"الجابرو" واستغلال السلطات

 

"الجابرو" واستغلال السلطات

كلما ذهبت إلى فرح أو ترح، بعد مقالة الأسبوع الماضي، أجد الكثيرين من متابعي مقالاتي بجريدة الشرق يستوقفونني ليسألوا عن: 1. أسماء ملاك الشركة الإماراتية التي تم تفضيلها على الشركات المواطنة دون إبداء أسباب مقنعة للمتقدمين الآخرين. 2. الأمور الأخرى التي أثارها إعلان الشركة الذي نشر بتاريخ 30/8/2015 والتي لم أنشرها للقارئ الكريم في تلك المقالة. في البداية أقول إنني لن أتطرق لموضوع الشركة الإماراتية التي تم تفضيلها على كل الشركات القطرية، مع أن التوجهات الأميرية السامية وتوجهات مجلس الوزراء الموقر تأمر بتفضيل الشركات القطرية على الأخرى ولو كانت أسعارها تزيد بحدود 10 % على غيرها من الشركات. أما عن الموضوع الثاني فأقول إنه بجانب ما ذكرته في الأسبوع الماضي فإن الإعلان، الذي كان في حقيقته موجه لسمو الأمير المفدى وسمو نائب الأمير ومعالي رئيس مجلس الوزراء، يثير عدة قضايا من أهمها:
أولاً: المخزون من "الجابرو": تم الإعلان، وللمرة الأولى، عن استعداد الشركة للبيع من مخازن "الجابرو" للجمهور. سبحان الله .. إن من أهداف إنشاء الشركة هو الحفاظ على استقرار السوق في المواد الأولية. ولكنهم، حسب ما أرى، كانوا مستمتعين بمضرة المواطن عن طريق ارتفاع أسعار "الجابرو" الجنوني، وكأن الموضوع لا يخص المجتمع الذي تحرص الحكومة على رفاهيته. إن الشركة الحكومية لم تتحرك تحركاً إيجابياً بطرح أي كمية من هذا المخزون لإيقاف ارتفاع الأسعار، ولولا المقالات التي كتبت لما تحركت الشركة لمصلحة الوطن والمواطن وكأنها تنتظر من يوجهها أو يلزمها باتخاذ مثل هذا القرار. إنه من المفروض أن يكون لدى الشركة مجموعة من محللي مؤشرات الأسواق، ويجب أن تتحرك حسب المؤشرات والخطط وليس حسب الضغوط.
ثانياً: المؤشرات والمخزون الإستراتيجي: إن الهدف الأسمى لإنشاء الشركة هو تكوين مخزون إستراتيجي من المواد الخام الأولية، والخوف أنه مع عدم كفاءة الشركة في إدارة العملية أن تقوم بالتعدي على المخزون الإستراتيجي الذي قامت الإدارة السابقة، ولسنوات عديدة، بتنميته. الأمر الذي سيؤدي إلى نفاده، وفي هذا ضرر كبير على الأمن القومي لأنه قد يؤثر على استكمال مشاريع 2022.
ثالثاً: القطاع الخاص والقطاع العام: بما أن الشركة ذكرت في إعلانها أنه تم البدء في بيع مادة "الجابرو" لمقاولي ومستخدمي المواد الأولية من القطاع الخاص والحكومي فكان عليها توضيح ما هو القطاع الخاص الذي تنطبق عليه الشروط والأحكام؟ وما هي تلك الشروط والأحكام؟ وهل هي من الأسرار؟ إننا نأمل أن تكون الشركة أكثر شفافية في تحديد هذه الأمور. إن عدم إيضاح ذلك سيؤدي إلى قيام الشركة بتوزيع الكيكة (المخزون) على من تريد، وفي هذا ظلم لبقية المقاولين المواطنين.
رابعاً: قدرة الموانئ: إن العنوان الرئيسي للإعلان هو "استيعاب الموانئ 58 مليون طن من "الجابرو""، غير صحيح، لأنه يوحي للقارئ بأن هذه هي الطاقة الحالية للموانئ. وكان الأحرى من الشركة ذكر: متى سوف تصل الموانئ لهذه الطاقة الاستيعابية؟ وكم سيكون نصيب شركة قطر للمواد الأولية من هذه الطاقة؟ كم سيكون نصيب القطاع الخاص منها؟ وهل ستستمر الشركة بإبعاد بواخر القطاع الخاص لإدخال بواخرها؟
خامساً: المساحة التخزينية: مخازن "الجابرو" بشكل عام، ومخازن مسيعيد بشكل خاص، هي جزء من المشكلة ولم يتم حلها حتى تاريخ نشر الإعلان. أما الإعلان فإنه يوحي بأن المساحات متوافرة وقابلة للتوزيع على المستوردين. صحيح أنها ذكرت في الإعلان أن على الراغبين في حجز منطقة التخزين المؤقتة ضرورة التواصل مع إدارة الخدمات اللوجستية، ولكن حتى هذه العبارة مربوطة بعبارة "تتم وفقاً للشروط والأحكام" الغامضة.
سادساً: تكلفة المساحة التخزينية: الصراحة أن من فكر بهذا النوع من الاستغلال هو عبقري دون حدود. إن التعامل مع من وزعت عليهم أراضي "الجابرو" أرحم في التعامل مع الشركة التي ينتظر منها دعم السوق وليس استغلاله. فلو استأجرت، من الباطن، قطعة أرض من المنتفعين من أراضي "الجابرو" فأنت ستدفع في حدود مليون ريال قطري في السنة، ولكنك لو استأجرتها من الشركة في مناطق التخزين المذكورة، والممنوحة لهم من الدولة بالمجان، فسوف تدفع، لنفس المساحة، مبلغ يزيد عن خمسة ملايين ريال قطري في السنة.
سابعاً: الحلول اللوجستية: نجد في الإعلان تركيز الشركة على الحلول اللوجستية. وهذه الأنشطة هي مجال القطاع الخاص وليس الحكومي، وكان على الشركة، بدلاً من منافسة القطاع الخاص، أن تسعى لتوفير الحلول الجذرية لتوفير المواد الأولية، مثل تطوير الموانئ والمخازن، وتمويل القطاع الخاص لامتلاك البواخر والبوارج والشاحنات، و/أو ضمان التمويل، و/أو التأجير المنتهي بالتمليك. ولو تم ذلك فسوف يكون وجود الشركة مرحب به وبقوة، ولن ينظر إليها بأنها تنتزع اللقمة، بقوة القانون والامتيازات الممنوحة لها، من فم القطاع الخاص.
ثامناً: استغلال السلطات: هناك استغلال فعلي للسلطات من قبل الشركة. وأقول، وأنا متأكد شخصياً من كلامي، أنها تتم من غير موافقة الحكومة وذلك لمعرفتي القريبة من الحكومة. فالحكومة، كما أعرف، شديدة الحرص على دعم القطاع الخاص والاقتصاد الوطني وتحقيق الرفاهية للمواطن القطري، وما تفعله الشركة، كما ألاحظ، هو عكس هذه التوجهات.
وفي الختام طلع الإعلان خدعة، وما حواه طلع نهبة، والعجيب أن كل ذلك يقابله صمت تام من قبل مجلس إدارة غرفة تجارة وصناعة قطر. والسؤال الموجه للبعض منهم: هل ستتضرر مصالحكم مع شركة قطر للمواد الأولية إذا أنتم ناقشتم موضوع مادة "الجابرو"؟
والله من وراء القصد ،،

Comments

Popular posts from this blog

مجلس الشّورى والتّقاعد

الحصار وتخبط غرفة قطر

الأرض والقرض للجميع