الأمير والوطن

 

الأمير والوطن

الوطن هو مكان إِقامة الإِنسان ومقره، وإليه انتماؤه، ولد به أَو لم يولد ويرتبط به ارتباطاً تاريخياً طويلاً. وفي هذا يختلف الوطن عن الدولة. وسمو الأمير المفدى يؤكد على أن "المواطنة ليست مجموعة من الامتيازات، بل هي، أولا وقبل كل شيء، انتماء للوطن". ويضيف سموه بالقول ان "المواطنة مسؤولية". وطبعاً "يترتب على هذا الانتماء منظومة من الحقوق والواجبات تجاه المجتمع والدولة". كل ما ذكره سمو الأمير ما هو إلا مقدمة ليصل إلى الرسالة المهمة وهي أنه "لن يتسامح مع الفساد المالي والإداري، أو استغلال المنصب العام لأغراض خاصة، أو التخلي عن المعايير المهنية لمصلحة شخصية". ومن هذا المنطلق فإن سموه يدعو لأن "يدرك كل منا أن عليه أن يحمل مهام المرحلة ومسؤولياتها وأعبائها". ويوم 18/12 من كل عام هو يوم يجب أن يخصص للإجابة على أسئلة سمو الأمير وهي: 1. ماذا أعطيت أنا لبلدي ومجتمعي؟ 2. وما هي أفضل السبل لأكون مفيدا؟ 3. وماذا أفعل لكي أساهم في ثروة بلادي الوطنية بحيث تستفيد الأجيال القادمة أيضا؟" وأكد سموه بأن "المتوقع من المسئول في وظيفة عمومية أضعاف مما هو متوقع من المواطن العادي". وبهذا، وتأييداً لما رسمه سمو الأمير المفدى ومن قبله سمو الأمير الوالد، فإنني في كل مقالاتي لا أنتقد الوطن ولكني أنتقد الدولة بمؤسساتها من مبدأ رباني لقوله تعالى ".. إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاَحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ" هود: 88. والدول المتحضرة لا يعيبها أن تستمع إلى من ينتقدها انتقاداً بناءً ويقومها، لأن هذا فيه صلاح للوطن والدولة. ولكن المعيب على الدولة بمسؤوليها ومؤسساتها أنها تستمع للنقد، وتعرف أن النقد صحيح، ولكنها لا تعدل مسيرتها لتلافي ما بمسيرتها من أخطاء ستؤثر على الأجيال الحالية والقادمة.
لا أحد ينكر أن قطر، والحمد لله في الأول والآخر، أعطتنا بسخاء أكثر مما نرجو وننتظر، ونحمد الله ونشكره على أنه رزقنا قيادة حكيمة وواعية ورشيدة وهذه نعمة نحسد عليها. والحمد لله على أن قطر هي دولة فى خدمة مواطنيها، فهي بهذا المعنى "دولة الوطن" أو "دولة الشعب" وليست "وطن الدولة" مثل الكثير من دول العالم التي تمارس فيها الدولة القمع والتعذيب والاعتقالات، وحتى في أحيان كثيرة، القتل. ولكننا في قطر أصابتنا، وكما قال سمو الأمير المفدى، "ظواهر سلبية رافقتها (أي رافقت الثروة النفطية)، منها النزوع إلى الهدر في الصرف، وبعض الترهل الوظيفي في المؤسسات، وعدم المحاسبة على الأخطاء في حالات كثيرة، لأن توفر المال قد يستخدم للتغطية على الفشل في بعض المؤسسات". وهذه النقاط هي التي تؤثر تأثيراً سلبياً على تقدم الوطن، بل وتشجع على زيادة الأخطاء، وللأسف بعضها عن سبق إصرار وترصد. ولهذا ليس بغريب أن نجد التخبط في التخطيط ضاربا بجذوره، واللامبالاة نجدها عند كثير من المسؤولين، وذلك من مبدأ أزلي وهو أن "من أمن العقوبة أساء الأدب". وعندما اختار سمو الأمير، حفظه الله، تشكيلة الحكومة، وحتى يضمن إخلاصهم وتفانيهم في العمل لمصلحة "الوطن والمواطنين"، ألزم كل واحد منهم باداء اليمين: 1. بالإخلاص للوطن وللأمير. 2. برعاية مصالح الشعب رعاية كاملة. 3. باداء واجباته بأمانة وذمة وشرف (مادة (119) بالدستور). ولكن الذي يحدث أن كل وزير وضع على بابه أقفالا إلكترونية، ووضع من دون هذه الأقفال مدير مكتب الوزير ومدير مكتب مدير الوزير. ولضمان عدم وصول من "يرعى مصالحهم رعاية كاملة"، فقد قام بوضع رجل أمن أمام مكتبه، وآخر أمام مكتب مدير مكتب الوزير. وزاد على ذلك بأن وضع عند دخول مبنى الوزارة حواجز صعب تجاوزها، وجعل هناك من يسأل عن الغرض من الدخول، واسم الشخص المرغوب بالذهاب إليه، وبعد كل ذلك يأتي الجواب من فوق "اصرفوه.. قولوا له في اجتماع". وبه يرجع المواطن، من حيث أتى، مكسوراً مدحوراً. إن جلوسك أيها المسؤول مع المواطنين مهم جداً لأنه سيوصل إليك حقيقة ما يعاني منه لتصحيح الأخطاء التي تمارسها جهتك، وأن الاكتفاء بأخذ وجهة نظر المطبلين ومستشاري عبر الحدود هو الذي قاد إلى تبعثر الجهود وتخبط التخطيط.
وفي الختام نقول لبعض المسؤولين: عيب عليكم أن تجعلوا سمو الأمير ينادي بالإصلاح وأنتم "خبر خير". فالإصلاح، من وجهة نظري، يجب أن يبدأ منكم. وبمناسبة اليوم الوطني فإني أدعو سمو الأمير المفدى للحزم مع هؤلاء المسؤولين، ومثل ما نقول "اللي ما فيه خير لإخوانه المواطنين فلا تترجى منه خير للوطن".
والله من وراء القصد..

Comments

Popular posts from this blog

مجلس الشّورى والتّقاعد

الحصار وتخبط غرفة قطر

الأرض والقرض للجميع