سمو الأمير والقطاع الخاص

 

سمو الأمير والقطاع الخاص

وبعد أن تحدثنا الأسبوع الماضى عن الاهتمام بالمواطن القطرى ومحاربة الفساد والاهمال، والنقاط التى وردت فى خطاب سمو الأمير المفدى فى افتتاح دور الانعقاد 44 لمجلس الشورى، نأتى اليوم لتسليط الضوء على ما خصه سموه فى خطابه عن دعم القطاع الخاص. لقد ذكر سموه بأنه قد وجه "بعدم دخول المؤسسات والشركات الحكومية فى منافسة مع القطاع الخاص، وبتعزيز الفرص لهذا القطاع فى تنفيذ المشاريع الحكومية". ولا أعتقد بوجود مسئول لا يعرف مدلول هذه العبارة البليغة من سموه التى خصها للقطاع الخاص. اننا لا ننكر أن هناك أموراً عديدة تحققت للقطاع الخاص، وفى هذا نشكر الدولة على ذلك، ولكننا نطالبها، ليس بشكل "دولة الرعاية" ولكن بشكل "دولة التنظيم"، بالمزيد من الاهتمام واعطاء القطاع الخاص الثقة فى قدرته على انجاز الأعمال.
ان الانفتاح الاقتصادى والمالى الذى تسعى له دولة قطر، كما ورد فى خطابات سمو الأمير وسمو الأمير الوالد من قبله، مرتبط ارتباطاً وثيقاً بتسهيل الاجراءات وفتح المنافسة ومنع الاحتكار، مع قيام الدولة بتوفير كافة الضوابط الخاصة بتلك العمليات، واعطاء شركات القطاع الخاص الحرية الكاملة فى تأسيس شركات ذات طابع تنافسي، مع ابتعاد الحكومة عن الدخول فى القطاع الخاص لأن دورها يجب أن يكون تنظيميا اشرافيا وليس تجاريا. ومنذ بداية 2010 حتى لأسابيع قليلة ماضية (انظر جريدة الشرق) وأنا أطالب بدعم القطاع الخاص دعماً حقيقياً. وها هو سمو الأمير يؤكد فى خطابه على كل كلمة قلتها. ولكن من الملاحظ قيام عدة جهات، رسمية وشبه رسمية، بمخالفة صريحة لمواد الدستور، والسير بعكس توجهات سمو الأمير، وفى هذا الأمر خطر كبير على الموارد المالية العامة للدولة، وخطر أكبر على القطاع الخاص وأرزاق العباد.
لقد حدد سمو الأمير فى خطابه المشكلة التى يعانى منها رجال الأعمال والمستثمرون فى قطر. صحيح أن استخراج السجل التجارى يتم فى دقائق معدودة ولكن المشكلة تأتي: 1. بشروط الترخيص التجاري. 2. وباستخراج التأشيرات للعمالة. 3. وباللجنة الدائمة للاستقدام. أما الطامة الكبرى فهى اذا طُلِبَ من صاحب السجل الحصول على موافقة بعض الوزارات مثل وزارة البيئة، أو وزارة البلدية والتخطيط العمراني. وفى هذا نحن لا نتكلم عن أيام، ولكن هذا الأمر قد يتطلب شهوراً عديدة، وصاحب السجل يدفع ايجارات ومصروفات متنوعة (كهرباء ماء اتصالات..الخ)، بدون أن يمارس أى نشاط يدر عليه الدخل. وبعد أن يبدأ صاحب السجل العمل يتفاجأ بالمنافسة غير الشريفة من الأعمال غير النظامية، مثل من يأتى بتأشيرة زيارة، أو ممن يعمل من المنزل، أو من السماسرة الجوالين، الذين يقومون بسحب الأعمال من الشركات القطرية لميزة الأسعار المنخفضة بسبب عدم وجود مصروفات جارية عليهم. ولا ننسى الجنسيات الآسيوية التى تعمل وتنام فى محلاتها تحت سجلات المواطنين.
أما تصرفات الجهات والشركات الحكومية فانها تبعث على اليأس، فمثلاً طالب المجتمع بفتح شوارع تجارية جديدة بدلاً من التى أزيلت، ووجدنا جهات الاختصاص، بقصد أو بدون قصد، تحدد شوارع رئيسية ثانوية ضيقة كشوارع تجارية مما رفع سعر العقار أكثر مما كان عليه (زادت أسعار العقار عليها بحوالى ألف ريال للقدم المربع)، وبه زادت الايجارات. حتى وزارة الاقتصاد والتجارة، مع كل ما تقوم به من انجازات تشكر عليها، مجبرة من الشركات الاحتكارية على عدم الترخيص إلا بعد الحصول على موافقة تلك الجهات المحتكرة وكأن الاقتصاد القطرى هو اقتصاد اشتراكى وليس اقتصادا اسلاميا حرا. فى حين أن شركة حكومية قامت، منذ شهرين، بالتعاقد مع جهات حكومية لتوريد بضائع لها ضاربة عرض الحائط بخطط ورغبات وآمال سموه فى النهوض بالقطاع الخاص. ومن الأمور الغريبة أن الحكومة تمنع الشركات المواطنة من الجمع بين التصميم الهندسى والمقاولات، فى حين أنها تسمح بذلك للشركات الأجنبية. حتى الاستشارات القانونية ممنوعة على الشركات القطرية ومسموح بها للشركات الأجنبية. ما ذكرته هو أمثلة وهناك الكثير والكثير من الملفات الشائكة أمام تقدم القطاع الخاص فى قطر. ونحن نأمل صادقين أن تقوم وزارة الاقتصاد والتجارة، التى بيدها الحل، بتحجيم المحتكرين للأنشطة التجارية، وبتنظيم القطاع الخاص حتى يمارس دوره المأمول.
وفى الختام أعلنها صراحة ان التعامل مع المسئولين بطريقة "يا دهينة لا تنكتين" هو الذى أخرنا عن الركب، واذا استمر الوضع على ما هو عليه فان سمو الأمير سيستمر فى المطالبة بدعم القطاع الخاص، فى حين سيعمل المسئولون جاهدين على عرقلة القطاع الخاص، وبه لن تتحقق تنمية اقتصادية واجتماعية، ولن يضمن زيادة الكفاءة الاقتصادية لكل قطاعات الدولة.
والله من وراء القصد،،

Comments

Popular posts from this blog

مجلس الشّورى والتّقاعد

الحصار وتخبط غرفة قطر

الأرض والقرض للجميع