شركة المواد.. إلى أين؟

 

شركة المواد.. إلى أين؟

عندما بدأت قطر في الاستعداد لبطولة آسياد 2006 حدثت مشكلة كبيرة في توفير المواد الخام لبناء منشآتها الرياضية وطرقها وشوارعها وبعض مبانيها، مما ترتب عليه ارتفاع غير مسبوق لأسعار كل من "الجابرو" وكنكري الحجر الجيرى والاسمنت والرمل المغسول وأسياخ التسليح، الأمر الذى نتج عنه توقف انجاز بعض المشاريع المتعاقد عليها مع المقاولين الأجانب. هذا الوضع تطلب معه نوعان من الحلول: أولاً: الحل السريع لتوفير المواد، والحد من الارتفاع السريع لأسعارها، وذلك: 1. بفتح الموانيء لاستيراد أكبر كمية من "الجابرو" والأسمنت 2. التوجيه بزيادة فترات العمل لمصنع الرمل المغسول لزيادة الطاقة الانتاجية. ثانياً: حل طويل الأجل: بفتح المجال للقطاع الخاص بالمشاركة مثل اعطاء ترخيص لشركة اسمنت الخليج ببناء مصنع للاسمنت وغيرها. ولكن كل هذه الحلول كانت لمواجهة الطلب المحلى اليومى من تلك المواد. ولأن خطط الدولة كانت تهدف لاستضافة بطولة كأس العالم 2022، فقد يتطلب هذا الأمر بحل غير تقليدي . وعليه فقد قرر سمو الأمير المفدى آنذاك (سمو الأمير الوالد حالياً) بانشاء شركة قطر للمواد الأولية. وتم استدعاء رجل الأعمال خالد بن محمد الربان، نسأل الله له الرحمة، ودار نقاش جاد حول انشاء الشركة وكان ذلك بحضور كل من سمو ولى العهد الأمين آنذاك (سمو الأمير المفدى حالياً) ومعالي رئيس مجلس الوزراء السابق. وفى نهاية الاجتماع رسم سموه أهداف الشركة وطريقة عملها بأنها كالتالي: 1. تكوين مخزون استراتيجى من مواد البناء حتى يتم استخدامها فى وقت الأزمات فقط. 2. عدم الدخول فى منافسة بالسوق مع القطاع الخاص. 3. أن يتم طرحها للاكتتاب العام متى ما أثبتت جدواها الاقتصادية. وحتى يضمن سموه نجاح الشركة فى تحقيق أهدافها فقد كلف السيد الربان برئاسة الشركة مع اعطائه ميزانية مفتوحة غير ما ذكر في قرار التأسيس. وعلى هذا الأساس صدر قرار وزير الاقتصاد والتجارة رقم (143) لسنة 2006 بشأن تأسيس شركة قطر للمواد الأولية كشركة مساهمة قطرية برأس مال الشركة مصدر يبلغ 200 مليون ريال قطرى موزعة على 20 مليون سهم مملوكة بالكامل لحكومة دولة قطر وتم دفع 50 % منها. ومع أن غرضها المثبت بالنظام الأساسى (مادة 3) ينص على أن "غرض الشركة هو تجارة مواد البناء والمنتجات المرتبطة بها، تأسيس الشركات داخل وخارج دولة قطر، اقامة المصانع والمعامل المتعلقة بالصناعات المتفرعة والمكملة لمواد البناء، القيام بالاستيراد والتصدير"، الا انها، وللحق، لم تمارس سوى العمل فى تكوين مخزون استراتيجى لمواد البناء. ان انشاء الشركة كان له صدى طيب فى المجتمع لأنها ستؤدي، حسب المخطط المرسوم، الى تخفيض تكاليف البناء التى ارهقت المستثمرين واصحاب العقارات.
وبدأت الشركة العمل فى تكوين الاحتياطى الاستراتيجى من أول يوم لانشائها. وبعد مرور ست سنوات من العمل الجاد، ولغرض طرح الشركة للمواطنين من خلال اكتتاب عام، تم تكليف شركة محاسبة عالمية لتقييمها. وخلصت تلك الشركة، فى 2013، الى أن أصولها بلغت أكثر من ثلاثة مليارات من الريالات القطرية. وبدأت عملية الاتصال والتنسيق مع بورصة قطر لاستكمال الحوكمة ومتطلبات طرحها للاكتتاب وادراجها بالبورصة. وفى أبريل من 2014 تم تغيير مجلس الادارة. وبهذا التغيير دخلت الشركة فى مرحلة جديدة من العمل بدأت بسحب جميع المستندات التى تؤدى لطرحها للاكتتاب. وبعدها قامت الشركة، بدعوة تطبيق سياسة التقطير، بتسريح معظم الموظفين السابقين أصحاب الخبرة، تلتها مرحلة ادعاء منجزات الادارة السابقة مثل توسعة أرصفة تفريغ "الجابرو"، وصومعة الاسمنت، والسيور الناقلة وغيرها، بأنها منجزات حققتها الشركة فى حلتها الجديدة، وختمت كل ذلك بالتصادم مع القطاع الخاص، وبخاصة فيما يتعلق بسحب جميع أرباحه من عملية نشاطه فى المواد الأولية، سواء عن طريق تأخير تفريغ الحمولات (كل يوم تأخير يكلف أكثر من 000ر10 دولار)، أو عن طريق رسوم التفريغ العالية (حوالى 8 ريالات للطن)، أو عن عن طريق رسوم التخزين (2 ريال للطن لكل 17 يوماً).
ان الشركة، حسب ما أرى، تعانى من تعثر واضح فى عملياتها. فالمخزون الاستراتيجى الذى كنا نراه ونحن نسير على خط الخور الساحلى كجبل شامخ أصبح أصغر من أن نصفه بالتلة. أما السيور الناقلة، والتى من المتوقع تشغيلها فى فبراير 2016، تواجه مشاكل فى تشغيلها التجريبي، حتى أنهم عجزوا فى ايجاد من سيكون المسئول عن تشغيلها. أما صوامع الاسمنت فهى قضية أخرى تضاف الى سجل الشركة. فالشركة قامت بدعوة الشركات الراغبة فى استغلال الصوامع الى مراجعتها. فهل من المعقول أن يتم مثل ذلك علماً بأن انشاء الصوامع كان للمخزون الاستراتيجى للاسمنت (يعنى يجب أن تكون الملكية والسيطرة الكاملة حكومية)، وفى نفس الوقت، فانه من المعروف أن الاسمنت له تاريخ صلاحية لا تتعدى السنتين من تاريخ الانتاج، فلو خلط الاسمنت الجديد بالقديم فان مضاره على المنشآت كبير جداً، الا اذا كانت خطط الشركة القيام بتخزين الاسمنت فى تلك الصوامع فى أكياس.. الله العالم.
وفى الختام كنا نأمل أن تحقق الشركة استقرارا فى سوق المواد الأولية فى قطر، وأن تضمن ثبات أسعارها، ولكن ما حدث هو عكس ذلك. فسوق المواد الأولية، بسبب الاحتكار وعدم وضوح الرؤية لدى الشركة، أصبح يواجه زيادة بالأسعار وبالتضخم وبشح فى مواد البناء مما أدى وسيؤدى الى الحد من وتيرة النمو التى تشهدها البلاد، وسيؤدى أيضاً الى ارهاق المواطنين.
والله من وراء القصد،،

Comments

Popular posts from this blog

مجلس الشّورى والتّقاعد

الحصار وتخبط غرفة قطر

الأرض والقرض للجميع