احتكار مواد البناء

 

احتكار مواد البناء

مواد البناء هي مواد مهمة تؤثر في الحياة الاقتصادية على جميع السكان. فكلما زادت أسعارها زادت تكاليف المعيشة وزاد مؤشر التضخم. والمواد التي نحن بصددها هي: 1. الأسمنت. 2. الرمل المغسول. 3. "الجابرو". 4. كنكري الحجر الجيري. 5. رمل نجيان مسيعيد.
ولمعلوماتكم فإن أربع من هذه المواد محتكرة من قبل شركات أسستها الحكومة، أو سمحت بتأسيسها لأنها تخص شركات أو أفراداً معينين، أما كنكري الحجر الجيري فهو غير محتكر ظاهرياً، ولكن وزارة البيئة تنغص حياة من يزاول العمل به، ونأتي للحديث عن كل مادة.
الأسمنت: تأسست شركة قطر الوطنية لصناعة الاسمنت "الوطنية للأسمنت" فى 1965، كشركة مساهمة قطرية، بغرض انتاج وبيع الاسمنت بأنواعه والجير ومواد البناء الاخرى وتسويق هذه المواد فى دولة قطر. وبموجب تأسيسها فقد منحت احتكاراً لمادة الأسمنت، ولكن سحب منها احتكار بيع وتسويق الاسمنت وذلك بعد فشلها في مواجهة الطلب المتزايد في 1977 مع احتفاظها باحتكار التصنيع. وفي عام 2006، وبعد فشل الشركة مرة أخرى في تلبية احتياجات السوق، سمح بإنشاء شركة أخرى لصناعة الاسمنت هي شركة اسمنت الخليج. وتبلغ طاقة الشركتين حوالي 21 ألف طن في اليوم. وتقوم شركة قطر للمواد الأولية "شركة المواد" ببناء صومعة للاسمنت بجوار أرصفة "الجابرو" في مسيعيد بطاقة تخزين تبلغ 2 مليون طن من الاسمنت المستورد. حالياً لا توجد مشكلة في توفر الاسمنت، ولكن من المتوقع أن تبرز في الفترة القادمة لوجود هيمنة من شركة المواد على موانئ التفريغ، مما نتج عنه صعوبة في سرعة تفريغ مادة "الكلنكر" الداخلة في إنتاج الاسمنت.
الرمل المغسول: أول من قام بتأسيس مصنع للرمل المغسول في بداية الثمانينيات من القرن الماضي هي وزارة البلدية. وفي 2003 تم شراء المصنع من قبل الوطنية للاسمنت. وبسبب الطلب المتزايد تم السماح في بداية التسعينيات للشركة القطرية للصناعات التحويلية "التحويلية" بإنشاء مصنع للرمل المغسول. ودخلت شركة المواد فقامت ببناء مصنع ثالث للرمل المغسول. وتبلغ طاقة المصانع الثلاثة 27 مليون طن في السنة. ولا يوجد نقص في هذه المادة حالياً ولكن هناك استياء من الارتفاع الكبير لأسعار الرمل المغسول بسبب تأخر تحميله على الشاحنات، مما جعل سعره يقفز من 200ر1 ريال إلى 500ر1 ريال للحمولة الواصلة. ومن الملاحظ أن مخزون الرمل الخام الصالح للمعالجة بالغسيل بدأ بالانخفاض، ومن المحتمل انتهاء المخزون في السنوات القليلة القادمة. وللأسف فإن شركة المواد لم تضع الخطط المناسبة لعلاج هذا الوضع الخطير وإذا توجهت للاستيراد فهذا كفيل برفع سعر الحمولة لعدة الاف من الريالات.
مادة "الجابرو": تحدثنا عن هذه المادة الأسابيع الماضية وتبين لنا أن أسعارها ارتفعت من 72 ريالا إلى 135 ريالا للطن الواحد بسبب: 1. قلة أرصفة التفريغ (تصل الطاقة التفريغية الحالية 20 مليون طن، وسترتفع إلى 32 مليون طن في منتصف 2016، في حين أن الاستهلاك السنوي يصل إلى 60 مليون طن). 2. احتكار أراضيه (هيئة المواصفات والتقييس تشترط وجود الأرض لإنهاء معاملة التصديق على الشحنة، في حين أن الكثير من مؤجري أراضي تخزين "الجابرو" الحكومية لا يستغلونها بل يؤجرونها من الباطن الى موردي "الجابرو" بمبالغ كبيرة جداً).
كنكري الحجر الجيري: وهو من أقدم المواد المنتجة محلياً، ولكن بسبب توصية هيئة المواصفات والتقييس "الخاطئة"، قامت وزارة البيئة بإغلاق الكثير من المحاجر والكسارات وتم اعتماد أحجار "الجابرو" في البناء. ويستخدم الآن فقط في الفرشة السفلى للطرق والشوارع وفي صناعة الطابوق. وبسبب إغلاق الكسارات أصبح هناك فجوة في العرض مما جعل سعره يرتفع تبعاً لحجم الحجر. أما شركة المواد فقد استغنت عن الحجر الجيري المحلي وقامت باستيراد هذه المادة من إمارة رأس الخيمة جاعلة الكسارات الوطنية مع ارتفاع أسعار الديزل في دائرة من الخسائر. والمشكلة أن وزارة البيئة، ولعدم وجود رؤية واضحة، لم تنته حتى الآن، من طرح مزايدة مواقع التحجير.
رمل النجيان: في البداية كان بيع رمل النجيان (الكثبان الرملية)، الواقعة بالقرب من منتجع شاطئ سيلين، يتبع لشركات القطاع الخاص تحت اشراف مباشر من وزارة البلدية وكان يباع الطن بحوالي 2 ريال قطري طيلة اليوم. وأخذت شركة المواد احتكار هذه المادة فقامت في البداية برفع السعر إلى 5 ريالات للطن ومن ثم حددت أوقات العمل من 7:30 صباحاً إلى 3:30 مساءً مع إغلاق الموقع يوم الجمعة. هذه التنظيمات التي لا تخدم قطاع البناء، مع تحديد وزن حمولة الشاحنة (22 طنا)، مع زيادة أسعار الديزل، والصفوف الطويلة من الشاحنات التي تنتظر دورها لتحميل الرمل، ارتفع سعر رمل النجيان من 750 ريالا ليصبح 200ر1 ريال. القضية الأخرى التي لم تحسب شركة المواد حسابها أن حجم الاستنزاف من الرمل زاد عن حده وسوف تنتهي هذه الكثبان في غضون السنوات القادمة فمن أين ستجلب الشركة الكميات المطلوبة؟..
وفي الختام، وحتى لا نحسدهم، نقول: ما شاء الله تبارك الله، لم تدخل الشركة في نشاط، حسب ما أرى، إلا أحدثت فيه الفوضى. إن شركة المواد، التي لم تستطع حتى الآن تشغيل السيور الناقلة لمادة "الجابرو"، لن تستطيع تامين حاجة السوق المحلي من المواد الاولية في السنوات القادمة، ولن تستطيع المحافظة على استقرار الأسعار لسبب بسيط جداً أنها لم تخطط للمستقبل، ولا تعرف كيف تخطط، وكل ذلك نتيجة للاحتكار.
والله من وراء القصد.

Comments

Popular posts from this blog

مجلس الشّورى والتّقاعد

الحصار وتخبط غرفة قطر

الأرض والقرض للجميع