال لي هامساً: يا دكتور.. نصيحة لوجه الله.. "يوز" عن الكتابة في المواضيع التي قد تجلب لك المشاكل مع الجهات الأمنية، وتخلق لك عداوات مع المسؤولين. فقلت له: مثل ماذا؟ فقال: مثل مقالة "المواطن يدفع عجز الموازنة" (الشرق 03/1/2016)، ومقالات "الجابرو" (عدة مقالات). فقلت له: إن ما أكتبه هو رأيي الخاص تكَّون مما أسمعه من المواطن والمقيم أو مما ينشر في الجرائد المحلية وأقوم بمجرد علمي بأي موضوع قد يعترض تنفيذ خطط التنمية بالبحث فيه والتقصي عن حقيقته. فكل مقالة أكتبها هي في الأصل بحث علمي أصيل تزيد صفحاته على اثني عشر صفحة. وفي النهاية أقوم باختصاره إلى حوالي 650 كلمة (حوالي صفحة ونصف الصفحة)، وأرفق معه مقترحات مبنية على خبرات قطرية متراكمة. وعندي سؤال بريء لك يا أخي الهامس بالنصيحة: هل ما كتبته فيه شيء من عدم الصحة؟.. أليس هذا ما تتحدثون به في مجالسكم بشكل يكاد يكون يوميا؟ ولكن الفرق بيني وبينك أنني أتكلم بصوت مسموع متمثلاً بقوله تعالى ".. إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاَحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ" هود: 88، بينما أنت، وآخرين على شاكلتك، ما زلتم مستمرين بالهمس ونقد الحكومة لمجرد النقد بدون تقديم حلول عملية تساعد الحكومة في مسيرتها التنموية.
لقد بدأت بالكتابة، وبدعم كامل من جريدة الشرق، في موضوع "بيوت البر" وكان ذلك في يناير 2009، حيث حاول أحد رؤساء اللجان الحكومية، ولقصور منه في فهم القانون، اغتصاب أملاك المواطنين التي توارثوها أباً عن جد بحجة وقوعها خارج حدود المدن والقرى. وكان أول سطر كتبته "أرجو أن لا يكون كلامي برداً وسلاماً على الجهات التي لها علاقة بالموضوع". وكنت أكتب كل مرة صفحة كاملة إلى أن جاءني شخص كريم وأخ عزيز قائلاً "إن سمو الأمير يبلغك سلامه ويقول لك إن رسالتك قد وصلت". فقلت له "بلغ سمو الأمير سلامي وقل لسموه إن رسالته قد وصلت". عندها، وبعد نشر ست مقالات، توقفت عن نشر الباقي (كان عدد المقالات الجاهزة للنشر 12 مقالة). واتخذ بعد ذلك سمو الأمير عدة قرارات لإعادة الحق المنزوع من المواطنين، وكان أولها إلغاء تلك اللجنة الحكومية، وأرسل الموضوع لمجلس الشورى الذي أقر بأحقية المواطنين لتلك الأراضي، ولكن القرار النهائي ضاع في أروقة مجلس الوزراء السابق.
صحيح إن نقدي جاف وقاس، ولكني في النقد لا أجامل أي أحد على حساب المصلحة العامة. ومع ذلك لم أفقد صداقة من انتقدتهم، لأن النقد لم يكن موجها لهم، بل موجه للخطط التي يعملون عليها. فمثلاً عندما أنتقد الحكومة، فالنقد موجه لتحرك الحكومة في تنفيذ خططها، وليس لمعالي الشيخ عبدالله بن ناصر بن خليفة آل ثاني رئيس مجلس الوزراء الذي أعتز به، وأعتبره أخاً لي قبل أن يكون مسئولاً عني وعن البلاد بأسرها. ولم تنقطع لقاءاتي مع معاليه وكان آخرها يوم الثلاثاء 5/1/2016 عندما ذهبت إليه مصطحباً مجموعة من أمهات أطفال التوحد ليعرضن عليه مشاكل أطفالهن. أما المثال الآخر فهو نقدي لشركة حكومية. فعندما انتقدت شركة قطر للمواد الأولية بتسعة مقالات متصلة فيها الكثير من قساوة النقد، إلا أن النقد لم يكن موجها لأخي سعادة المهندس عيسى بن حسن الحمادي الرئيس التنفيذي للشركة. ولذلك لم تنقطع علاقتي بالمهندس الحمادي، وكنا نتقابل باستمرار في نفس الوقت الذي كانت تنشر فيه المقالات. إن المهندس الحمادي كان من طلابي المتميزين الذين أعتز بهم، وهو الشخص القدير على إدارة الشركة في هذه المرحلة الصعبة. ولمعلوماتكم.. فقد طُلِبَ من أخي الحمادي الرد على مقالاتي إلا أنه آثر أن تكون نتائج عمل الشركة هي التي ترد عليها، ولذلك بذل المزيد من الجهد والعطاء واستطاع تخفيض أسعار "الجابرو" من 130 ريالا للطن حتى وصلت قبل مدة إلى 85 ريالا للطن ويسعى لإيصال الأسعار إلى حوالي 72 ريالا للطن. وشخصياً أقول، وبكل ثقة، أنه "قدها وقدود".
وفي الختام أقول "إن الاختلاف مع أجهزة الحكومة، كما أراه، ظاهرة صحية في مجتمع الدستور والقانون، وإن نقدها يختلف عن محاولة عرقلة مساعيها. فمن مصلحتنا أن تنجح الحكومة، لأنه في حال الفشل فنحن جميعاً سندفع الثمن باهظاً. ولهذا سوف أستمر بإبداء الرأي بغية توجيه الوضع للأمثل لأنه يحز في قلوبنا أن نبدأ متقدمين عن الغير وبسبب تخبط تنفيذ الخطط يسبقنا هذا الغير". 
والله من وراء القصد،،

Comments

Popular posts from this blog

مجلس الشّورى والتّقاعد

الحصار وتخبط غرفة قطر

الأرض والقرض للجميع