لا تفرحوا.. الإعلان ليس لكم

 

لا تفرحوا.. الإعلان ليس لكم

في كل عطاء يتم إعلام المتقدمين بوضعهم بالمقارنة مع غيرهم وذلك لمعرفة أسباب إرساء المعاملة على هذه الجهة أو تلك، ولكن شركة قطر للمواد الأولية ضربت كل مبادئ الشفافية ومبادئ حوكمة الشركات عرض الحائط ولم تعلن عن أي شيء يتعلق بذلك العقد الذي وقعته مع الشركة الإماراتية. ولكن استبشرنا خيراً بأن الشركة بدأت في حل مشكلة "الجابرو" في قطر.
وقامت الشركة بنشر إعلان مدفوع الأجر في كل جرائد قطر (الشرق صفحة 5، والراية صفحة 3، والوطن صفحة 9 بتاريخ 30 /8/ 2015) تعلن فيه، وبالخط العريض، "أنها زادت من طاقة موانئ الدولة لاستيعاب توريد مادة "الجابرو" لتصل إلى 58 مليون طن". وذكر في الإعلان أنه "تم البدء في بيع مادة "الجابرو"، المتواجدة في مناطق التخزين التابعة للشركة في مدينة مسيعيد ولوسيل لمقاولي ومستخدمي المواد الأولية من القطاع الخاص والحكومي ابتداءً من 20 أغسطس 2015". وشخصياً فرحت بهذه المبادرة، وقمت بتهنئة الكثير من الأصدقاء ومن ضمنهم القائمين على جريدة الشرق، لأن الشركة بهذا الأسلوب ستعمل على تثبيت أسعار المواد الأولية في السوق المحلي. ولكن من غلطتي أنني قرأت الإعلان مرة أخرى وأكتشف شيئاً جديداً. وبعد عدة قراءات وصلت إلى قناعة أن الإعلان الذي نشر في الجرائد لا يخاطب الشعب القطري ولا المتعاملين في سوق المواد الأولية لطمأنتهم بتوافر كميات كبيرة من مادة "الجابرو". بل أن القصد الأول والأخير من هذا الإعلان هو أن يطلع عليه كل من سمو الأمير المفدى وسمو نائب الأمير ومعالي رئيس مجلس الوزراء بهدف طمأنتهم بأن ما يذكره الدكتور محمد الكبيسي في مقالاته هو محض افتراء وعار من الصحة وأن الوضع أكثر من جيد في سوق "الجابرو".
إن الذي جعلني على يقين بأن الإعلان موجه فقط لسمو الأمير المفدى وسمو نائب الأمير ومعالي رئيس مجلس الوزراء هو التالي:
أولاً: ذكرت الشركة في الإعلان، وبالخط العريض، "أنها زادت من طاقة موانئ الدولة لاستيعاب توريد مادة "الجابرو" لتصل إلى 58 مليون طن". سبحان الله.. حتى "جني مصباح علاء الدين" لا يستطيع رفع طاقة التفريغ إلى هذا الحد بين ليلة وضحاها. وقمت، من الإعلان نفسه، بجمع طاقة الموانئ ووجدت: 1. طاقة ميناء مسيعيد = 34 مليون طن (طاقته الآن هي 20 مليون طن). 2. طاقة ميناء لوسيل = 3 مليون طن. 3. طاقة ميناء رأس لفان = 9 مليون طن (طاقته حسب تصريحاتهم هي 5ر7 مليون طن). وبهذا يصبح المجموع 46 مليون طن (الطاقة الحقيقية للموانئ الآن هي 5ر30 مليون طن فقط). فمن أين أتت الشركة برقم 58 مليون طن؟ وحتى لو قلنا أن ميناء مسيعيد قادر على 34 مليون طن، فهذا لا يعني أنه من مادة "الجابرو" فقط. فلقد ذكر، في الإعلان نفسه، أن هناك مواداً أخرى سيتم تفريغها في ميناء مسيعيد وهي تشمل مواد الجبس والكلنكر والبوكسايد والطين والحديد الخام.
ثانياً: لقد لاحظت أن كلمة "يتم وفقاً للشروط والأحكام" تكررت ست مرات في الإعلان وبخط صغير جداً يكاد لا يرى. فسألت نفسي لماذا هذا التأكيد على هذه العبارة في كل نقطة من نقاط الإعلان؟ فقمت بالاتصال مع أحد المحامين فقال "كان من الممكن الاكتفاء بعبارة "يتم وفقاً للشروط والأحكام" مرة واحدة غير مكررة لتشمل ما ورد بالإعلان كله، ولكن من الواضح أن التأكيد عليها لتستطيع الشركة أن تتنصل من أي بند ذكرته في الإعلان بدون أن يستطيع المتضرر أو الذي لا تجاب طلباته الوصول للقضاء لأخذ حقه، لأن الرد سيكون إنه لم يكن وفقاً للشروط والأحكام". بارك الله في من أعد إعلان الشركة، ومن راجعه، ومن جعل الشروط والأحكام سرية.
ثالثاً: ذكر في الإعلان أنه "تم البدء في بيع مادة "الجابرو" المتواجدة في مناطق التخزين بمسيعيد". وبعد البحث لم أجد أي جهة تم لها البيع من المخازن، وبشكل علني، سوى الهيئة العامة للأشغال. ومن مصادري الخاصة عرفت أن شركة سميت، وهي شركة شبه حكومية، وقعت مع الشركة لمدها "بالجابرو" ولكن كتب شرط في عقدها أن إنتاجها سيكون للمشاريع الحكومية فقط. فسألت شركة المواد: كيف يمكنني شراء "الجابرو"؟ فقيل لي "1. يجب أن يكون لديك مصنع خرسانة (ردي مكس). 2. تأتي بشهادة من الجهة الحكومية باسم المشروع وباسم المقاول الرئيسي. 3. إحضار شهادة من المقاول الرئيسي أنك تزوده بالخرسانة. 4. تأتي بشهادة من المهندس الاستشاري على المشروع يحدد فيها حساب الكميات وحجم المواد المطلوبة فعلياً". وعلى هذا فإن إدعاءهم بالبيع لمقاولي ومستخدمي المواد الأولية من القطاع الخاص، وكما ورد في الإعلان، هو إدعاء باطل غير صحيح، وعلى القطاع الخاص البحث عن مصادر أخرى بأسعار عالية.
وفي الختام نقول إنني تحدثت عن الإعلان فقط، مع أن هناك أموراً أخرى كثيرة يثيرها الإعلان نفسه، ولكني اكتفي بما ذكرته. ونقول إن الصدق منجاة، ولا يجوز ادعاء ما ليس بحقيقة فقط ليرضى عنكم سمو الأمير المفدى وسمو نائب الأمير ومعالي رئيس مجلس الوزراء. ونقول لكم إن الذي يرضيهم، كما نعرف عنهم من قرب، هو عملكم المخلص وبذل الجهد الكبير في تحقيق آمال دولة قطر والشعب القطري.. "وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَانًا نَصِيرًا" الإسراء: 80
والله من وراء القصد..

Comments

Popular posts from this blog

مجلس الشّورى والتّقاعد

الحصار وتخبط غرفة قطر

الأرض والقرض للجميع