المواد الأولية قصص وعبر

 

المواد الأولية قصص وعبر

قال تعالى "لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُولِي الْأَلْبَابِ.." يوسف: 111. والقصص هي عبارة عن أحداث حدثت في الماضي ويجب الاتعاظ بها، ولكن لن يستفيد من هذه العبر الا أصحاب العقول. ان دولة قطر مرت، في تاريخها الحديث والمعاصر، بكثير من المحن والبلايا، وكلما قرأنا التاريخ أكثر نجد أن أهل قطر لديهم القدرة على تجاوز تلك المحن والشدائد. وانه من الطبيعي أن تستوحي الدول من تاريخها القوة والثبات لمزيد من العطاء، ولكن الخطر الحقيقي الذي تواجهه الدول هو أن تعيد التجربة الخاطئة، بنفس العوامل، مرات ومرات عديدة. لقد كتبت ثماني مقالات عن أداء شركة قطر للمواد الأولية، وهذه التاسعة والأخيرة، بهدف التحذير من مشكلة قد بدأت تتصاعد. وطبيعة هذه المشكلة تتشابه مع ما واجهته قطر في التحضير لاسياد 2006. ان ما حدث في آسياد 2006 قاد البلاد الى شبه هاوية ختمتها الأزمة المالية العالمية بتدهور شامل لمعظم المكتسبات التي تم تحقيقها، بل وقادت الكثير من المواطنين الى الفقر والافلاس والمحاكم، وبعضهم وصل الى السجون.
ان الذي قرأته في خطب سمو الأمير المفدى انه لا تهاون مع الفساد والاهمال، وهناك مؤشرات قوية على أن الحكومة الحالية تعمل جاهدة على تغيير مفاهيم الادارة بحيث تحقق، وبأسرع ما يمكن، الأفضل للبلاد والعباد. انه من المستحيل أن يتابع معالي رئيس مجلس الوزراء، — الله يعطيه الصحة والعافية —، كل صغيرة وكبيرة في البلاد، ولهذا فانه من الواجب أن نضع ايدينا مع يد معاليه لنحارب الفساد والاهمال بهدف تحقيق قول رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم "من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فان لم يستطع فبلسانه، فان لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الايمان". ان عدم توافر المواد الأولية وارتفاع أسعارها أدى الى حالة من الذعر لدى عامة المواطنين، وانتشرت بسببها بعض الاشاعات المغرضة، فكان لابد من الكتابة حولها بهدف الحد من تلك الاشاعات التي تضر ولا تنفع. واتضح لنا، بعد هذه السلسلة من المقالات، أن أسباب المشكلة ترجع الى الاحتكار، والى خلل في التخطيط مما ترتب عليه مجموعة من الأخطاء، الأمر الذي يستدعي الاسراع في تنفيذ عملية الاصلاح والتقويم لتعود الأمور الى سابق عهدها. انه من الخطأ ترك الشركة الاستمرار في العبث بمقدرات البلد لدرجة أنها تبنت، في هذه الأيام، منهجاً جديداً لا نعرف ما هو وما هي مضاره ومنافعه، مثل قول ادارتها "ان شركة قطر للمواد الأولية تنتهج نظام "الداخل (الوارد) أولاً خارج (صادر) أولاً". حتى اتفاقيات التوريد الخمس (أعلن عن اثنتين منها فقط) لم تفصح عن شروطها ولا عن أصحابها.
وساقترح، في هذه المقالة، بعض الحلول التي قد تساعد في الخروج، بأقل قدر من الأضرار، من الأزمة الحالية:
أولا: يجب رفض توصية هيئة المواصفات والتقييس الداعية لعدم استخدام كنكري الحجر الجيري في البناء والابقاء على توصيتهم فيما يتعلق بالطرق والشوارع. ان المباني التي تم استخدام الحجر الجيري الصلب فيها لا تزال قائمة وخير مثال على هذا فندق الشيراتون وبرج السلام. ان مثل هذا الاجراء سيقلل من الطلب الكلي على "الجابرو" لأكثر من النصف. والمطلوب من وزارة البيئة الانتهاء من مزايدة مناطق التحجير وفتح مناطق جديدة للكسارات. أما الخوف من تجريف التربة فيمكن حله عن طريق اجبار شركات الكسارات بملء الحفر بالتربة الطينية المجلوبة من الخارج (يبلغ الطن منها حوالي 3 دولارات واصل الميناء).
ثانياً: الاستفادة من القطاع الخاص لبناء موانيء مؤقتة في منطقة محددة تخضع لأجهزة الدولة. وهذا كفيل بتوفير الأرصفة المطلوبة لاستيراد وتفريغ مواد البناء بدون أن يتكبد المستورد أية تكاليف اضافية بسبب التأخير، وهذا بدوره سينعكس على الأسعار.
ثالثاً: أما بالنسبة للرمل المغسول الذي بدأ مخزونه بالنفاذ فأعتقد أن مملكة البحرين حلت هذه المشكلة باستخدام رمل قاع البحر، طبعاً بعد غسله، للبناء وبهذه الطريقة حققت تعميق قاع البحر ولم تستورد رملاً باهظ التكاليف من الخارج، مع العلم بأن جزيرة اللؤلؤة قامت على رمل البحر.
رابعاً: لقد أحزنني رؤية صورة جوية تم تداولها في مواقع التواصل الاجتماعي لعملية تحميل رمل النجيان التي تزاولها الشركة. وفي هذا فانني أشيد بتجربة وزارة البلدية والتخطيط العمراني في عملية التنظيم والاشراف على بيع رمل النجيان (الكثبان الرملية)، وأتمنى أن تعود كما كانت.
خامساً: ومع أن الاسمنت زاد استهلاكه في قطر الا اننا لم نشعر بذلك لأن فتح المجال لأكثر من شركة في تصنيع الاسمنت حقق التوازن بين العرض والطلب لهذه المادة.
وقبل الختام نقول ان بوادر زيادة أسعار أسياخ التسليح بدأت تلوح في الأفق وبقوة، ونحن لا نطلب من الشركة المحتكرة سوى بيع أسياخ التسليح كما تبيعه بالدول المجاورة. ان هذا الفعل كفيل بخفض قيمة أسياخ التسليح بأقل مما يباع به في قطر.
وفي الختام أقول كما قال الشاعر الجاهلي أسـد بن ناعصة:
فلم أرَ كالأيام للمـرء واعظا *** ولا كصروف الدهر للمرء هاديا
ومن لا يتعظ من التاريخ فانه سيكرر أخطاء الماضي،
فأرجو أن نكون قد اتعظنا مما سبق من تجارب، وألا نكرر نفس الأخطاء. فكما قال أحد الحكماء "العاقل من يعتبر (أو يتعظ) بما مر عليه من تجارب، والغبي وحده هو الذي يقع فيها كل مرة". اللهم اني قد بلغت اللهم فاشهد.
والله من وراء القصد،،

Comments

Popular posts from this blog

مجلس الشّورى والتّقاعد

الحصار وتخبط غرفة قطر

الأرض والقرض للجميع